الدينار العراقي إلى تآكل جديد.. حقيقة دور العقوبات الأميركية والعملة الصينية
لم يدم استقرار سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي لبضعة أشهر حتى عاود الارتفاع مجددا بعدما كسر حاجز 1500 دينار في السوق الموازية، في تحرك أثار كثيرا من الجدل حول الأسباب والتساؤلات عن الحلول. وفي طليعة الأسباب التي عددها الخبراء والمحللون إيقاف التعامل باليوان الصيني في التجارة مع بكين، وتطبيق آلية جديدة لبيع الدولار للمسافرين، وعوامل أخرى ضاعفت الطلب على العملة الأميركية في السوق المحلية ورفعت أسعار صرفه.
ويُرجع الباحث في الشأن المالي نوار السعدي الارتفاع الأخير في سعر الدولار إلى مجموعة من العوامل «المعقدة والمتشابكة»، في صدارتها قرار البنك المركزي العراقي وقف التعامل باليوان الصيني بعد اتهامات من مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بتضخيم قيمة الحوالات مع الصين.
وقال السعدي لوكالة أنباء العالم العربي إن هذا القرار أثَّر على السوق المحلية تأثيرا مباشرا ودفع التجار والشركات التي كانت تعتمد على اليوان في تعاملاتها التجارية مع الصين إلى اللجوء للدولار الأميركي كبديل، مما زاد الطلب على الدولار ورفع سعره.
العقوبات الأميركية
وأضاف «العقوبات الأميركية المفروضة على بعض المصارف العراقية أدت أيضا إلى تقلص تدفق الدولار على السوق، مما قلل من العرض وزاد من الطلب»، لافتا إلى أن ارتفاع سعر الدولار يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة معدلات التضخم في البلاد، ما يؤثر سلبا على القوة الشرائية للأسر العراقية ويزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي.
وذكرت وسائل إعلام قبل أيام أن محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق أجرى زيارة غير معلنة إلى الولايات المتحدة للتباحث مع المسؤولين بشأن قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي المتعلق بإيقاف تعامل بغداد باليوان. وقال السعدي «زيارة العلاق إلى واشنطن قد تكون لها تأثيرات إيجابية على سعر صرف الدولار، لكن في النهاية ستبقى الحلول وقتية كما كان يحصل دائما في الزيارات السابقة، والأمر يعتمد بشكل كبير على نجاح المفاوضات والاتفاقيات التي قد يتم التوصل إليها».
واستطرد «إذا استطاع العلاق التوصل إلى اتفاق مع الفيدرالي الأميركي بشأن استئناف التعامل باليوان أو تسهيل الحوالات المالية، فإن ذلك سيعيد التوازن إلى السوق ويقلل من الضغط على الدولار. كما أن رفع أو تخفيف العقوبات الأميركية على المصارف العراقية المعاقَبة يمكن أن يعزز تدفق الدولار إلى السوق، مما يساعد في خفض سعره».
معالجة الأسباب
ارتفعت أسعار صرف الدولار في العراق في الأسبوع الماضي لتسجل 150 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، أما أسعار البيع في محال الصيرفة بالأسواق المحلية فارتفعت إلى 151 ألفا.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد وعد في أبريل 2023 بحدوث تحسن في قيمة الدينار مقابل الدولار، وهو ما تحقق لفترة قبل أن تعاود العملة المحلية الهبوط مجددا.
وأعرب السعدي في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي عن أمله في أن تسهم ضمانات البنك المركزي العراقي وإجراءاته لتعزيز الشفافية والامتثال للمعايير الدولية في بناء الثقة مع الجهات الدولية ما يسهم في تخفيف القيود والعقوبات المفروضة. وأضاف «على الرغم من أن هذه الإجراءات قد تستغرق بعض الوقت لتحقيق تأثير ملموس، فإنها خطوات ضرورية لتحقيق الاستقرار المالي».
ويرى الباحث في الشأن المالي أن تحقيق الانخفاض المنشود في سعر الصرف يستدعي من البنك المركزي «معالجة الأسباب الجذرية الضاغطة على العملة المحلية». وقال إن هذا الانخفاض إذا تحقق «سيبقى طفيفا يتراوح بين 145 و146 ألف دينار مقابل المئة دولار.. .لكن مع ذلك يجب أن تكون هناك متابعة مستمرة وتطبيق فعال للإصلاحات لضمان تحقيق الاستقرار المطلوب في الاقتصاد العراقي».
حوالات مضخَّمة
وعن الحوالات المالية مع الصين قال الباحث في الشأن المصرفي مصطفى أكرم حنتوش «الجانب الأميركي يتهم العراق بأن حوالاته المالية إلى الصين مضخمة، ما يعني أن البضاعة التي تأتي بسعر 50 مليون دولار تكون قيمتها من 10 إلى 20 مليون دولار تقريبا». وأضاف قائلا لوكالة أنباء العالم العربي «عندما يخاطب الفيدرالي الأميركي البنك المركزي العراقي ويسأل: (هل تمتلكون ربطا مع الحوالات؟) و(هل تم بالفعل استلام البضاعة؟)، ثم لا يملك البنك المركزي إجابة، فإن هذا يكون تفسيره أن جميع التهم الموجهة له صحيحة».
وأردف قائلا أن الجانب الأميركي يبحث عن آلية جديدة وهي تدقيق الحوالات الصينية قبل انطلاقها، «ومن هنا طرحت البنوك المملوكة للمستثمرين الأجانب نفسها بأن تتولى التحويل بالدولار وليس باليوان الصيني، ومن ثم انحصرت هذه العملية بهذه المصارف».
وكان البنك المركزي العراقي قد أصدر في بداية عام 2023 قرارات للمحافظة على استقرار الوضع النقدي والاقتصادي العام ومواجهة مخاطر تذبذب سعر صرف الدينار مقابل الدولار وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير عن طريق فتح آفاق جديدة مع البنوك العالمية بما فيها بنوك الصين.
وكان من تلك القرارات تعزيز أرصدة المصارف العراقية التي لديها حسابات مع مصارف صينية باليوان الصيني، حيث يسهم التعامل باليوان مباشرة دون وساطة الدولار الأميركي في تسهيل وتسريع المعاملات المالية، وتقليل تكاليف الاستيراد، والحماية من مخاطر تذبذب أسعار الصرف داخل العراق.
البيع للمسافرين
غير أن الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي يرى أن السبب الرئيسي وراء عودة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق المحلية هو "التضييق في بيع الدولار على المسافرين وحصر الأمر عبر المطارات".
وقرر البنك المركزي العراقي في بداية يوليو الحالي حصر استلام المسافرين للدولار عبر منافذ المصارف وشركات الصرافة داخل المطارات الدولية، بعد أن كان يمدهم بالدولار من المصارف داخل أنحاء العراق، مؤكدا أن الهدف من هذا هو وصول الدولار للمسافر الحقيقي.
وقال التميمي لوكالة أنباء العالم العربي إن زيارة العلاق لواشنطن قد لا تكون عاملا مؤثرا بقدر كبير في عودة الدولار للانخفاض، لكنه أشار إلى أهمية السعي خلال الزيارة لإزالة المعوقات والتخفيف من العقوبات المفروضة على بعض المصارف. وأضاف «إزالة تلك العقبات تعني أن وضع الدولار سيكون جيدا ومستقرا في العراق، ومن دون ذلك ربما يحدث ارتفاع أكبر في سعر الصرف».
ويتفق الخبير في الشأن الاقتصادي علاء الفهد مع الرأي القائل بأن من أبرز أسباب ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية تطبيق المركزي العراقي للآلية الجديدة الخاصة ببيع الدولار للمسافرين، إضافة إلى وجود أزمة في تدقيق الحوالات باليوان الصيني، وهو أمر قال إن البنك المركزي العراقي تمكن من حله سريعا. ويتوقع الفهد حدوث انخفاض تدريجي لسعر صرف الدولار خلال الأيام المقبلة، وقال «هذا الارتفاع متعارف عليه عند تطبيق أي سياسة جديدة من قبل البنك المركزي العراقي، فهنا يحاول المضاربون استغلال الموقف لزيادة مكاسبهم».
نافذة بيع العملة
يضخ البنك المركزي العراقي الدولار إلى المصارف عن طريق نافذة بيع العملة التي يقول إن لها عدة وظائف أولها تحقيق الاستقرار في سعر الصرف وثانيها تلبية متطلبات التجارة الخارجية، مشيرا إلى أن "القطاع السلعي العراقي عاجز عن توفير متطلبات السوق المحلية". ويقول البنك المركزي إن النافذة «تلبي 87% من متطلبات الاستيراد السلعي للعراق».
وتدخلت الولايات المتحدة في حركة الدولار في العراق للحد من تهريبه، وفرضت أكثر من مرة عقوبات على المصارف العراقية الخاصة وأبعدتها عن نافذة العملة، ما أدى إلى انخفاض مبيعات البنك المركزي. كما اتخذ البنك المركزي إجراءات عدة من بينها فتح نافذة إلكترونية للتجار.
ودعا العراق في السابع من فبراير الماضي الخزانة الأميركية لإعادة النظر في قرار فرض عقوبات على بعض المصارف الأهلية، مؤكدا أهمية دور تلك المصارف في تمويل نفقات البطاقات التموينية وتوفير سلة السلع الغذائية للعائلات العراقية.
وتعالت في العراق أصوات تدعو للاستغناء عن التعامل بالدولار، تصدرتها حركة (حقوق) التابعة لكتائب حزب الله والتي أحرق رئيسها حسين مؤنس ورقة من فئة المئة دولار خلال لقاء تلفزيوني مؤكدا أن 46% من سكان العالم بدأوا بالاستغناء عن العملة الأميركية. لكن في المقابل كانت هناك أصوات تؤكد صعوبة مثل هذا الأمر. وأكد عضو اللجنة المالية النيابيّة معين الكاظمي في حديث سابق لوكالة أنباء العالم العربي أن الاستغناء عن الدولار كليّة أمر صعب على بلدٍ يعتمد عليه في كلّ الواردات وجميع القطاعات، وأبرزها القطاعات النفطيّة.
وقال الكاظمي "«جارب بلدان مثل الصين وروسيا لا تتكرّر بسهولة.. .الدولار عملة عالميّة ومتجذّرة في جميع التعاملات الاقتصادية لدول العالم».
اقرأ المزيد:
ما علاقة الفنان سلطان العماني بهجوم الوادي الكبير بمسقط؟ (فيديو)