«النزوح من الموت».. رحلة مستمرة لأهالي خان يونس
تعيش عائلة الفلسطيني عيسى الحاج سعيد في صدمة بعدما أجبرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، كغيرها من سكان أجزاء واسعة من خان يونس في جنوب قطاع غزة، على النزوح إلى منطقة المواصي في غرب المدينة، بعد ثلاثة أيام فقط من عودتها إلى بقايا منزلها المدمر عقب جهود مضنية لتهيئة أجزاء من غرفتين متبقيتين للعيش فيهما.
وبدأ الحزن والغضب على وجوه الأبوين وأبنائهما السبعة الذين كانوا يحلمون بالاستقرار في بقايا منزلهم بعد رحلة نزوح بدأت منذ مطلع ديسمبر كانون الأول، حتى اضطروا إلى النزوح مجددا تحت وطأة القصف الإسرائيلي العنيف، حسب وكالة أنباء العالم العربي.
محاولة تأخير النزوح
و حاولت العائلة تأخير نزوحها ليوم إضافي على أمل انتهاء العملية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن الليلة التي قضوها حيث يسكنون في شمال خان يونس كانت الأكثر رعبا منذ بداية الحرب مع شدة القصف الجوي والمدفعي وإطلاق الرصاص من الطائرات ودوي الانفجارات الذي كان يمكن سماعه في كل مكان.
طلع شمس نهار جديد ولم يكن أمام العائلة سوى الرحيل إلى المواصي بواسطة جرار زراعي يجر مقطورة خلفه وضعت عليها الأسرة بعض المستلزمات الأساسية قبل الفرار عبر طرق زراعية ورملية، وصولا إلى المواصي التي عادوا إلى نصب خيمتهم وملحقاتها فيها بعد أن فككوها قبل أيام فقط.
تعود عائلة الحاج سعيد إلى ما أسمته «موت الحياة» في النزوح مثلما كانت ميتة في خان يونس المدمرة، ولكن بشكل مضاعف مع غياب الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية فضلا عن التفاصيل اليومية القاسية.
ينهمك الأب مع ولديه الكبيرين أحمد الطبيب بمستشفى ناصر ومحمد الذي يدرس طب الأسنان في جامعة الأزهر بغزة في نصب الخيمة وتجهيز مرحاض ومطبخ صغيرين من النايلون والألواح الخشبية، بينما تحاول الأم مع ابنتها هيا (18 عاما) ترتيب بعض الأمتعة.
لذلك، فأهالي خان يونس بحسب الحاج سعيد يعتبرون ما يجري لمدينتهم بمثابة «إعدام لكل ملامح الحياة واستكمال لمسار التدمير والنزوح إلى ما لا نهاية»، لافتا إلى أنهم فقدوا الإحساس بالحياة وقيمتها وتحولت تفاصيل حياتهم اليومية إلى موت مستمر رغم أنهم يتنفسون، على حد قوله.
وقال الحاج سعيد «خان يونس تموت رغم أن أهلها ما زالوا على قيد الحياة، أبلغنا الجيش الإسرائيلي بتوسيع المنطقة الآمنة فأعدنا إصلاح ما يمكن إصلاحه لنعيش بعيدا عن الخيام، وعندما عدنا تراجع الجيش وأجبرنا على النزوح مجددا»
وأضاف «مدينتنا الوحيدة في القطاع التي جرى فيها هذا الإجراء، توسيع منطقة آمنة ثم التراجع عنها، الرسالة واضحة: لن نسمح لكم بالعودة إلى الحياة مطلقا».. وتابع قائلا بصوت مرتفع «يقتلونا ويخلصونا من هذه الحياة المميتة، بدلا من كل هذا الموت الذي نعيشه يوميا طيلة أشهر الحرب».
مواصي خان يونس تكتظ بخيام النازحين
منطقة مواصي خان يونس تكتظ بخيام النازحين الفلسطينيين بعد اضطرارهم إلى أن يعودوا أدراجهم عقب عودتهم إلى مناطقهم الأصلية إثر أوامر من الجيش الإسرائيلي
كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أجبر سكان بلدات وأحياء عديدة في خان يونس على إخلائها والنزوح إلى المواصي عبر اتصالات مسجلة ومنشورات ألقيت من الجو، بدعوى بدء عملية عسكرية في المناطق المحددة.
وبات الآلاف من نازحي خان يونس في شوارع المناطق الواقعة في غرب المدينة وهم في طريقهم إلى المواصي بعد حلول الظلام خشية تعرضهم للقصف، ليكملوا مشوارهم في الصباح مشيا على الأقدام مع عدم قدرة الكثيرين على دفع قيمة استئجار سيارات أو عربات تجرها حيوانات.
عائلة عبد الله القرا
عائلة عبد الله القرا كانت من العائلات التي خرجت من منزلها في شرق خان يونس دون أن يسعفها الوقت لحمل بعض الأمتعة أو المواد الغذائية التي تحتاجها، لتجد نفسها على قارعة الطريق وتبدأ عملية البحث عن مستلزمات خيمة أو عريشة لنزوحها المتجدد.
ألقى القرا، الأب لخمسة أطفال، بصغاره وبعض الحقائب الصغيرة التي استطاع حملها على الشارع الرئيسي في المواصي منذ غروب الشمس أمس الاثنين، دون طعام أو ماء ودون حتى مكان لقضاء الحاجة سوى في خيام بعض النازحين القريبة.
وتساءل القرا في حسرة قائلا «خان يونس تموت ونحن نموت ولا معني للحياة بعد كل هذا الجحيم».
وأضاف مستشهدا بأحد الأمثال الشعبية «رضينا بالبين والبين ما رضي فينا».
وتوغلت دبابات وآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في بلدة بني سهيلا في شرق خان يونس على مقربة من مدخل المدينة الرئيسي في الساعات القليلة الماضية، بينما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة مقتل 89 فلسطينيا وإصابة 263 آخرين خلال 24 ساعة من بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في المدينة.
اقرأ المزيد
لماذا يسحب اليمنيون ودائعهم من المصرف المركزي؟
حميدتي يعلن المشاركة في محادثات وقف إطلاق النار بسويسرا
خليجيون| هل تدشن مبادرة الإمارات مهمة «متعددة الجنسيات» في غزة؟