حقبة «مجهولة» في تاريخ مصر بمعرض تشكيلي

حقبة «مجهولة» في تاريخ مصر بمعرض تشكيلي
تاريخ الحركة التشكيلية
القاهرة: «خليجيون»

سلط معرض «في صحبة محمود سعيد» المقام في قصر عائشة فهمي بالزمالك الضوء على حقبة مجهولة من تاريخ الحركة التشكيلية في مصر عبر عرض أعمال لفنانين أجانب ومتمصّرين عاشوا في مصر من نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف خمسينيات القرن الماضي.

وبخلاف أعمال رائد التصوير المصري محمود سعيد الذي يحيي المعرض ذكرى مرور 60 عاما على وفاته، يكشف المعرض عن مجموعة نادرة من لوحات فنانين أجانب عاصروه، وتفاعل مع إنتاجهم، وشاركهم تأسيس جماعات فنية ومبادرات استهدفت رعاية الفنون الجميلة في مصر، حسب وكالة أنباء العرب.

وعن ذلك قال رئيس قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية الفنان وليد قانوش ما يجمع هؤلاء الفنانين اقترابهم بشكل كبير من رائد «التصوير المصري الحديث محمود سعيد» (1897-1964).

يستمر المعرض حتى منتصف أكتوبر تشرين الأول، ويُبرز الروح التعددية التي ميزت مدينة الإسكندرية وانعكست في إنتاج الفنانين الأجانب الذين ارتبطوا بها، وصرح وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو خلال افتتاح المعرض يوم الثلاثاء الماضي إنه ليس مجرد معرض ولكنه «تأريخ لحقبة كاملة».

ويشير مدير المتاحف الفنية بوزارة الثقافة علي سعيد، قوميسير المعرض، إلى أنه يضم لوحات 14 فنانا بخلاف سعيد، هم 13 فنانا أجنبيا من إيطاليا وفرنسا واليونان، وفنان مصري يهودي هو جوزيف مزراحي.

تاريخ مجهول لقطاع الفنون التشكيلية

وعكف خبراء من قطاع الفنون التشكيلية على ترميم هذه اللوحات، غير أن الناقد صلاح بيصار انتقد عملية الترميم واتهم قطاع الفنون التشكيلية عبر صفحته على فيسبوك بالإهمال وتشويه لوحة من لوحات محمود سعيد.لكن وزير الثقافة أحمد هنو - وهو فنان تشكيلي - أكد أنه لا صحة لوجود تلفيات في أي من لوحات سعيد.

ومن بين اللوحات التي يكشف عنها المعرض أعمال للفنانة الإيطالية إميليا كاسـوناتو، مؤسسة أول مدرسة لتعليم فنون الرسم والتصوير في مصر، وكان ذلك عام 1902 أي قبل إنشاء مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة بحوالي ستة أعـوام.

وكان سعيد قد تتلمذ على يدي كاسوناتو وهو لا يزال فتى صغيرا، قبل أن ينتقل إلى مرسم الإيطالي أرتورو زانييري عام 1916، ومن بين المعروضات كذلك لوحات للفرنسي روچيه بريڤال الذي جاء من باريس إلى القاهرة في عام 1920 وعمل في التدريس وأسس مرسمه بوسط البلد.

ويقول خبير المقتنيات حسام رشوان «جاءت أهمية بريڤال تحديدا كونه المحرك الرئيسي لتأسيس جماعة الخيال، وهي أول جماعة فنية في مصر كانت مهمتها الرئيسية هي التأسيس لفن مصري حديث ذي طابع قومي».

ويري رشوان أن المعرض يعيد الاعتبار لأدوار بعض الفنانين الأجانب في مصر، ومنهم السويسرية كليا بدارو، والفنان الفرنسي شارل بوجان الذي رافق بريڤال في التجول في شـوارع القاهرة ونقل معه كل مظاهر الحياة في مصر كما ساهم في وضع حجر الأساس لعدد من التجمعات الفنية، أهمها جمعية محبي الفنون الجميلة.

ويُبرز المعرض بوجه خاص جهود الإيطالي چوزيبي سيباستي الذي جاء إلى الإسكندرية قادما من روما وهـو في الثامنة من عمره، وأحدث بها حراكا ثقافيا بالغ الأثر، حيث أسس مع صديقه محمد ناجي أتيليه الإسكندرية في عام 1934، وكان الصديق الأقرب لمحمود سعيد، وزامله في مرسم زانييري، واشتركا معا في تأسيس متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية.

إنتاج المعرفة لمعرض الفنون التشكيلية

من بين أبرز الأعمال التي يضمها المعرض لوحات الفنان لوران مارسيل ساليناس الذي وُلد بالإسكندرية لأب فرنسي وأم إيطالية، وأمضى أهم فترات حياته وهـو في ريعان شبابه بين فرنسا ومصر، ليصبح بعد ذلـك رفيقـا حميما للفنان العالمي بابلو بيكاسو لبراعته في أساليب وتقنيات الطباعة الحجرية، وهو الوحيد الذي سمح له بيكاسو بوضع اسمه إلى جواره.

ويرى قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، أن المعرض ينتمي لفئة العروض البحثية ويُبرز جهود البحوث التوثيقية بما يساعد في إعادة دراسة تاريخ الحركة التشكيلية عن طريق عروض الفنانين غير المعروفين.

ويضيف «تُعد أعمال رائد التصوير المصري الحديث الفنان محمود سعيد من الأعمال المعروفة والمتاحة في متحفه الدائم بالإسكندرية، لكن الجديد هو تقديمها في سياق يكشف مدى تفاعلها مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية المعبرة عن روح مصر خلال تلك الفترة».

ويتابع قانوش قائلا إن إنتاج معظم اللوحات الفنية المقدمة في المعرض تزامن مع إنشاء مدرسة الفنون الجميلة في عام 1908 على يد الأمير يوسف كمال، وإنه صاحب ظهور أعمال محمود سعيد بجانب محمود مختار ويوسف كامل وحبيب جورجي ومحمد ناجي وراغـب عياد الذين أصبحوا هم رواد هذه الحركة وبدأوا رسم ملامح الهوية الفنية المصرية بالمزج بين تقاليد وتقنيات مدارس الفن الأوروبية وبين الموضوعات التي تعكس وتجسد هوية مجتمعاتهم وثقافتها.

ويؤكد قانوش أن المتاحف ليست مؤسسات للحفظ والعرض، وإنما هي «مؤسسات بحثية لإنتاج معرفة جديدة وهو ما نراهن عليه».

ونجح قطاع الفنون التشكيلية في جمع أعمال عدد من الفنانين الأجانب الذين عاصروا محمود سعيد وتقاطعوا معه في مراحل فنية زمنية مختلفة. وقال رئيسه إن القطاع جمع لوحات هؤلاء الفنانين من متاحف الجزيرة ومتحف الفن الحديث ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ونجح فريق البحث في توثيق معلومات عن أصحابها لم تكن متاحة من قبل.

كما يضم المعرض مقتنيات لخبير المقتنيات حسام رشوان والفنان التشكيلي حسين الشابوري.

وقال قوميسير المعرض علي سعيد إن الهدف من المعرض تسليط الضوء على المناخ الثقافي في بدايات القرن العشرين، وهي الفترة التي بدأت تتشكل خلالها الحركة التشكيلية المصرية متأثرة بالتفاعل بين الثقافة المصرية والثقافات الأوروبية في ذلك الوقت.

وأضاف «كل هذه العوامل مهدت لولادة فن مصري حديث أسسه مصريون وأجانب ككيان واحد لم يتجزأ، فرنسيون وإيطاليون ويونانيون وغيرهم، جعلوا من مصر وطنهم الثاني، منهم من وُلد فيها، ومنهم من مات فيها، ومنهم من وُلد وعاش ومات فيها. رأى هـؤلاء مصر بقلوبهم».

أقرا المزيد:

البنوك الخليجية تسعى إلى التوسع في مصر وتركيا والهند

من هم اللاعبون الرئيسيون في حرب السودان؟

إيني تكثف نشاطها النفطي في مصر

أهم الأخبار