النزوح يضرب «مؤونة الشتاء» في جنوب لبنان

النزوح يضرب «مؤونة الشتاء» في جنوب لبنان
بيروت: «خليجيون»

انخفضت بشدة كمية المنتجات الزراعية والحيوانية لدى ريان شمص، بائع المواد الغذائية في منطقة عين الرمانة في بيروت، والتي اعتاد شراءها من التجّار والمزارعين في جنوب لبنان. وفق وكالة أنباء العالم العربي

ونقلت الوكالة عن ريان «بشأن المنتجات التي يبيعها عادة للعائلات التي دأبت على تأمين المواد اللازمة لتحضير (المؤونة) الشتويّة التي اعتادت السيدات على تجهيزها في مثل هذا التوقيت من العام، منذ حوالي تسعة أشهر لم نعد نتمكن من شراء المنتجات الجنوبية (من جنوب لبنان) لعدم توافرها بسبب صعوبة حصادها أو تأمينها نتيجة الأوضاع الأمنية».

ومنذ أكتوبر2023، بدّلت المناوشات العسكرية بين جماعة حزب الله وقواتالاحتلال الإسرائيلي عبر الحدود، طريقة حياة أهالي المناطق الجنوبيّة، بين من تأقلموا معها أو حرموا من عادات وتقاليد اجتماعية واقتصادية بسبب النزوح والدمار وغياب الاستقرار الأمني.

ومن التقاليد التي حُرمت منها العائلات الجنوبيّة، تأمين المواد اللازمة لتحضير المؤونة الشتويّة التي اعتادت السيدات على تجهيزها من منتجات نباتيّة وحيوانيّة، حيث يتم وضعها داخل أوعية زجاجية وتخزينها في مطبخ المنزل للاستعمال العائلي أو في مستودعات إن كانت مخصصة للتجارة.

المؤونة الشتوية

وأوضح ريان «خلال الشهر الحالي، تبدأ العائلات في الجنوب خلال فصل الصيف بتحضير المؤونة الشتويّة، من منتجات مثل المكدوس والكشك والزعتر والأجبان والفواكه المجففة، والتي يستغرق تحضيرها أسابيع ويلزمها درجات حرارة وأوعية مخصصة تساهم في الحفاظ عليها لشهور طويلة».

وأضاف «المؤن تفضلها العائلات بدلا من شراء المنتجات من البيوت البلاستيكية (الصوب الزراعية)، كونها تكون خالية من المواد الكيماويّة، وتعتبر ناضجة في وقتها الطبيعي فتحافظ على المكملات الغذائية فيها».

وذكر التاجر اللبناني أن «المؤونة تشكل حركة اقتصادية متكاملة من المزارع التي تؤمن لها مدخولا، وصولا إلى التاجر أو البائع الذي يستثمر بها، وصولا إلى العائلة التي تعتبرها أوفر ماديا من المنتجات الأخرى».

غير أنه يرى أن «مع غياب المنتجات هذا العام «سنفقد القدرة على تأمين العديد من المنتجات فنضطر للبحث عن أسواق جديدة في المناطق اللبنانية».

وتسببت عدة عوامل في تراجع القدرة على تأمين المنتجات اللازمة لتجهيز مؤونة الشتاء، منها ما يتعلق بنزوح آلاف العائلات من الجنوب، فقد بلغ عدد النازحين بحسب تقرير صادر عن وزارة الصحة اللبنانية نحو 98 ألف شخص، كما تم تسجيل 2016 إصابة منها 490 حالة وفاة.

وأشارت الأرقام الصادرة عن مجلس الجنوب، إلى أن «هناك حوالي ثلاثة آلاف وحدة سكنية تهدمت بشكل كلي أو جزئي، كما تعرضت عشرين ألف وحدة ﻷضرار طفيفة، وهي أرقام غير نهائية نظرا لصعوبة القيام بعمليات مسح كاملة للأضرار».

وعلى المستوى الزراعي، يشير تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لشهر يوليو إلى أن «القطاع الزراعي خسر 17 مليون متر مربع، كما لم يتمكن المزارعون من حصاد 12 مليون متر مربع من أراضيهم».

واعتادت زهراء مكي (50 عاما) على تحضير وإعداد الكشك الذي يتم إعداده من اللبن والبرغل، ويتم تجففيه ونشره على سطح منزلها في بلدة كفركلا بجنوب لبنان.

ونقلت وكالة أنباء العالم العربي عن زهراء قولها «نحتاج عدة أيام للحصول على النتيجة النهائية، حين يصبح جافا بشكل كامل، وهذه العادة تعلمناها من جداتنا، للحصول على منتج يعد طبقا رئيسيا في فصل الشتاء».

وأشارت إلى أنه «نتيجة القصف اضطررنا للنزوح من بيتنا قبل ثمانية أشهر، والتوجه إلى بيروت، وخسرنا القدرة على تأمين هذه المادة وغيرها من المنتجات التي اعتدنا على صناعتها في منزلنا».

وتابعت تقول «العائلات الجنوبية يعمل معظمها بالزراعة، ونستفيد من أراضينا لتأمين منتجات للاستعمال الشخصي وليس فقط لبيعها، فتساعدنا بتوفير مصاريفنا العائلية، لكن مع الظروف الحالية فقدنا أحد الموارد الهامة لدعم قدرتنا المعيشية».

مردود اقتصادي هام

ونقلت الوكالة عن حسن حسني (40 عاما)، صاحب محل لبيع المنتجات من قضاء بنت جبيل في جنوب لبنان قوله أن «المؤونة سوق واسع في لبنان، حيث تشكل مردودا اقتصاديا هاما ازداد نشاطه بعد الأزمة المالية عام 2019».

وأضاف «المناطق الريفية البعيدة عن المدن الأكثر نشاطا في صناعة المؤن، كون الأراضي الزراعية منتشرة فيها، والبيئة المناخية تساهم في الحفاظ عليها، وتشكل صناعة وتجارة لسكانها». «سوق تصريف المؤن متعدد الخيارات، فلدينا أصحاب المحال والتجار في المدن، والأسواق الشعبية في المحافظات، إضافة إلى القرى والبلدات».

ويتحسر حسني على الوضع الحالي قائلا «فقدنا جزءا من حركتنا التجارية، ومع طول مدة المواجهات العسكرية، ستزداد صعوبة تأمين المنتجات. لو توقفت الحرب في سبتمبر أيلول المقبل، لن نستفيد من المواد التي تنضج خلال شهري يوليو وأغسطس».

صمود إلى حين

ولم تترك زينب غدار (50 عاما) منزلها في قضاء صور، رغم سماعها دوي أصوات القصف من بعيد والتحليق المتواصل للطيران والمسيّرات الإسرائيلية فوق منزلها.

وقالت زينب «مازلنا نعمل على إعداد المؤونة، من الزيت والعدس والبرغل والسمّاق، التي نستطيع تأمينها من القرى التي لم يطالها القصف حتى الآن».

وتابعت قائلة «بالنسبة لنا كعائلة، البقاء في قريتنا ومحاولة التأقلم مع التهديدات الأمنية هو جزء من الصمود والمقاومة، فلا يمكننا التخلي بسهولة عن حياتنا ومنزلنا».

وتشير زينب إلى أن «المؤونة ستكون جزءا من قدرتنا على البقاء، فلو استمرت الأمور على حالها لشهور إضافية، أو تصاعدت حدّتها، ستكون هذه المنتجات أماننا الغذائي».

وأوضحت قائلة «زوجي يعمل في تجارة الأدوات الكهربائية، والحرب أدت لتراجع أعماله، فالمؤونة تساعدنا على توفير الغذاء أو الاستفادة منها لبيعها».

غير أن السيدة الجنوبية لا تخفي قلقها من أن «تتوسع الحرب في الأسابيع المقبلة»، وتقول «حينها قد نضطر للنزوح من منزلنا، وقد تكون المؤن أول ما سنأخذه معنا حتى نتمكن من حماية نفسنا وتأمين احتياجاتنا لفترة معنية».

اقرأ المزيد

تفاصيل احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

سجن كويتي يتيح للنزلاء حجز تذاكر طيران ومغادرة البلاد

«أوبك» تعلن استمرار النفط في مسارات الطاقة المستقبلية

أهم الأخبار