جرائم الاحتلال تشرد «الحيوانات الأليفة» في غزة
في أحد تجمعات النازحين بالمنطقة الجنوبية من مواصي خان يونس، في جنوب قطاع غزة، تتجول القطة (ستيلا) بين الخيام المنتشرة في الأراضي الزراعية، بعد أن أطلقتها صاحبتها إلى الطبيعة، بسبب عدم قدرتها على توفير الطعام لها في ظل الجوع الذي يعاني منه الأهالي في القطاع.
وتطوف (ستيلا) بين الخيام، وتحاول مداعبة الأهالي أملا في الحصول على الطعام، بحسب ما ذكرته رؤى، الشابة النازحة التي قالت إن القطة لفتت انتباهها منذ أن ظهرت أمام خيمتهم، كونها من فصيلة الهيمالايا المفضلة لدى الكثيرين، ورجحت أن تكون لأسرة نزحت مؤخرا إلى المنطقة. وقالت رؤى لوكالة أنباء العالم العربي «رغم أنني أعاني من فوبيا القطط، إلا أنها استطاعت أن تثير عاطفتي بحركاتها اللطيفة فقدمت لها علبة سردين وإناء ماء التهمتهما على الفور».
وتتابع بالقول «أرسلت شقيقتي الصغرى تسأل عن أصحابها حتى وجدت أن تقديري صحيح، وعادت رفقة سعاد (في العاشرة من عمرها) والتي نزحت رفقة أسرتها والقطة قبل ساعات من المنطقة الشرقية لخان يونس بعد أوامر إخلاء جديدة».
سعاد وقطتها الأليفة في غزة
وتحدثت سعاد أبو رجيلة عن قصة اصطحابها لقطتها الأليفة خلال النزوح إلى منطقة المواصي قبل أن تُجبر على إطلاقها في الطبيعة، بسبب ظروف إقامتهم الصعبة التي اضطروا للتأقلم معها أملاً في النجاة من القصف الكثيف والعملية البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة سكناهم الأصلية.
وقالت «استفقنا مذعورين على أوامر إخلاء جديدة والقصف يحاصرنا من كل جانب، فحاولنا حمل ما وقع تحت أيدينا من حاجيات ضرورية والإسراع للهروب من المنطقة، بينما تملكتني الحيرة عن كيفية التصرف مع ستيلا، فقررت في البداية أن أضع لها طعاماً وشراباً وأتركها في المكان على أمل ألا تطول الهجمة الإسرائيلية ونعود إلى المكان قريباً».
وأضافت «في تلك اللحظة استمرت ستيلا بالالتصاق بي وكأنها تشعر بما أفكر به، ولما كان الوقت ضيقاً جداً وجدتني أرمي الشنطة في يدي وأحمل قطتي بدلاً منها، ثم خرجت سريعاً استجابةً لنداءات والدي ووالدتي».
اضطرت أسرة أبو رجيلة المكونة من ستة أفراد إلى التوزع على ثلاثة أماكن يسكنها أقارب وأصدقاء، بسبب الازدحام الشديد وعدم توفر مكان يتسع لهم جميعاً، لا سيما في ظل عدم قدرتهم على نقل خيمتهم معهم بسبب ظروف الإخلاء الطارئ.
ونتيجة التكدس الكبير في المكان وعدم قدرة الأسرة على توفير الطعام للقطة في ظل تلك الظروف، قامت سعاد بجولة على المعارف والأصدقاء، أملاً في إيجاد من يستطيع تبني قطتها.
لكن الفتاة فوجئت بأن معظم من كانت لديهم هواية اقتناء القطط، بل والحيوانات الأليفة عموما، قد اضطروا لإطلاقها إلى الطبيعة أيضا، وذلك لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف توفير احتياجاتها في ظل الظروف الخانقة التي يعيشها أهالي القطاع تحت وطأة الحرب وشُح السلع الغذائية والارتفاع الجنوني في أسعارها.
وأضافت «سررت ببقاء ستيلا في محيط نزوحنا، رغم مرارة عدم قدرتي على الاحتفاظ بها معي في البيت الذي نزحت إليه، عند أصدقاء لوالدي، واكتسبت من خلال علاقة ستيلا بالجيران صداقات جديدة، حيث باتوا يحبونها هم أيضاً، ويقدمون لها ما يتوفر لديهم من طعام، حيث باتت مشهورة في المنطقة».
شعور بالعجز
وبدوره، يحكي محمد فيصل (14 عاما) تفاصيل إصابته رفقة بعض أفراد أسرته خلال قصف إسرائيلي استهدف محيط بيتهم في منطقة تل الهوا بمدينة غزة في أوائل أيام حرب السابع من أكتوبر، في هجوم أصيب فيه كلبه أيضا.
وقال فيصل «أخرجنا رجال الدفاع المدني من تحت الركام، بعد أن قُصف البيت الملاصق لنا بصواريخ ثقيلة انهار على إثرها بيتنا فوق رؤوسنا، وحين وصلت المستشفى لعلاج جروحي، كنت أحمل معي كلبي (ستيف)، الذي رفضت ركوب الإسعاف دونه». وأضاف «حين هم الطبيب ببدء العمل على تنظيف وقطب جروحي التي كانت لا تزال تنزف، طلبت منه قطب جروح كلبي (ستيف) أولاً، فأنا لم أستطع رؤيته ينزف وفضلت علاجه هو على نفسي، فهو الكائن الأغلى في حياتي بعد أسرتي».
وتابع قائلا «اضطررت للنزوح بعد أن تعافيت أنا وستيف من جروحنا وذهبنا إلى رفح ثم دير البلح، ولكن الحرب وظروفها استنزفت كل الموارد المالية لأسرتي، فاضطررنا أولاً للتخلي عن البيت المستأجر والنزوح في خيمة، ومثلها الكثير من الحاجيات، حتى وصل بنا الحال إلى عدم قدرتنا على توفير الطعام لنا ولستيف».
ويعيش فيصل هاجس خسارة صديقه المفضل (ستيف) في ظل استمرار تدهور الظروف الصعبة التي تفرضها الحرب، وارتفاع أسعار أطعمة وأعلاف الحيوانات ناهيك عن ندرة توافرها في السوق، بالتزامن أيضا مع انعدام مصادر الدخل بسبب انهيار معظم القطاعات الاقتصادية بفعل الحرب.
أما خليل البرديني، من شمال وادي غزة، والذي يعمل في مجال تربية وبيع الطيور وأسماك الزينة، فيقول «كنت أملك عشرات الأزواج من الطيور النادرة غالية الثمن، والتي تمثل رأسمالي ومصدر رزقي الوحيد طوال السنوات الماضية. إلا أن الحرب قد أصابتني بالعجز، لا سيما على صعيد توفير الأعلاف اللازمة لإبقائهم على قيد الحياة».
مخزون من الحبوب والأعلاف
وتابع قائلا «كان لدي مخزون من الحبوب والأعلاف قبل بداية الحرب، إلا أنه استنزف خلالها بشكل كبير، خصوصا مع انقطاع توافرها في الأسواق بسبب استخدام الناس لها كبديل للقمح في إعداد دقيق الخبز، بعد نفاذ كميات الطحين الموجودة لدى الناس وارتفاع سعره لنحو مئة ضعف السعر الطبيعي».
واستطرد البرديني يقول «استسلمت أمام جوعي وأهلي، وآثرت الاحتفاظ بما تبقى من أعلاف لنقوم بطحنها وخبزها، لتكون طعامنا الوحيد في ظل المجاعة، أما طيوري وحيواناتي، فأطلقت سراحها ليرزقها الله بطعامها وشرابها في مكان آخر، دون أن أقوى على ذبح وتناول الأصناف التي يمكن أكلها حتى في ظل الجوع الشديد الذي أعانيه وأسرتي».
وبحسب تقديرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يعاني 96% من مواطني قطاع غزة من انعدام الأمن الغذائي، والعيش تحت وطأة المجاعة الحقيقية التي تعصف بالقطاع، في ظل اتهامات لإسرائيل بإغلاق المعابر أمام المساعدات والبعثات الدولية الإنسانية، وعرقلة دخولها إلى القطاع.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية يوم الاثنين بوفاة طفل بسبب المجاعة والجفاف في قطاع غزة، مما يرفع عدد ضحايا سوء التغذية جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 39. ويعاني نحو 700 ألف شخص بشمال قطاع غزة من نقص حاد في المواد الغذائية جراء استمرار إغلاق إسرائيل للمعابر الحدودية وعدم دخول الشاحنات إلى الشمال، بحسب الوكالة الفلسطينية.
اقرأ المزيد:
كيف اختتمت البورصات الخليجية تداولات الأسبوع؟