سور المعكازين.. حكاية دَكَّة تطل على إسبانيا باستحياء
في شارع البوليفار، أشهر شوارع مدينة طنجة المغربية، يقع «سور المعكازين» الذي يفصل بين ساحة وحديقة، ويُطل على الأراضي الإسبانية على الجانب الآخر من البحر المتوسط.
الدّكّة الأسمنتية التي يبلغ طولها عشرات الأمتار وارتفاعها بين 50 و70 سنتيمترا، تثير فضول الزوار وتغريهم بدنو الأراضي الإسبانية.
سور الكسالى في طنجة
زوار «سور المعكازين»، أو سور الكسالى، من أهالي طنجة أو غيرهم يجلسون فوق السور بعشوائية متناغمة، يتبادلون الأحاديث مع بعضهم بعضا، يُقهقهون تارة ويتجادلون تارة أخرى، ومنهم من يُخَلد الذكرى بالتقاط بعض الصور، فيما تستمتع بعض النساء بنقش الحناء.
يُطل «سور المعكازين» على ساحل البحر المتوسط، وتوجد أمامه خمسة مدافع فوهاتها موجهة صوب الساحل الإسباني في إشارة إلى دورها في رد العدوان الإسباني والبرتغالي عن المدينة في الماضي.
بني السور في 1911، ويُعتقد أن تشييده كان من أجل التصدي للكثبان الرملية، لكنه في الوقت الحالي أصبح يضفي طابعا يوحي بالأصالة، بالإضافة إلى كونه مكانا للباعة الجائلين البسطاء.
ترددت الكثير من الأقاويل حول المقصود من تسمية «سور العكازين»، ومنها ما تقول إن شباب طنجة كانوا يقصدون السور للتطلع إلى ما وراء البحار والحلم بحياة أفضل في أوروبا، وربطت أقاويل أخرى الاسم بكونه نقطة يتجمع فيها كبار السن لأخذ قسط من الراحة أو لتمضية الوقت.
صور ماكازين
ويقول يونس الشيخ، رئيس جمعية (لحظات طنجة لتثمين الذاكرة)، لوكالة أنباء العالم العربي إن أصل التسمية يعود إلى فترة اعتبار طنجة منطقة دولية «حيث كان يوجد في ذلك العهد مختبر للصور القديمة غير بعيد عمّا يطلق عليه اليوم سور المعكازين، وكان هذا المختبر تعلو بنايته لوحة تحمل اسمه بالفرنسية، والتي تعني بالعربية (صور ماكازين)».
بمرور السنوات، نال مختبر الصور، وليس «السور» شهرة بالغة، حتى اتخذ الناس هذا الفضاء المحيط به مكانا للمواعيد والتلاقي، كما كان يجتمع فيه المصورون في ذلك العهد لالتقاط صور للراغبين فيها.
وأضاف الشيخ، المهتم بتاريخ مدينة طنجة، أن مهنة تقديم خدمات التصوير الفوتوغرافي راجت في المكان في ثمانينيات القرن الماضي «حيث ما زال الكثير من أبناء المدينة يتذكرون كيف كان يحلو لهم التقاط صور تذكارية بنفس المكان لتخليد مناسبات معينة».
ورفض الشيخ بعض الروايات التي تشير إلى أن سبب التسمية هو كسل أو فتور فئة من سكان طنجة آنذاك، قائلا إن «باب الراحة» المطل على البحر كان الأولى بهذه التسمية باعتبار ما كان يشهده من تجمع لمواطني طنجة.
وقال الشيخ «سور المعكازين الحقيقي الأول هو الموجود في الباحة الخلفية لفندق المنزه، والذي بُني عام 1928، وقد كان وصف «المعكاز» يطلق على المرشدين السياحيين الذين كانوا يقضون معظم وقتهم هناك، ينتظرون وصول بواخر السياح من جهة، وخروج زبائن فندق المنزه من جهة ثانية، في فترة عرفت فيها طنجة طفرة سياحية بمجرد إعلانها منطقة دولية عام 1925».
ويضيف الشيخ أنه بعد التغير المعماري الكامل الذي عرفته المنطقة، تحولت التسمية إلى الهضبة التي تعلو الفندق، والتي تعرف حاليا باسم «سور المعكازين».
هذا القول تعارضه روايات أخرى ترجح أن يكون أصل التسمية مرتبطا بكون الهضبة كانت نقطة راحة وتجمع للقوافل القادمة من طريق مدينة فاس محملة بالسلع من مختلف مناطق المغرب قبل الذهاب إلى السوق من أجل البيع والشراء.
ووفقا لهذه الرواية، فقد أعطت السلطات عام 1908 أوامر ببناء سور لخدمة هؤلاء التجار، وأطلق سكان طنجة «المعكازين» على من كانوا يجلسون هناك لأخذ قسط من الراحة.
على مرمى حجر
يعرف السور باسم «سور المعكازين« غير أن الاسم الرسمي له هو «ساحة فارو«، نسبة إلى جزر الفارو التي عقدت اتفاق توأمة مع مدينة طنجة في 1954.
ويشتهر «سور المعكازين» بأنه أفضل مكان يمكن من خلاله مشاهدة الجارة إسبانيا بوضوح، حيث تبدو الأرضي الإسبانية في الأيام المشمسة واضحة بتفاصيلها، وكأنها على مرمى حجر.
عرف «سور المعكازين» عددا من التغييرات على مر تاريخه، وتم ترميمه وإعادة تأهيله أكثر من مرة، وطالت التغييرات حديقة السور، ومكان الجلوس الذي ما زال إلى الآن غير مكتمل التجهيز، إضافة إلى المدافع الأثرية التي يشتهر بها، والتي كانت قد تمت إدارتها لتواجه فوهاتها جهة الجنوب، بعد أن كانت موجهة نحو البحر.
هذا التغيير لم يدم طويلا، فتمت إعادة المدافع إلى وضعها الأصلي الذي طالما ميزها، بعد أن استنكر عدد من مواطني طنجة الوضع الجديد.
وما زالت هذه المدافع عامل جذب لالتقاط الصور بجانبها أو فوقها من جانب الزوار والسياح، نظرا لقيمتها الأثرية، وشكلها المميز. ويقول الشيخ إن طنجة كانت في الماضي مختفية خلف أسوارها، وكانت أغلب أسواقها تقام في يومين بالأسبوع.
وأضاف «خلال هذين اليومين تعرف المدينة إقبالا كبيرا من التجار والزبائن القادمين من بعيد، وهؤلاء غالبا ما يأتون في وقت مبكر في انتظار فتح السوق، وغالبا مايختارون أماكن عالية تخول لهم معاينة أبواب المدينة في انتظار فتحها».
وتابع «المكان المسمى ‘سور المعكازين’ موجود في هضبة مطلة على البحر وعلى المدينة، وأغلب التجار الذين كانوا يأتون إلى طنجة كانوا يفضلون الرسو في هذه الهضبة في انتظار فتح السوق. كانت ساحة (سور المعكازين) مكانا مثاليا للاستراحة، وكانت أيضا مكانا جيدا لوقوف السيارات وقوافل البغال، وإليها يعود التجار بعد انتهاء يومهم في السوق لكي يرتاحوا وينتظروا سيارات أو دواب تعيدهم إلى قراهم».