رئيس التحرير يكتب: هل يجب أن نغضب من «حياة الماعز»؟
يحكي فيلم «The GOAT Life» (حياة الماعز) المثير للجدل قصة الشاب الهندي نجيب، الذي يعيش حياة بسيطة مع زوجته الشابة الجميلة في منزل متواضع بالقرب من النهر. ينتظران مولودهما الأول، غير متأكدين من جنسه، لذا اختارا اسمين: نبيل في حال كان المولود ذكراً، وصفية في حال كان أنثى.
تصدر العمل قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة على نتفليكس منذ عرضه الأول على المنصة في 19 يوليو 2024، وكان عرضه الأول في دور السينما في 28 مارس 2024.
وبينما تحلم الزوجة بولد، يتمنى نجيب بنتاً، ويتشاركان سوياً في أمل بسيط بتحقيق حياة كريمة لطفلهما القادم، ويطمحان بالعمل على تحسين ظروف حياتهما، بما يمكنهما من الانتقال إلى منزل أفضل وإدخال الطفل المنتظر إلى المدرسة.
لكن من أجل تحقيق هذا الحلم، يقرر نجيب رهن منزله للحصول على المال اللازم لتأمين تأشيرة عمل في السعودية، على أمل أن يعمل هناك لعدة سنوات ويجمع خلالها المال الكافي لتأمين مستقبل أسرته. وفي طريقه إلى المدينة حيث سيستقل الطائرة، يلتقي نجيب بالشاب حكيم، وهو شاب لم يغادر قريته من قبل، فتوصيه أم حكيم على رعاية ابنها.
استغرق العمل على الفيلم خمس سنوات، من 2018 إلى 2023 وصور في مواقع متعددة تشمل الهند (كيرلا)، الأردن (صحراء وادي رم)، والجزائر، وتوقف العمل أثناء فترة انتشار فيروس كورونا لنحو عام كامل.
يصل نجيب وحكيم إلى السعودية بحثاً عن الوظيفة التي وعدا بها، في شركة يتوقعان أن توفر لهما غرفاً مكيفة ووسائل انتقال مريحة وامتيازات عديدة. ولكن سرعان ما يتبدد الحلم عندما لا يظهر الكفيل الذي كان من المفترض أن يستقبلهما، ويتركان في محطة انتظار موحشة. يستغل رجل سعودي هذه الفرصة، فيقودهما في سيارة قديمة إلى وسط الصحراء، حيث ينزل حكيم لدى صاحب حظيرة للماعز، ويأخذ نجيب إلى حظيرة أخرى.
معاناة نجيب في مواجهة واقعه الجديد
هنا يبدأ الفيلم في استعراض معاناة نجيب في مواجهة واقعه الجديد.يحاول جاهداً أن يجعل الآخرين يفهمون أنه جاء للعمل في الشركة، وليس في رعي الماعز، لكن لا أحد يفهمه، سواء الكفيل أو صاحب الحظيرة أو حتى العامل الهندي الآخر في المزرعة. تزداد معاناة نجيب، الذي كان يبدو بصحة جيدة بوزن يقارب 90 كيلوجراماً، ليفقد مع مرور الوقت نحو 35 كيلوجراماً من وزنه، وتتحول هيئته إلى شخص هزيل ضعيف.
تعكس مشاهد الفيلم الظروف القاسية التي يعيشها نجيب، حيث لا يوجد سوى خبز جاف وقليل من الماء. وعندما يقيم الكفيل عرساً لابنته ويمنحه قطعة لحم مشوية، يرفض نجيب تناولها، كإشارة إلى أن الطعام المغموس بالذل لا يمكن ابتلاعه. يتعلم نجيب بصعوبة كيف يحلب الماعز لتوفير اللبن لصاحب المزرعة، الذي نهره في البداية عندما نام في خيمته، بعد أن لم يجد مكاناً آخر للنوم في العراء.
تتفاقم معاناة نجيب عندما يحاول استخدام الماء لتنظيف نفسه، لكن صاحب المزرعة يوسعه ضرباً ويخبره بأن الماء مخصص للشرب فقط، وعليه ألا يستخدمه لأي غرض آخر. محاولات نجيب للهروب تفشل مراراً، حيث يلحق به صاحب المزرعة ويضربه بالعقال ويهدده بالقتل بالبندقية التي يحملها. ومع ذلك، يواصل نجيب البحث عن الحرية والعودة إلى زوجته وأمه وابنه.
مشاهد مؤلمة من فيلم The GOAT Life
من المشاهد المؤلمة في الفيلم، تلك اللحظة التي ينظر فيها نجيب إلى نفسه في مرآة سيارة للمرة الأولى منذ سنوات، فيصدم من تغير ملامحه وطول لحيته وهزال جسده. وفي مشهد آخر مؤثر، يغمس نجيب وجهه في ماء إحدى البرك ليشرب بجانب الماعز والحيوانات، مما يبرز انحداره إلى حياة لا تختلف عن حياة الحيوانات في الصحراء، بلا حقوق، فقط قليل من الخبز وأقل من القليل من الماء.
في إحدى المشاهد، يظهر نجيب عاجزاً عن فعل أي شيء نتيجة إصابة في قدمه وضعف شديد، لكن عندما يجبره صاحب المزرعة على جمع الحيوانات وإعادتها، يقف صامتاً تائهاً. تأتي معزة صغيرة وتنظر إليه بشفقة، ثم تنادي الحيوانات التي تظهر تعاطفاً مع نجيب وتعود إلى الحظيرة، مما يدفعه إلى احتضان المعزة، وكأنه يشكرها على التعاطف الذي افتقده من البشر.
يلتقي نجيب مجدداً بصديقه حكيم، برفقة رجل أفريقي يدعى إبراهيم، ويتفقون جميعاً على الهروب في ليلة سيكون فيها الكفيل منشغلاً بعرس ابنته. قبل الهروب، يودع نجيب حيوانات المزرعة، ويضع أمامها الكثير من الطعام، ويخبرها بأنه سيعود إلى أهله. ينطلق الثلاثة في رحلة محفوفة بالمخاطر، يقودهم فيها إبراهيم بحكمة ومعرفة بالطريق، ويطببهم عند المرض ويبث فيهم الأمل لمواصلة الرحلة.
في لحظة مأساوية، يموت حكيم أثناء العودة، ويقول إبراهيم لنجيب: «عليك أن تواصل السير حتى تموت»، معبراً عن تفضيل الموت في سبيل الحرية على العيش في ذل الاستعباد.يموت إبراهيم لاحقاً، ويظل نجيب وحيداً في الصحراء، لكنه يواصل السير إلى أن يصل للطريق الذي تسير عليه السيارات، ومنه يعود إلى الوطن.
بإجمال، الفيلم يعتبر جيداً، مشاهد متقنة وأداء متميز من الأبطال، واختيار موفق لممثلين عرب يتحدثون اللهجة الخليجية بشكل صحيح، على عكس السينما الأمريكية التي غالباً ما تفتقر إلى دقة تجسيد اللهجات العربية. التصوير السينمائي نجح في نقل حياة الصحراء بكل تفاصيلها، مع مؤثرات بصرية تجعل المشاهد يشعر بالتجربة.
المجتمع السعودي في الفيلم
ورغم الإشادة بالأداء المتميز للشخصيات، خصوصاً نجيب، فإن الفيلم يقدم الشخصيات السعودية بشكل نمطي سلبي، بدءاً من موظفي المطار وصولاً إلى الكفيل وصاحب المزرعة، مما يجعلهم يظهرون كالشياطين، بملامح حادة وشعر أشعث وملابس قذرة وعادات مقززة في تناول الطعام والشراب.
الفيلم مستوحى من قصة حقيقية في ثمانينات القرن الماضي (كما يقول صناع العمل وكاتب الراوية الأصلية) لنجيب، شاب هندي سافر إلى السعودية بحثاً عن عمل ليجد نفسه مسؤولاً من قبل شخص سعودي ادعى أنه كفيله وأخذه إلى الصحراء لرعي الأغنام، ليعيش حياة الجحيم لمدة ثلاث سنوات في ظروف قاسية وغير إنسانية. يستند الفيلم أيضاً إلى رواية بنيامين، ويعكس مآسي نظام الكفالة منذ بدايته في السبعينات، قبل التعديلات القانونية الأخيرة. وقد أعرب صناع الفيلم عن خشيتهم من إثارة الجدل مع الجهات السعودية، لذا وضع المخرج في مقدمة الفيلم ملاحظة تؤكد أن الفيلم لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب.
الفيلم، الذي يمتد لقرابة ثلاث ساعات، يضم مشاهد طويلة في الصحراء، ربما كانت مقصودة كي يصل للمشاهد الإحساس بالمعاناة التي عاشها نجيب خلال ثلاث سنوات من العزلة عن العالم وأهله. بطولة بريثفيراج سوكوماران، جيمي جان لويس، وكر جوكول، والعماني طالب البلوشي، وأمالا بول، إلى جانب موسيقى AR Rahman، تساهم في إضافة عمق وعاطفة لهذه القصة الجذابة، تحت إدارة المخرج بليسي، وإنتاج مشترك بين جيمي جان لويس وستيفن آدامز.
اقرأ أيضا:
«خليجيون» تستكشف لغز منع «فيلم الملحد» في مصر
بره الكادر
هل يجب علينا أن نغضب من هذا الفيلم الذي قدّم الشخصية السعودية بصورة مشوهة وانتقد نظام الكفالة؟ أرى أنه بالرغم من الأخطاء التي وقع فيها صناع العمل، علينا أن نقيّم الفيلم في سياق فني بحت. خاصة وأن نظام الكفالة في السعودية والدول الخليجية الأخرى قد خضع لتغييرات جذرية، بل إن بعض الدول ألغته تمامًا. وهذا يعكس الجهود الكبيرة والإصلاحات الإيجابية التي حدثت في هذه البلدان. ويجب أن ندرك أن السينما والفنون بشكل عام قد تضخم الأمور أحيانًا لتسليط الضوء عليها بوضوح، كما يفعل رسام الكاريكاتير عندما يجعل الأنف الكبير يبدو كجبل، ليتمكن من إيصال رسالة معينة لجمهوره.