العوق.. وما أدراك ما العوق

العوق.. وما أدراك ما العوق
فؤاد الهاشم
فؤاد الهاشم

قد لا يعلم الكثير أن سويسرا شهدت على أرضها حربا أهلية عام 1847 بعد أن أعلنت حيادها في معاهدة باريس عام 1815! لكن.. «الله هداهم» وعاشوا مع بعض «بالتبات والنبات ورزقوا بالأولاد و البنات» من أقاليمهم الأربعة الفرنسي، والألماني، والإيطالي، والروماني!!

قلت لـ«لولوة»: «ما رأيك بتناول العشاء ثم الإفطار ثم الغداء في أجمل قرية في سويسرا اسمها: (أوبستالدن) تقع على الحدود مع النمسا، وبها بحيرة جمالها يبهج النفس وأشجارها تزيل العبوس وطعامها يقهر الدايت، بها محلات مختصة ببيع ألذ أنواع الشوكولاتة السوداء و البيضاء و.. الدعماء؟!»

لولوة تعشق تناولها أثناء الطريق مثلما أعشق أنا تناول الـ(popcorn) داخل سينما تعرض فيلم «أكشن» مع أن وزنها لا يتجاوز 50 كيلوجراما فقط لاغير، بينما لو رضخت أنا لإغراء طعمه الساحر لصرت رجل الغابة الأخضر!!

المسافة من جنيف إلى هناك تستغرق حوالي 5 ساعات، لكن «الله يخليلنا avis و Europcar» التي وفرت لنا إحداها تلك الجاكوار الحمراء المكشوفة التي تلتهم الطريق التهاما كما تبتلع رمال صحرائنا إسفلت طرقنا الخارجية! بعد ساعتين من القيادة على طريق كالزبدة السميكة وبسرعة لا تقل عن 160 كم في الساعة، قرصنا الجوع بنابه، فانعطفنا إلى طريق جبلي يخفي قرية أبدع الخالق في تكوينها وبدت وكأنها مبنية من مكعبات «الليغو».

لنعثر على كشك صغير به عجوز ولدت قبل مولد هتلر بسنوات، وتصنع بيتزا لا تتمنى أن تأكلها - فحسب- بل تأخذ معها لقطة «سيلفي» للتاريخ!! ونحن نتناول تلك الوجبة سمعنا صوت خرير ماء! بعد البحث والتحري وإذا به جدول صغير من مياه الثلوج التي ذابت فوق قمم الجبال في الصيف! كان رقراقا صافيا مثل عين الحمامة كما كان الآباء والأجداد يقولون!

لولوة أصرت على أن تخلع كعبيها وتخوض في هذا الجدول فنصحتها بأن تخرج بسرعة حتى لا تصيبها «قضمة الصقيع» إذ أن حرارة المياه لا تتجاوز الثلاث درجات مئوية ونحن في منتصف شهر أغسطس «يا الله من فضلك!» الإحساس بالأمن والأمان في سويسرا لا يعادله إلا الإحساس ذاته بالأمن والأمان في الإمارات، أضف عليها طيبة الشعب في كلا البلدين وقلوبهم البيضاء! تطابقت سنوات الحكم السبع بسجني بسبب عملي الإعلامي والصحفي مع أعوام إقامتي بنفس المدة في أبوظبي!

كانت لولوة تضحك حين أخبرها حول الاتصالات التي تأتيني من الأهل والخلان والأحباب في الكويت ويختتمونها بقولهم: «الله يفك عوقك!!» وكنت أرد عليهم -دوما- ضاحكا: «الله يفك عوقكم أنتم، فأنتم من ينام باكيا على حال طرقكم وشوارعكم ويستيقظ دامعا على هموم.. .قروضكم! أنتم من يفطر على أخبار لصوص وحرامية المال العام ويتغدى على أنباء.. «بوقة الرجعان!!» أنتم من يذرف الدمع على حال التعليم ويشق الثياب من كثرة المزورين!! أنتم من يلطم على نصب المرشحين، وأنتم من يشرب المر من فذلكات.. المتأسلمين! أنتم من يسقونهم الحلم تلو الآخر والأمل بعد الأمل فلا ترون.. إلا كوابيسا ولا تلاحقون إلا.. سرابا!! البطالة وقلة العمل لأولادكم أما الحظوظ كلها فهي لعيال.. «أم مدبولي العجافة!!» أما أنا فأعيش أحلى أعوام العمر هنا في أبوظبي، محاطا بشعب طيب وحكام عدول وأرض آمنة، حارس عرينها الشيخ محمد بن زايد الشبل الذي استأمنه الأسد الراحل الشيخ زايد بن سلطان ليكمل المسيرة، فمن الذي يفترض أن يفك الله عوقه؟ أنا.. أم أنتم"؟!

كانت كل تلك السطور تدور في رأسي وأنا خلف المقود سارحا في مرور أعوام العمر، التي تعبت من عدها ولم أفق إلا على صوت لولوة وهي تصرخ بصوتها الدافئ قائلة: «Oh my God شنو هالحلاة!» فعلمت أننا قد وصلنا إلى "أوبستالدن" أو قطعة من الجنة على.. أرض الله الواسعة!

قالت العرب عن السفر: سافر، ففي الأسفار خمس فوائد، تفرج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة "لولوة"!

الخاتمة:

«أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين» صدق الله العظيم

فؤاد الهاشم

الحدود السويسرية - النمساوية

2024/8/17

أهم الأخبار