حياة الماعز.. أم رائحتها؟!

حياة الماعز.. أم رائحتها؟!
فؤاد الهاشم
فؤاد الهاشم

اسمه "أليكسندر موراى بالمر هالى" وشهرته "أليكس هيلى". ولد عام 1921 ومات عام 1992. هو أميركي من أصول إفريقية كاتب ومؤرخ، سطر روايته الأكثر شهرة ومبيعًا في أميركا خلال السبعينات وكانت بعنوان "الجذور". وفيها نبش تاريخ أسرته حتى الجد السابع الذي اختطف من غابات إفريقيا وقراها وشحن إلى الولايات المتحدة ليباع كعبد في ولاية تكساس، و… تتوالى الأحداث إلى أن يقرر "أبراهام لينكولن"، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، أن يلغي الرق ويحرر العبيد!!!

تحولت الرواية إلى فيلم عُرض في العام 1977 في أكثر من خمسة آلاف دار سينما في أميركا، كلها احترقت على يد السود الغاضبين الذين ما أن عايشوا عذابات أجدادهم على الشاشة، بيد الرجال البيض طوال ساعتين هي مدة العرض، حتى ألقوا بالزجاجات الحارقة على الدار التي تعرضه! كان تعذيب الرجال البيض للسود مخيفًا بأشكاله وأنواعه، يبدأ بالجلد وينتهي بالشنق مرورًا بالحرق وعض الكلاب المسعورة!!

زرت العاصمة السنغالية "داكار" عام 2014. طرت إليها من باريس وقضيت فيها عشرة أيام توزعت بين تناول السلمون المشوي على شواطئ المحيط الأطلسي، وارتياد بيوت السحرة والكهان بعد أن دفعني الفضول الصحافي إلى محاولة سبر أغوار ذلك العالم المظلم والمخيف للبعض! استعنا بسيارات الدفع الرباعي لمغادرة العاصمة داكار متجهين عبر الحدود جنوبًا إلى جمهورية "غينيا بيساو" حيث منزل كبيرهم، وهو رجل سمين تجاوز الثمانين من عمره ومنزله محاط بالرمال والدجاج والماعز!

رحب بي كثيرًا حين علم أني كويتي، وكانت المترجمة التي رافقتني هي زوجة سفير السنغال الأسبق في الجزائر! أخبرني هذا الكبير أن طائرة خاصة كويتية أقلته عدة مرات إلى الكويت لأن شخصيات نافذة و"دسمة" تعشق أسحاره بنوعيها: الأسود والأخطر منه وهو السحر اليهودي!!! "ما علينا وليس موضوعنا الآن" بل نتحدث عن زيارة قمت بها في العاصمة داكار إلى قلعة أثرية قرب المحيط يتم من خلالها تجميع العبيد المختطفين (كان من بينهم حسب الرواية كونتا كينتي الجد السابع للمؤلف) لتنقلهم السفن إلى أوروبا وأميركا!!!

المرشد السنغالي أطلعني على إحدى الغرف بداخل هذه القلعة حيث شاهدت سلاسل الحديد التي طالما قيدت أيادي وأقدام هؤلاء المتاعيس وهم في انتظار رحلتهم الأخيرة إلى عالم العبودية في الغرب، وأثار دهشتي وفضولي حين قال لي إن الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا زارها وجلس في الغرفة التي كنت أقف فيها ومكث بداخلها لأكثر من ساعة ثم يكمل: "وحين دخلنا عليه لنعرف سر مكوثه الطويل بها وجدناه يبكي"! إحساس الذل والعبودية اللذان عايشهما مانديلا نفسه طيلة عقود في وطنه وداخل زنزانته وجده مرة أخرى في تلك الغرفة التي طالما غرقت أرضيتها وجدرانها بدموع ودماء أبناء عرقه الأسود!

شاهدت البارحة، هنا في جنيف، فيلم "حياة الماعز"، وتبين لي أن الكاتب الهندي واسمه "بليسي إيبي توماس" قد تأثر كثيرًا برواية الأمريكي أليكس هيلي، صاحب "الجذور"، ونسخ معاناة العبيد السود في مزارع الأمريكيين وقام بتفصيلها على مقاس بطل قصته "نجيب" مع كل التهويل والجمبزة التي يعرفها كل العامة عن السينما الهندية، إذ قام بإغراق السيناريو بكل البهارات الهندية المعروفة وغير المعروفة أيضًا، مضيفًا عليها أكوابًا مؤلفة من "المرجيه" وهو الفلفل بلغة الأوردو!!

طلع علينا بفيلم مهجن ومسخ ومشوه يكاد ينفجر من المبالغات التي حشرها حشرًا وجعلها هي محور روايته ومن ثم فيلمه!! يبدأ نجيب وشقيقه أول القصيدة بالكفر، إذ في المشهد الأول لوصولهما إلى أرض المطار السعودي وبينما هما ينتظران "الكفيل" يقترب منهما رجل بدوي أشيب يخبرهما أنه من يريدانه، فيقول الشقيق لنجيب: "هذا العربي رائحته نتنة! إنه لم يستحم منذ ولادته"! يقولون بالإنجليزية: "look who is talking"، وتعني "انظر من يتكلم". لنتذكر القول الكويتي القديم: "ولا تسكن بيت من بعد هندي"! من يستطيع أن ينسى "البصاق الأحمر" الذي يملأ أرضية عمارات شارع فهد السالم وحتى الأرصفة أيام الجمعة والأحد بسبب تناول "البان" ناهيك عن روائح الهنود التي لو تم جمعها في قوارير فسوف تعتبر من أسلحة الدمار الشامل!!!

عشرات الآلاف من العمالة الهندية وغيرها تعمل في صحارى السعودية من شمالها إلى جنوبها ترعى الإبل والمواشي والأغنام منذ عقود طويلة، ولو أنها كانت تتعرض لما زعم "بليسي توماس" أنها تمر فيه لما كان هناك عامل واحد يرضى بالذهاب إلى المملكة، ناهيك عن العمل في صحاريها! النتيجة؟! حملة أن الرياض "خانت القضية الفلسطينية فشلت"! خطة "شيطنة المملكة وعمالتها للغرب أجهضت"! ترويج فكرة "أن الإسلام يتبخر من أرض الحرمين الشريفين وأدت"! إذن؟! لم يبق إلا يجلد الكفيل ظهر الهندي نجيب ويجبره على شرب الماء من حوض شرب الإبل من خلال فيلم به من رائحة الماعز أكثر من حياتها حتى يتحقق المراد!!!

يختتم المؤلف روايته بهروب نجيب وشقيقه عبر الصحراء مستذكرًا قصة أبو رغال وهو يقود أبرهة إلى حيث تظهر طائرة الخطوط الهندية في المشهد الأخير لتقلهما إلى بلدهما، فهل ستعود ثانية وتنقل على متنها عشرة ملايين هندي يعيشون في دول الخليج الست؟!!

في إحدى أمسيات شهر الصوم عام 2012 دعانا الشيخ فيصل المالك الصباح إلى غبقة رمضانية في ديوانه في "أبوحليفة". حضرها الأمير الراحل صباح الأحمد وثلاثة أرباع السفراء المعتمدين في البلد مع رجال أعمال وثلاثة عناصر من حركة حماس!! المهم، جلس بجواري هندي ضئيل الحجم ملامحه تدل على أنه إما "طباخ مخيم" أو (راعى وانيت) فناديت على الشيخ فيصل ووجهت له عتابًا قائلاً له: "يعني مالقيت إلا طباخ المخيم هذا حتى تجلسه بجواري"؟!

ضحك فيصل كثيرًا وفاجأني بالقول: "هذا مو طباخ مخيم! هذا اسمه يوسف علي والذي يملك سلسلة متاجر "لولو هايبر"! ملياردير ينام على ثروة مقدارها 10 مليارات دولار بناها من العمل في أبوظبي، فلماذا اختار "بليسي توماس" تأليف كذبة "نجيب" ولم يكتب الحقيقة في قصة صاحب "اللولو هايبر"؟!!

الخلاصة: الخليج عومة "ماكولة ومذمومة" لذلك لم يكن فيلمًا عن "حياة الماعز بل عن رائحتها"!!

-------------------------

فؤاد الهاشم - جنيف

أهم الأخبار