ماذا بعد انقسامات الاخوان وما هي الرسائل التي اوصلتها الجماعة للعالم؟
ازدت الخلافات بين صفوف جماعة الاخوان المسلمين ما يوحي ان الأمر لن ينتهي قريبا بل قد يزداد سوءا وقد يؤدي في النهاية لانهيار التنظيم بالكامل، خاصة بعد فترة هدوء حذرة بين جبهة إسطنبول وجبهة لندن، وعادت كل جبهة تتحرك إعلامياً لكسب مزيد من الأنصار، جاء هذا بعد أن أصدرت لجنة التحقيقات صواب إجراءات القائم بالأعمال إبراهيم منير بفصل مجموعة الستة وعلى رأسهم الأمين السابق محمود حسين، فقامت مجموعة إسطنبول بتعيين علي حمد المذيع في قناة وطني متحدثاً إعلامياً، فردّت مجموعة لندن بعقد عدة لقاءات عبر منصات زوم لشرح أبعاد الأزمة، أشهرها لقاء حلمي الجزار ولقاء المتحدث الرسمي مهندس أسامة سليمان.
وأخيراً جاء لقاء صهيب عبد المقصود المتحدث الإعلامي المنتمي لجبهة منير في حوار على قناة "مكملين"، وهو الأكثر أهمية نظراً لأنّه يحمل عدة رسائل موجهة للإخوان وغيرهم، فأول رسائل جبهة منير عدم الاعتراف بعضوية مجموعة الستة ومن انضم إليهم، زاعماً أنّ الجماعة بمؤسساتها كاملة تخضع للقائم بالأعمال إبراهيم منير، وأنّ هؤلاء اختاروا طريقاً غير طريق الجماعة، متمنياً لهم التوفيق والسداد.
لقاء حلمي الجزار:
وكانت الرسالة الثانية هي الاستمرار في ادعاء المظلومية، وأنّ الجماعة اختارت نهج السلمية لتُجنِّب مصر ويلات الحرب الأهلية، ولم يأتِ على لسانه أي حديث حول إسقاط الانقلاب وعودة الحكم للإخوان، وهي الرسالة المركزية التي تبناها الإخوان خلال الأعوام السابقة، الرسالة الثالثة الاهتمام بالمحبوسين وأسرهم، وتوفير البيئة لتفاوض مناسب لخروجهم من الحبس، وهي الرسالة العاطفية التي ستلعب عليها كلا الجبهتين، كما أكد على عدم وجود أي مبادرة للتصالح مع الدولة المصرية.
أمّا الرسالة الرابعة فهي اعتراف بأنّ أعضاء التنظيم المصري بالداخل ما يزالون يديرون أنفسهم بأنفسهم وبالطريقة التي تناسبهم والتي لن يفصح عنها لاعتبارات أمنية، كما يقول، مؤكداً على ضرورة تقويتهم لا الاستقواء بهم، إشارة إلى ما يقوم به الجناح الآخر بالزعم أنّهم ينالون رضا الداخل المصري عنهم.
أما الرسالة الخامسة وهي آخر رسائل اللقاء وأكثرها أهمية، فهي أنّ "قطار التطوير انطلق ومن لا يريد الركوب ربنا يوفقه"، في إشارة إلى أنّ ثمة تنحية لعدد كبير من القياديين الحاليين في أغلب تشكيلات الجماعة وعلى كافة المستويات، كما أشار إلى أنّ ثمة تطويراً كبيراً سيشمل كافة الأسس البنائية للجماعة من مؤسسات شورية أو تنظيمية او أسس فكرية.
رغم محاولة عبد المقصود إخفاء المقصود بالتطوير ومحاوره، لكن تسريبات سابقة كشفت ملامحه مثل إعادة التراتيب التنظيمية في الجماعة، بعدما أصيب التنظيم في منظومته سواء الأسس المنظمة له أو القدرة الاستيعابية أو المهارة في التوظيف، والأهم هو سقوط الغرور التنظيمي الذي عاشه الإخوان عقوداً عديدة، وأصبح الجميع يتساءل حول حتمية التنظيم وجدواه وهل هو غاية أم وسيلة، مما سيدفع القائمين على التطوير أو التأسيس الثالث التخفيف من قيوده.
لقاء المتحدث الرسمي مهندس أسامة سليمان.
ومن المتوقع أنّه في المرحلة القادمة سيُكتفى بالانتماء الفكري شرطاً للعضوية لا الانتماء للتنظيم كما كان سابقاً، وأمّا تولية المناصب فلن ينظر إليها حسب درجة عضوية الفرد، بل حسب مهاراته وكفاءاته، أما الأعضاء التاريخيون فسيقدمون كأصحاب تجربة يحكون تاريخهم للأجيال التالية ولن يتولوا أي مناصب قيادية، فقد سقط الكبار في اختبار الثقة والتجرد والأخوة في الله، كما سقط الجميع في اختبار بين القيادة والجندية التي يرتكز عليها التنظيم، لهذا سيتم تنحيتهم وتقديم وجوه جديدة لم تلوث باتهامات العمالة لمخابرات أو باختلاسات مالية.
كما سيشمل ملف التطوير مسار العمل العام متمثلاً في الانسحاب الجزئي أو الكلي من الصراع السياسي الحالي، والانكفاء على الداخل وترميم العلاقات الاخوانية بالمجتمع، ووضع أسس لممارسة فكرية جديدة واختيار موضوعات مشتركة يمكن التحدث بشأنها، يزاوج ما بين توقف فاعليات التنظيم، والاعتماد على التقنية أكثر في التواصل مع المجتمعات، مع الاحتفاظ بدور الأسرة كخلية أولى في تنظيم الجماعة، مع تكثيف دور النقيب وتجديد المناهج التربوية.
كما سيشمل تغيير خطاب الإخوان العام وسيكتفي بنشر مظلوميتهم وما يتعرض له المساجين سواء أكانوا إخواناً أو غيرهم، سيعمل الإخوان في تلك المرحلة على كسب أنصار وليس تجنيد أعضاء، مع إيجاد وكلاء يقومون بنشر مظلوميتهم للتغطية على تاريخهم السابق أو القضايا الثابتة عليهم، ونشر ثقافة الاعتراض والتشكيك في أي شيء وكل شيء، وخلق شعور بعدم الرضا المجتمعي والتأفف من أي إنجاز، مع إبراز شخصيات عامة لها ولاء للجماعة تتبنى قضايا مجتمعية غير أيديولوجية، مثل ملفات حقوق الانسان، أو الدعوة للمّ شمل المصريين وإنهاء حالة الانقسام، بزعم أنّ الخلاف مع الإخوان قسّم المجتمع وأحدث استقطاباً حاداً.