أسباب ظهور «داعش».. هل تتكرّر؟
لماذا «يعود» تنظيم «داعش»؟ وهل هو «عائدٌ» فعلاً؟ بعد هزيمته، وجد التنظيم ممرات لتسرّب فلوله، وأُريد له أن يبقى حتى من دون أن تكون له «دولة» أو أن تكون «الخلافة» شعاره وهدفه. أصبح عصابات متفرّقة ومشتّتة لا يوحّد بينها سوى غريزة البقاء. أن يكون لها قائد أو زعيم، أو لا يكون، الأمر سيّان.
فالأفراد الناشطون تحت رايته يجمع بينهم عيشهم في الهامش الذي يواصل التوسّع، لا لأن لهم شعبية مستقطِبة، بل لأن خطط «مكافحة الإرهاب» لم تكتمل، بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أما الجانب الأمني فيها فلطالما اعترف أصحابه بأنه غير كافٍ. قُتل زعيما «داعش»، أبو إبراهيم القرشي وأبو بكر البغدادي، في إدلب. ظنَّا أنها ملاذٌ آمنٌ، لأنها تعجّ بالإرهابيين، فإذا بها مصيَدةٌ تعجّ بالمخبرين.
فمعظم المناطق تحت نفوذ «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، وفيها مَن يسمّون «حراس الدين»، وهما تنظيمان ارتبطا بشبكة «القاعدة» التي تحدّر منها «داعش» قبل أن يتمرّد وينفصل، أي أن «البغدادي» و«القرشي» لم يكونا في منطقة «صديقة»، لذا كانا متخفيين. بعد الهزيمة لم تعد لهما رقعة جغرافية تحت السيطرة ولا «عاصمة» ولا جحور للاختباء فيها، وإذ دلّت عمليتا تصفيتهما على وجود اختراق استخباري للتنظيم، ففي المرّتين، كما في عمليات أقل أهميةً، حرصت بغداد وأنقرة على الإشارة إلى مساهمتيهما. لكن ثمة مساهماتٍ أخرى ظلّت مكتومة، وقد تكون لإرهابيين أو لأشباههم، إمّا لأنهم لبّوا إغراء الجوائز المالية الأميركية أو لأنهم قدَّموا خدماتٍ لقاءَ سلامتهم.
بعد اقتحام سجن غويران في الحسكة (سوريا) والهجوم على موقع عسكري في ديالي (العراق)، انقسم الخبراءُ في الجماعات المسلحة بين مَن يؤكّدون أن «داعش» سجّل «عودةً» قوية إلى المشهد، ولو من دون هدف «جهادي» واضح، وبين مَن يرون أن تلك العمليات المتفرقة، رغم شدّتها ودمويتها، لا تعكس عملاً منسّقاً وهادفاً بل مأزقاً وملامحَ يأسٍ لدى خلايا التنظيم وفروعه، خصوصاً في العراق حيث تتعرّض لحملات عسكرية متواصلة. إذ إن عدم الارتباط المباشر بالقيادة قد يطرح ضرورات التحرك محلّياً للحصول على موارد، أو لاستعادة مقاتلين معتقلين.
فمن جهة ليس واضحاً مصير ثروة التنظيم وقدرة قادته على التصرّف بها، ومن جهة أخرى تبدو هناك حاجة إلى كوادر قيد الاعتقال، ثم إن «الحرب على داعش» أفقدته أكثر من خمسين قيادياً، ومن بقي منهم تغيّرت ظروف وجودهم وتحركهم على منصّة معروفة، كما كانت الموصل والرقّة، ما يشكّل صعوباتٍ في التجنيد والتعبئة العقائدية. يميل محلّلون كثرٌ إلى تفسير إعادة تنشيط «داعش» بحاجة أطراف محلية في العراق وسوريا، أو بالأحرى خارجية ذات مصلحة، إلى التوتير سواء لتبرير أدوارها في «مكافحة الإرهاب» أو لاستخدام «داعش» في صراعاتها وسعيها إلى إفشال أي حلول سياسية لا تناسبها.
لكن ثمة عاملَان يرجّحان استمرار التنظيم، أولهما أن الدول المعنية أخفقت حتى الآن في وضع أزمة سوريا على سكّة الحل السياسي وكذلك في تطوير العملية السياسية العراقية وتغليبها على التشنجات الداخلية.
أما الآخر فهو أن «التحالف الدولي ضد الإرهاب» لم يتمكّن، بعد إنجازه الجانب الأمني من حربه، من تنفيذ الجانب السياسي والاقتصادي من خططه، ولم يولِ الانقسامات الطائفية والعرقية الاهتمامَ الكافي لاستكمال الهزيمة العسكرية التي أنزلها بتنظيم «داعش».