خاص| صورة «جبل جماجم الثيران».. شهادة على الظلم الاستعماري في الولايات المتحدة
تعد صورة "جبل جماجم الثيران الأمريكية" من أكثر الصور إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة. تُظهر الصورة رجلين يرتديان ملابس سوداء، يقفان على جبل هائل من جماجم الثيران، وتبدو في البداية كرمز للصيد الجائر خلال القرن التاسع عشر. لكن خلف هذا المشهد قصة أعمق وأكثر قتامة تسلط الضوء على فصل مظلم من الاستعمار الأمريكي.
إبادة جماعية للثيران والسكان الأصليين
بحسب الخبراء، لم تكن هذه الجماجم نتيجة لصيد عشوائي فقط، بل تعكس حملة منظمة ومدروسة للقضاء على الثيران الأمريكية. الهدف كان حرمان السكان الأصليين من مورد حياتي أساسي، مما أجبرهم على الانتقال إلى محميات صغيرة حيث سيطر المستوطنون البيض على حياتهم ومصيرهم.
يقول تاشا هيببارد، صانع الأفلام وأستاذ دراسات الشعوب الأصلية بجامعة ألبرتا:
"هذه الصورة تمثل الاحتفال الاستعماري بالتدمير. إبادة الثيران كانت جزءًا استراتيجيًا من عملية التوسع الاستيطاني، لترويض الغرب وتحويله إلى فضاء يمكن السيطرة عليه من قِبل المستوطنين".
آثار مدمرة على السكان الأصليين
كانت الثيران رمزًا للحياة والاعتماد الذاتي للسكان الأصليين، حيث استخدموها في الغذاء، والملابس، وبناء المساكن، وصنع الأدوات. ومع تدميرها، واجهت قبائلهم مجاعة وهلاكًا. أظهرت دراسات أن القبائل التي اعتمدت بشكل أساسي على الثيران عانت معدلات وفيات أعلى بين الأطفال وأزمات غذائية مدمرة مقارنة بالقبائل الأخرى.
الاستعمار والرأسمالية: شراكة في التدمير
إلى جانب الأسباب الاقتصادية والصناعية، كان القضاء على الثيران جزءًا من سياسة عسكرية استهدفت إضعاف السكان الأصليين. أصدر قادة عسكريون، مثل الجنرال فيليب شيريدان، أوامر مباشرة بقتل الثيران لتدمير "قاعدة الإمدادات" للقبائل. يقول شيريدان في أحد خطاباته:
"دعوا الصيادين يقتلون ويسلخون. فكل ثور مقتول يعني انحسار حياة أحد السكان الأصليين، وهذا هو الطريق للسلام".
رمزية الصورة ومخلفاتها
التقطت الصورة في مصنع لمعالجة عظام الثيران بولاية ميشيغان، حيث كانت تُحول إلى فحم يُستخدم في تنقية السكر، إضافة لاستخدام العظام في صناعة الغراء والأسمدة. تقول بيثاني هيوز، أستاذة دراسات الأمريكيين الأصليين:
"هذه الصورة ليست مجرد تذكير بماضي الاستعمار، بل هي إدانة لنظام استهلاكي يستمر في تغذية استغلال الموارد والبشر".
جهود لإحياء النظام البيئي
اليوم، ومع بقاء الثيران الأمريكية على حافة الانقراض، تبذل جهود لإعادتها إلى البراري. في عام 2023، رصدت الحكومة الأمريكية 25 مليون دولار لدعم إعادة توطين الثيران. كما تعمل قبائل السكان الأصليين، بالتعاون مع منظمات بيئية، على إعادة مئات الثيران إلى موائلها الطبيعية.
رسالة للحاضر
تؤكد هيوز أن الصورة تذكّر بالماضي الاستعماري، لكنها تحمل رسالة أكثر أهمية للمستقبل:
"إذا أزلنا إنسانية الكائنات الحية وحولناها إلى موارد، فإننا نفقد صلتنا الحقيقية بالعالم من حولنا. هذه الرسالة يجب أن تصل إلى الجميع، لأن هذه المشكلة ما زالت قائمة حتى اليوم".
صورة "جبل جماجم الثيران" ليست مجرد مشهد من التاريخ، بل هي شهادة مستمرة على الضرر الذي يمكن أن تسببه الاستعمارية والرأسمالية، ورسالة تدعو إلى إعادة التفكير في علاقتنا مع العالم الطبيعي والإنسانية ككل.