بالرغم من الإنتكاسات.. عدد قياسي من تجارب العلاجات الجينية
بالرغم من أن الفشل الأخير للعلاج الجيني لداء هنتنغتون كان خبر مروع للمرضي المصابون بهذا المرض، إلا أن الباحثين لا يزالوا متفائلين (داء هنتنغتون هو مرض جيني يسبب تتدهور متسلسل للحالة العقلية لأنه يسبب موت خلايا المخ فيسبب إصابة المرضي بالخرف وخلل حركي لا إرادي وتغيرات عقلية كفقدان الذاكرة واضطراب الشخصية).
لمدة عقود كانت طبيبة الأعصاب في جامعة فيرجينيا كومنولث الطبيبة فيرجينيا تيستا تحلم في أن تقول لمرضاها المصابون بداء هنتنغتون أن لديها علاج لهم، لكن كل ما كنت تستطيع فعله هو وصف علاجات للتحكم في الأعراض النفسية المرتبطة بالمرض التنكسي القاتل وللتحكم في الخلل الحركي الناتج عن المرض، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأدوية التي تستطيع أن تبطئ تقدم الحالة المرضية فلم يكن لدي الطبيبة تيستا أي شيء لتقدمه، ولا أي شخص أخر.
لهذا كانت الطبيبة تيستا والكثير من الأطباء والمرضي الأخرين يتابعون بشغف التقدم في التجارب السريرية في الطور الثالث من الدواء تومينرسن.
الدواء هو عبارة أوليغونوكليوتيد مضاد لاتجاه النسخ ASO او قطعة قصيرة من جديلة من الحمص النووي DNA مصممة لترتبط بشكل محدد بالمنطقة المستهدفة من الحمض النووي الريبي mRNA.الدواء تومينرسن الذي قامت بتطويره شركة أيونيس للمواد الصيدلانية Ionis Pharmaceuticals والمرخص به لشركة رووش للأدوية Roche، يرتبط بالمنطقة من الحمض النووي الريبي mRNA التي تقوم بترميز بروتين هنتنغتون المتحور وتستهدفه لتقوم الخلية بتدميره. حيث مر الدواء بالمراحل الأولي والثانية من التجارب بسلاسة وسرعة وبينت التجارب في تلك المراحل أن الدواء أمن وأنه قد قام بتقليل مستويات بروتين هنتنغتون، وذلك عندما قالت شركة رووش في مارس 2021 بأنها لم تقوم بإجراء تجارب المرحلة الثالثة لدواء تومينرسن، أصيبت الطبيبة تيستا والأخرين من الأطباء والمرضي بالصدمة والإحباط.
وقالت الدكتورة تيستل أن هذا يعيد الخط الزمني إلي بدايته في مجال العلاج الجيني حيث كان من المرجو أن يكون عام 2021 هو العام الذي يحصلون فيه علاج حقيقي لهذا المرض والان قد عدنا إلي نقطة الصفر.
حيث أظهر التحليل لمعلومات التجارب أنه لا يوجد فرق بين المرضي الذين تلقوا علاج تومينرسن وريدياً كل 16 أسبوع والمرضي الذين تلقوا الدواء الوهمي (بلاسيبو)، بل أن الأمر أسوء، حيث يبدوا أن المرضي الذين تلقوا علاج تومينرسن كل 8 أسابيع تزداد حالتهم سوءاً بالمقارنة بالمجموعة من المرضي الذين لم يتلقوا العلاج.
حيث قالت الطبيبة تيستا أنهم اتخذوا القرار الوحيد الذي يجب اتخاذه. وهو أن يوقفوا التجارب.
وفي نفس الوقت كانت هنالك تجارب لدواء أخر في المراحل الأولي والثانية من التجارب لعلاج مرض هنتنغتون قامت بتطويره شركة ويف للأدوية wave therapeutics وهي الأخرى تم إنهائها بعد أن أشارت النتائج إلي فشل الدواء في تقليل مستوي بروتين هنتنغتون المتحور.والشركة تركز مجهوداتها خلف مركب أحدث يرجي أن يكون أكثر تأثيراً.
وبينما كان مجتمع المهتمين بمرض هنتنغتون يتأرجح بعد تلك الضربات المتتالية، أعلنت شركتين أخرين للتكنولوجيا الحيوية شركة فويجار للأدوية Voyager Therapeutics مقرها كامبريدج-ماساتشوستس، وشركة يوني كيور uniQure في أمستردام في بداية تجارب أدوية جينية جديدة تستخدم ناقلات فيروسية من نوعية AAV وذلك لإدخال قطعة صغيرة من الحمض النووي الريبي microRNA مصممة لتقليل المستويات السامة لبروتين هنتنغتون المتحور.
هذه الرحلة المتقلبة تمثل المصاعب التي تواجه مجال العلاج الجيني الحديث نسبياً، وعلي الرغم من المخاوف المتعلقة بالسلامة والافتقار إلي الفاعلية فلم يتوقف النمو الهائل في عدد التجارب لعلاجات جينية جديدة، فموقع clinicaltrials.gov يقدم قائمة فيما يقارب 5000 تجربة علاج جيني، وأكثر من 100 تجربة معتمدة علي أوليغونوكليوتيد مضاد لاتجاه النسخ ASO في جميع أنحاء العالم. ولكن على المدي الطويل فسلامة تلك العلاجات لا تزال غير واضحة.
في فترة نهاية التسعينات من القرن الماضي كان يبدوا أن العلاج الجيني هو شيء في متناول اليد، فقد اوشك العلماء علي أنهاء مشروع الجينوم البشري، وأصبحت الهندسة الوراثية قادرة علي تحويل الفيروسات التي تسبب أمراضاً مثل الفيروسات المسببة لنزلات البرد وحتي فيروس الأيدز إلي وسائل لتسليم العلاجات الجينية الجديدة. وأصبحت فكرة أن العلماء والباحثين قد أصبحوا قادرين علي علاج أكثر الأمراض فتكا لا تبدوا دربا من الخيال بل في متناول اليد.ثم فجاءة وبدون مقدمات أنتهي كل شيء.
ففي عام 1999 فأن الفتي ذو التسعة عشرة ربيعا جيسي جيلسنجر تلقي حقنة من ناقل فيروسي -مبني من الفيروسات الغدية adenovirus - الحاملة لنسخة مصححة من جيناته المتحورة المسببة لمرضه النادر في الكبد.وقد تسبب الناقل الفيروسي في استجابة مناعية عنيفة من داخل الجسم تسببت في وفاته بعد أربعة أيام. وبعدها أقرت وكالة الدواء و الغذاء الأمريكية FDA تعليقا فورياً علي كل التجارب السريرية في مجال العلاجات الجينية. وبين عشية و ضحاها تحول المجال من بالغ السخونة إلي التجمد.
حيث يقول الدكتور رولاند هيرزوج العالم المناعي في جامعة إنديانا والذي كان طالب دكتوراه في مستشفي الأطفال في فيلادلفيا في ذلك الوقت " أن كل شي قد أنتهي".
المشكلة لم تكن في الجينات الجديدة المعدلة لعلاج المرض الجيني ولكن في الناقل لتلك الجينات إلي الخلايا المصابة بالمرض الجيني بالجسم. فإيجاد طريقة أمنة وفعالة لتوصيل الجينات الجديدة والمعدلة إلي الخلايا في الجسم هوا ما يزال حتي الآن العقبة الكؤود التي تواجه أي مسعي للعلاج الجيني. وذلك حسب قول الدكتورة جينيفر هاملتون زميلة الدكتوراه في مختبر الدكتورة الحائزة علي جائزة نوب جينيفر دودنا في جامعة كاليفورنيا -بيركلي: حيث تقول " كيفية توصيل الجينات الجديدة هو الشيء الرئيسي الذي يجب مراعاته في تلك التجارب".
إن قدرة الناقلات الفيروسية( المعتمدة علي الفيروسات الغدية) علي تسبيب استجابة مناعية قوية هي جزئيا السبب في استخدام العلماء تلك الفيروسات في تصنيع اللقاح ChAdOx1 المستخدم ضد فيروس الجائحة الحالية COVID-19. لكن هذا الرد المناعي هو الذي دفع العلماء و الباحثين في اللجوء إلي فيروسات أخري لتكون الناقل للعلاج الجيني. ولكن حقيقة أن العلماء سيستمرون في الاعتماد علي الفيروسات كناقل للعلاج الجيني لا يمثل مفاجأة فحسب ما تقول الدكتورة هاميلتون " أن الفيروسات تتطورت جيداً ومعدة لنقل الجينات من خارج الخلية إلي داخلها"
ولكن بدلا من إستخدام الفيروسات الغدية adenovirus اتجه العلماء والباحثين إلي إستخدام الفيروسات البطيئة lentivirus (عائلة من الفيروسات تتميز بتأخر الفترة ما بين الأصابة بها و ظهور الأعراض المرضية لها مثل فيروس الأيدز ) والفيروسات من نوع AAV ( نوع من الفيروسات الصغيرة والتي لا تسبب الأمراض وتسمي بالفيروسات المصاحبة للفيروسات الغدية adeno-associated virus (AAV) وذلك لأنه كان يُعتقد سابقًا أنه مادة ملوثة في تحضيرات الفيروسات الغدية). حيث تعد الفيروسات من نوعية AAV تقدماً كبيرا في المجال وذلك حسب كلام الخبير في العلاج الجيني بكلية الطب جامعة واشنطن في سانت لويس الدكتور مارك ساندس حيث يقول" لقد غير المشهد بالكامل في مجال العلاج الجيني".
حيث تظل فيروسات AAV الخيار الأكثر شهرة كناقل جيني وذلك لتنوع أنواعها المصلية وهو ما يجعلها قادرة علي نقل العدوي قريباُ لكل أنواع الأنسجة وحتي الخلايا التي لا تنقسم و العامل الأهم لشهرتها هي أنها وبعكس الفيروسات الغدية نادرا ما تسبب استجابة مناعية شديدة وهو ما يسمح للباحثين بإعطاء المرضي جرعة كبيرة من الفايروس الناقل للجينات وهو ما الأمر الذي يكون مطلوب للحصول علي الجين المطلوب في عدد مناسب من الخلايا. حيث يقول الدكتور هيرزوج " أنه أمر رائع أنه يمكنك إستخدام جرعة كبيرة من تلك الفيروسات بدون مشكلة للمرضي، فهذا مؤشر جيد علي مدي لطف و عدم خطر هذا الناقل الفيروسي".
ومع مرور الوقت تم جمع المزيد من معلومات السلامة من التجارب قبل السريرية، واكتسب المنظمون والمقيمون خبرة في تقييم هذه المعلومات و يقول السيد بيتر ماركس مدير مركز التقييم والأبحاث البيولوجية لدي إدارة منظمة الدواء والغذاء الأمريكية FDA أنه بعد أكثر من عقد من الزمان فأن العلاج الجيني يبدوا علي وشك اتخاذ أولي خطواته المترددة إلي الأمام. هذا مع ظهور تكنولوجيا كريسبر الرائدة CRISPR التي سهلت عمليات التعديل الجيني، الأمر الذي جعل أولي التجارب التي تجري تتم تحت أعين مترقبة ومتوترة، ثم أنفتحت الساحة علي مئات التجارب، بدا الأمر أن المجال لا يمكن إيقافه.
ولكن مرة أخري انتهي الأمر بكارثة.
الجرعة الكبيرة القاتلة:
في 6 مايو 2020 أيقظت التنبيهات من تليفون الدكتورة نيكول بولك خبيرة العلاج الجيني في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو قبل ساعات من الفجر. فزملائها لديهم أسئلة حول وفاة أحد المشاركين في تجربة العلاج الجيني الجديد أسبيرو ASPIRO من قبل شركة أودانتس للأدوية Audentes therapeutics، حيث طورت شركة باي أريا للتكنولوجيا الحيوية Bay Area biotechnology (الأن جزء من شركة الأدوية اليابانية أستيلاس فارما Astellas Pharma) علاجا جينياً جديداً لمرض عضلي نادر مرتبط بكروموسوم X وهو الأعتلال العضلي الأنبوبي myotubular myopathy( هو مرض جيني خلقي حيث توجد نوى الخلية بشكل غير طبيعي في مركز الخلايا العضلية بدلاً من موقعها الطبيعي في المحيط وهو ما يسبب ضمور شديد في العضلات ونقص الأكسجة و هو ما يتطلب مساعدات للتنفس وتشوهات في شكل الجمجمة ) حيث قاموا بإعطاء الطفل المريض جرعة عالية للغاية من الفايروس الناقل للجينات الجديدة وهو ما تسبب من موته نتيجة تعفن وتسمم الدم.
وبعد ذلك بسبعة أسابيع توفي طفل أخر تلقي نفس الجرعة من نفس الفايروسات AAV الحاملة للعلاج الجيني. وفي العشرين من أغسطس 2020 توفي طفل ثالث، كلهم توفوا نتيجة تعفن وتسمم الدم. وهو الأمر الذي جعل تلك الوفيات للدكتورة نيكول بولك علامة تنبيه صارخة بخطورة الجرعات العالية للغاية من الفيروسات الناقلة للجينات من نوع AAV.
وقالت أنه لا أحد توقع مثل تلك الاستجابة التي لا يمكن السيطرة عليها.
وأصبح السؤال الذي يدور في ذهنها و ذهن أي شخص أخر هو أذا ما كان المجال يمر بنفس ما حدث بعد حادثة وفاة جيلسنجر.
فكما حدث مع جيلسنجر لاحظ العلماء التسمم الشديد في الدراسات ما قبل السريرية وذلك عند إعطاء الدواء للحيوانات من فصيلة الرئيسيات غير البشرية. كما أنه تم تسجيل حالات تسمم الكبد و الجهاز المناعي في الحيوانات و في البشر عند إعطاء جرعة عالية للغاية من الفيروسات AAV وذلك في العلاج الجيني المستخدم في علاج مرض دوشين لضمور العضلات.
ويقول الدكتور ماركس " بالعودة إلي الأحداث الأصلية التي وقت في مطلع الألفية، لم يكن لدينا نفس القدر من الخبرة في إدارة FDA " ويقول أيضاً " لقد منحتنا المعرفة العلمية والنضج التنظيمي مزيداً من الثقة. لهذا السبب لم تتوقف التجارب بسبب تلك الوفيات كما حدث في في عام 2000".
في ديسمبر 2020 قامت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية برفع الحظر عن تجارب أسبيرو ASPIRO السريرية. حيث يقول إدوارد كونر رئيس الموقع الجديد لأبحاث العلاجات الجينية في شركة أستيلاس " لم يتم تحديد الآلية البيولوجية الدقيقة التي أدت إلى وفاة المرضى بشكل قاطع" ويقول أيضا" أنه ضمن المراجعة الشاملة للتجربة فأن شركة أستيلاس لم تجد دليل سريري قاطع بشكل مباشر أو غير مباشر بأن الإستجابة المناعية ساهمت في إصابة الكبد".
وقد تم نشرتحليل تفصيلي لنتائج الشركة الداخلية، ومع ذلك فقد حبس العلماء أنفاسهم وتزايدت المخاوف وذلك مع ظهور نتائج سلبية خطيرة في تجارب علاج جيني أخري. ففي ديسمبر 2020 أعلنت شركة يوني كيور uniQure المتمركزة في أمستردام أن شخص واحد في الطور الثالث من التجارب السريرية للعلاج الجيني المستند علي AAV لعلاج مرض الهيموفيليا ب hemophilia B قد أصيب بسرطان كبدي ( في مارس 2021 برهن تحقيق مستقل عن أن الناقل الفيروسي ليس له أي علاقة بالحالة) وأعلن المتحدث الرسمي باسم شركة يوني كيور uniQure بأن التحليل الدقيق لخلايا الكبد للمريض أظهرت مؤشرات سرطانية تعود لحالة المريض مسبقا وليس ذات علاقة بالناقل الفيروسي المستخدم.
وفي جامعة بنسلفانيا نشر السيد دينيس سباتينو وزملائه ورقة علمية في مجلة الطبيعة للتكنولوجيا الحيوية Nature Biotechnology تظهر ضرر محتمل للكبد ظهرت في الكلاب التي تلقت علاج AAV لعلاج الهيموفيليا أ التي تصيب كلاب وذلك بعد عقد من تلقيها للعلاج. وفي شهر فبراير ففريق شركة بلوبيرد بيو bluebird bio أعلن عن حالتين من سرطان الدم النخاعي الحاد acute myeloid leukemia وكذلك حالة من خلل التنسخ النخاعي myelodysplastic syndrome ( تم تعديل التشخيص لاحقاً لفقر الدم المعتمد علي نقل الدم) وذلك في التجارب السريرية للعلاج الجيني لمرض خلايا الدم المنجلية لنتيجلوبين LentiGlobin. وفي أواخر أبريل 2021 أعلنتشركة أدفريم للتكنولوجيات الحيوية Adverum Biotechnologies أن مريض مشارك في تجاربها السريرية للعلاج الجيني لمرض أعتلال الشبكية السكري diabetic macular edema قد أصيب بفقد البصر في العين التي تلقي العلاج فيها.
وبالرغم من تلك العقبات و وظهور جائحة فايروس كورونا المستجد Covid-19 فأن عدد التجارب السريرية لعلاجات جينية جديدة في تزايد مستمر وذلك في السنوات الأخيرة. وهنا يستأل الطبيب ساندس إذا كان ذلك من الحكمة.
فبعد وفاة جلسنجر، أعتمد خبراء العلاج الجيني علي الفيروسات AAV بإعتباره الناقل الجيني المختار، فهذا الفايروس الصغير كان يبدو كالعمود الفقري الذي كان يبحث عنه المجال. ولكن في الوقت الذي كان يتم فيه الترحيب بهذا النوع من الفايروسات علي أنه المنقذ لمجال العلاج الجيني، فقد لاحظ الدكتور ساندس بعض مشاكل السلامة علي المدي الطويل.
فقد أكتشف ساندس خلايا كبدية سرطانية في العدد من فئران التجارب حديثي الولادة الذين عولجوا بعلاج جيني لمرض اضطراب التمثيل الغذائي القائم علي إستخدام فايروس AAV، وبعد ان نشر نتائج أبحاثه في عام 2001 تم التشكيك في نتائجه لأن التجارب السابقة علي فئران أكبر سناً لم تورد أي مشاكل.
فيقول الدكتور ساندس " كان هناك العديد من الشركات الناشئة التي تبحت عن موطن قدم و كانت سمعة العديد من الباحثين علي المحك" ويقول أيضا" الجميع يقول أن هذه النواقل الفيروسية الجديدة أمنة وهنا أتيت أنا وقلت لهم أنتظروا أن هناك خطب ما، كان هناك ضغط هائل علي ما قلته".
ولكن 6 سنوات من البحث المضني أنتجت معرفة المكان المحدد الذي ربط به الفايروس الناقل للعلاج الجيني AAV نفسه في جينوم الفأر. وأكتشف ساندس وزملائه أن الفايروس الناقل قد أدخل نفسه في مكان معين من الكروموسوم رقم 12 ومعدلاً الطريقة التي تؤدي بها تلك الجينات وظيفتها مما يؤدي ألي تكون الورم السرطاني، وهو طبقاً لرأي الدكتور ساندس يؤكد ضرورة إجراء دراسات السلامة طويلة المدي علي العلاجات الجينية المعتمدة علي الفيروسات AAV حتي يمكن أن يتقدم مجال العلاج الجيني بسلام.
يقول الدكتور ساندس " انا من أشد المؤيدين للعلاج النواقل الفيروسية من نوع AAV، لكن قلقي كان دائمًا إذا كان تكامل هذا العلاج يمثل مشكلة مستقبلا للعلاج الجيني البشري، فقد كان يجب دراسة هذا الأمر بطريقة منهجية علي مدار العشرين سنة المنقضية " كما يقول " إذا لم نفهم كيف يحدث هذا التكامل فلا يمكننا إعادة هندسة النواقل الفيروسية AAV لجعلها اكثر أماناً"
والدكتور ساباتينو توافق علي هذا القول فقد وجد بحثها أن النواقل الفيروسية من نوع AAV والتي أستخدمتها لعلاج مرض الهيموفيليا لدي الكلاب قد تكاملت إلي داخل خلايا الكبد للكلاب مسببة توسع تنسلي الذي من المحتمل أن يتحول إلي سرطان، لكن تلك المشاكل قد تستغرق سنين لتظهر في البشريين، ومشاكل مثل هذه لا يمكن التعرف عليها وتحديدها خلال مراحل الإختبارات في الرئيسيات غير البشرية، لان تلك الحيوانات تطور إستجابة مناعية للعلاج الجيني البشري، وهو مايعني أن أجسامها تحارب تلك الفيروسات والحمل الجيني المصاحب لها لذلك ففترة مراقبة تلك الحيوانات تمتد عموما لعدة أشهر فقط.
فتقول الدكتورة " هذه هي قيمة التجارب علي الحيوانات و المتابعة طويلة المدي، فلا يمكنك وضع قرد تحت الملاحظة بعد العلاج لبضع أشهر وتتوقع العثور علي توسع نسيلي"
وإدارة مركز التقييم والأبحاث البيولوجية لدي إدارة منظمة الدواء والغذاء الأمريكية FDA المشرفة والمجيزة لتجارب العلاجات الجينية علي علم باحتمالية حدوث مشكلات طويلة المدي للعلاجات الجينية وذلك حسب قول مدير المركز، ويقول ان إدارة منظمة الدواء والغذاء FDA توصي بفترة 15 عاماُ من المتابعة في المسودة إرشادات العلاج الجيني التي تعدها للمصنعيين.
فيقول" يجب أن نتأكد من سلامة تلك المنتجات العلاجية فهذا هو سبب وجودنا في منظمة الدواء و الغذاء لنتأكد أن يتم ذلك بسلامة"
توافق أليسون بيتمان هاوس، أخصائية أخلاقيات علم الأحياء بجامعة نيويورك، على أن هناك حاجة لإجراء دراسات طويلة الأجل على الحيوانات. حيث تقول إنه بدون معرفة الحجم الكامل للمخاطر المحتملة، لا يمكن للمرضى تقديم موافقة مستنيرة ليتم إجراء التجارب السريرية عليهم.
فالتفاؤل ما يزال موجود في العلاجات المبنية علي النواقل الفيروسية من نوعية AAV ولكن البعض يري أن التحدي الجديد في مجال العلاج الجيني هو تصميم نواقل جديدة للعلاج الجيني ذات رد مناعي منخفض أو منعدم وكفاءة عالية بحيث يتم إعطاء العلاج للمرضي بجرعة منخفضة تقوم بالعلاج بدون أن تسبب رد مناعي عنيف.
وما يزال مجال العلاج الجيني مجال متفائلا حتي بعد الكثير من النكسات والتحديات، فماتزال هناك تحديات تتعلق بتحسين كفاءة توصيل العلاج للخلايا وكذلك كلفة العلاج الجيني فبعض تلك العلاجات قد تتخطي تكلفتها حاجز المليون دولار، هذا بالإضافة إلي الحاجة لمراقبة سلامة تلك العلاجات علي المدي الطويل، ولكن مع ذلك فبالنسبة للعلماء كل تلك المشاكل لا تبدو عصية عن الحل ويمكن تخطيها.
" حتي مع كل خيبات الأمل والألم، إنه وقت مثير للغاية في هذا المجال البحثي"