«زيلينسكي».. حكاية ممثل كوميدي حولته روسيا إلى قائد شعبي
«القتال هنا. أحتاج إلى ذخيرة، وليس توصيلة» تلك المقولة هي التي صنعت من فنان وممثل كوميدي بطلاً شعبياً يلتف حوله ملايين الأوكرانيين، معلنين استعدادهم للقتال والدفاع عن بلادهم ازاء العمليات العسكرية التي بدأت القوات الروسية تنفيذها.
وما أن بدأت تلك العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية حتى أصبحت خطابات زيلينسكي بمثابة ملحمات ملهمة بالنسبة للشعب الأوكراني، ليتحول معها زيلينسكي من ممثل كوميدي لبطل من قصص الأبطال والسير الشعبية.
ولكن لنبحث قليلا حتى نعرف كيف تحول هذا الممثل الكوميدي من نجم في اختلاق الضحكات من جمهوره إلى قائد وزعيم، يلتف الملايين في العالم حول شاشات التليفزيون لمتابعة قراراته وردود أفعاله على مايصدر من الجانب الآخر
فولاديمير زيلينسكي:
ولد زيلينسكي في بلدة كريفي ريه الواقعة في وسط أوكرانيا من أبوين يهوديين، وتخرج من جامعة كييف الوطنية للعلوم الاقتصادية التي حصل منها على شهادة في القانون. ليتحول بعدها إلى مجال الكوميديا.
وكان زيلينسكي في شبابه عضوا في برنامج فكاهي تنافسي كان يتم اذاعته عبر التلفزيون الروسي. وفي عام 2003، شارك في تأسيس فريق إنتاج تلفزيوني حقق عدة نجاحات وحمل اسم كفارتال 95.
قام هذا الفريق بانتاج برامج لشبكة 1+1 التلفزيونية الأوكرانية التي تولى مالكها الملياردير إيغور كولومويسكي لاحقا التمويل المادي لحملة زيلينسكي للفوز برئاسة الجمهورية.
وقتها لم تكن السياسة هي الاهتمام الأول لزيلينسكي حتى أواسط العقد الثاني من هذا القرن، إذ انصب اهتمامه على عمله التلفزيوني والسينمائي (في عدد من الأفلام ومنها: "الحب في المدينة الكبيرة" (2009) و"ريفسكي مقابل نابوليون" (2012)).
بداية ظهور زيلينسكي
جاءت معرفة الجمهور لفولوديمير زيلينسكي على شاشات التلفزيون الأوكرانية بدور رئيس للدولة، في مسلسل كوميدي حقق شعبية كبيرة في البلاد، ليتحول الأمر سريعا ويصبح التمثيل واقعا.حيث تم انتخاب زيلينسكي رئيسا بالفعل عام ٢٠١٩. ليصبح رئيسا لبلد يبلغ عدد سكانه 44 مليون، ويواجه غزوا عسكريا روسيا
مسلسل"خادم الشعب
لعب زيلينسكي في مسلسل "خادم الشعب" التلفزيوني- دور مدرس تاريخ بسيط يصبح بمحض الصدفة رئيسا للجمهورية، وذلك بعد انتشار شريط مصور يظهره وهو يستخدم ألفاظا نابية ضد الفساد، ليلقى العمل أصداءً واسعة بين ملايين الأوكرانيين الذين ضاقوا ذرعا وقتها بالسياسة بشكل عام.
أسس زيلينسكي في المسلسل حزبا سياسيا يحمل اسم "خادم الشعب" حيث استخدمه لنشر نهجه السياسي الذي كان يدعو إلى تطهير الحياة السياسية من الفساد وإحلال السلام في المناطق الشرقية من البلاد.
في عام 2015، عرضت الحلقة الأولى من مسلسل "خادم الشعب" للمرة الأولى عبر شبكة 1+1. لعب زيلينسكي في المسلسل دور فاسيلي غولوبورودكو الذي كان صعوده السريع إلى القمة مشابها لما حققه زيلينسكي في مستقبل الأيام.
تولي الرئاسة
تمضي الأعوام سريعا ويأتي عام 2019 ليصبح زيلينسكي رئيسا لأوكرانيا بعدما تمكن من الفوز على الرئيس بيترو بوروشينكو، الذي سعى إلى التقليل من منافسه واصفا إياه بأنه سياسي مبتدئ فيما رأي الناخبون هذا الأمر ميزة من ميزات زيلينسكي المحمودة.
وتم انتخاب زيلينسكي بأغلبية كبيرة بلغت 73% في المئة، وأدى اليمين الدستورية رئيسا لأوكرانيا في الـ 20 من مايو 2019.
مواجهة الفساد
كانت أحد اهم الوعود الانتخابية التي كان على زيلينسكي الوفاء بها هو التصدي للنفوذ السياسي والاقتصادي الكبير الذي يتمتع به كبار الأثرياء الأوكرانيين.
كان على رأس القرارات التي اتخذها زيلينسكي لتحقيق هذا السبيل هو قطع علاقاته الحميمة مع إيغور كولومويسكي، الثري الذي دعمت إمبراطوريته الإعلامية حملة زيلينسكي الانتخابية.
حاول زيلينسكي الابتعاد بنفسه عن الثري كولومويسكي حيث استهدفت حكومته عددا من كبار الأثرياء الأوكرانيين، بمن فيهم زعيم المعارضة الموالي لروسيا فيكتور ميدفيدتشوك الذي تم وضعه قيد الإقامة الجبرية بتهم منها الخيانة العظمى - وهي تهم وصفها ميدفيدتشوك بأنها ترقى إلى "قمع سياسي".
وضع زيلينسكي بعدها قانونا شمل تعريفا للأثريا المتنفذين وفرض عليهم قيودا عديدة منها منعهم من تمويل الأحزاب السياسية.
فيما رأى منتقدي زيلينسكي أن هذه الإجراءات المناوئة للفساد صورية وتجميلية، مؤكدين إن الغرض منها نيل رضا إدارة بايدن الأمريكية التي يعتبرها زيلينسكي درعا واقيا في مواجهة روسيا.
حل أزمة دونباس
كان من بين وعوده الانتخابية التي كان عليه تنفيذها والتي كانت بداية الصدام بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي ازمة دونباس التي كانت الصراع حولها سببا في سقوط نحو ١٤ ألف قتيل
جرت مفاوضات مع روسيا وتبادل للأسرى ومحاولات لتطبيق بنود اتفاق مينسك للسلام. ولكن هذه المحاولات لم تتابع بشكل جدي.
لم تفلح محاولات زيلينسكي في اقرار عملية السلام بعد سنوات من الصراع في شرقي أوكرانيا
وما ساهم في اشتعال العداء بين زيلينسكي وبوتين هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمنح سكان المناطق الشرقية المحتلة جوازات سفر روسية، فعلى الرغم من قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في يوليو 2020، غير أن الاشتباكات بين الجانبين استمرت بشكل متقطع.
ثمة أمر اخر كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير في العلاقة بين الرئيسين الروسي والأوكراني هو سعي زيلينسكي لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
حاول لم شمل الأوكرانيين من خلال الاحتفال بيوم للوحدة الوطنية في الـ 16 من فبراير/شباط، كما توجه في عدة زيارات للجنود المرابطين على الخطوط الأمامية، كما زار الجنود الأوكرانيين في الخطوط الأمامية في الـ 17 من فبراير
وفي تعليقه حول ماإذا كان التهديد العسكري الروسي كافيا لتخليه عن رغبته في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، إن الأمر الأهم بالنسبة له كرئيس لأوكرانيا ألا يخسر بلده. قائلا "نحن بحاجة إلى ضمانات. فبالنسبة لنا، ليس حلف الأطلسي (ناتو) مجرد أربع كلمات، بل يعني ضمانا لأمننا."
العمليات العسكرية الروسية
أمام حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا وقيامها بغزو البلاد، واعلان الرئيس الروسي تنفيذ عمليات عسكرية، كان على الرئيس زيلينسكي البالغ من العمر 44 عاما أن يتخذ موقفا حذرا، من خلال اكتساب التأييد لقضية بلاده من جانب ومطالبة الغرب بتجنب إثارة الهلع ومحاولة تهدئة مواطنيه من جانب آخر.
حملت خطابات زيلينسكي نبرة مطمئنة لخطابه قبيل الاجتياح الروسي، رغم التحذيرات الغربية من قرب وقوعه، فكان يشير إلى أن الأمر ليس بالجديد بعد سنوات ثمان من الحرب. وقال وقتها "يمكن لصبرنا أن يكون له أثر على الاستفزازات، عندما لا نرد عليها ونتصرف بعزة وكرامة."