ترامب يرسم ملامح «النظام العالمي الجديد».. أوكرانيا بين مطرقة الحرب وسندان الصفقات

منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، تحوّل الصراع إلى ساحة اختبار كبرى للنفوذ العالمي، بين موسكو التي تسعى لاستعادة أمجادها السوفيتية، وواشنطن التي تحاول رسم معالم "نظام عالمي جديد" وفق شروط تتجاوز حدود السياسة التقليدية، وتعيد صياغة مفاهيم السيادة والنفوذ.
صراع استراتيجيات: القوة العسكرية مقابل النفوذ الاقتصادي
ووفق تحليل لصحيفة التليغراف البريطانية، باتت أوكرانيا نقطة الارتكاز لصراع عالمي تتنازع فيه استراتيجيتان متعارضتان، فبينما يوظف الكرملين الحرب الشاملة التي تجمع بين القصف الممنهج للبنى التحتية والحصار الاقتصادي الخانق، تسعى واشنطن إلى إدارة المعركة عبر شبكات المصالح والصفقات.
فقد استهدفت الضربات الروسية الموانئ ومحطات الطاقة الأوكرانية، ما تسبب في انكماش الناتج المحلي بنسبة 25% وارتفاع حاد في معدلات التضخم. وتُقدّر الأمم المتحدة أن 30% من القدرة الصناعية للبلاد قد دُمِّرت، إلا أن كييف نجحت في إعادة توجيه جزء من صناعتها نحو القطاع الدفاعي، مستفيدة من دعم تكنولوجي متقدم من حلف الناتو.
رؤية ترامب: صفقات كبرى مقابل السلام
في المقابل، تكشف تقارير استخباراتية أوروبية عن رؤية أمريكية جديدة للصراع، تتبلور حول مشروع لإعادة توزيع النفوذ الجغرافي والاقتصادي في شرق أوروبا، تقوده إدارة الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح المحتمل للعودة، دونالد ترامب.
فبحسب هذه التقارير، طرحت واشنطن شروطًا مثيرة للجدل لإنهاء الحرب، تتضمن سيطرة أمريكية على حقول الغاز في منطقة دونباس والمنشآت النووية الاستراتيجية في أوكرانيا. وهي شروط يعتبرها كثيرون تنازلات تمس جوهر السيادة الوطنية.
وتُجسّد هذه الرؤية ملامح "نظام عالمي جديد" لا يقوم على موازين القوى التقليدية فقط، بل على إعادة توزيع الثروات والموارد ضمن صفقات اقتصادية كبرى، ما يضع كييف أمام خيارين أحلاهما مُر: القبول بتقاسم ثرواتها أو مواجهة عزلة اقتصادية وعسكرية.
خطوط تماس معقدة.. لا حلول في الأفق
ورغم المحادثات التي تُجرى في الكواليس، لا تزال الهوة شاسعة بين الأطراف المتصارعة، فأوكرانيا ترفض أي تسوية تقوم على التنازل الإقليمي، بينما تصر موسكو على شروط قاسية، بينها استقالة الرئيس زيلينسكي ووقف الدعم الغربي.
ويرى مراقبون أن هذه المحادثات تُستخدم غطاءً لتحركات سياسية، فبينما تعتبرها دول الناتو وسيلة لتبرير استمرار دعمها العسكري، يستخدمها الكرملين كأداة لشرعنة مكاسبه على الأرض.
الغرب منقسم.. والدعم مهدد
ورغم استمرار الدعم الشعبي الغربي لكييف، يواجه القادة السياسيون ضغوطًا اقتصادية متزايدة، فترامب أعاد فرض رسوم جمركية على الصلب الأوكراني بنسبة 25%، وهو ما يُهدد قطاعًا اقتصاديًا حيويًا في وقت بالغ الحساسية.
في المقابل، يعاني الاتحاد الأوروبي من تبعات الحرب على أمنه الغذائي، لا سيما مع استمرار الحصار الروسي على صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية، ما يعيد شبح أزمة الغذاء إلى واجهة الأزمات العالمية.
مستقبل غامض: حرب استنزاف أم سلام مكلّف؟
المشهد الميداني لا يقل تعقيدًا، فالتقدم الأوكراني البطيء - رغم الدعم العسكري الهائل - قد لا يكون كافيًا لاستعادة المناطق المحتلة، في ظل تفوق روسي واضح في العتاد والعدة.
ومع تضاؤل الخيارات، تبدو أوكرانيا أمام سيناريوهات قاتمة: إما توقيع اتفاق سلام يعيد رسم حدودها، أو الاستمرار في حرب استنزاف طويلة الأمد قد تُرهق الأجيال القادمة وتُعمّق الانقسام الداخلي.
صمود وإبداع.. دروس من الميدان
ورغم ذلك، تُقدّم أوكرانيا نموذجًا فريدًا في الصمود، فمدن مثل خاركيف وأوديسا تحولت إلى رموز عالمية للمقاومة الحضرية، كما نجحت كييف في توظيف التكنولوجيا الغربية - من الدرونز إلى أنظمة الحرب الإلكترونية - لتقويض التفوق الروسي.
وفي ظل هذا الصراع المحتدم، لا يبدو أن النظام العالمي سيعود إلى ما كان عليه. فترامب - عبر استراتيجياته الاقتصادية - لا يعيد فقط تشكيل ملامح الحرب، بل يعيد رسم خريطة النفوذ العالمي بصيغة جديدة، قد يكون ثمنها باهظًا على الدول الصغيرة الواقعة بين الكبار.
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك