ترامب يزعزع التحالفات: أوروبا أمام خصم مفترس لا حليف تاريخي.. إلى متى يستمر الصراع؟

في وقت تتعاظم فيه التحديات الجيوسياسية وتتباين موازين القوى، يُطل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برؤية تعيد تشكيل العلاقات عبر الأطلسي من جذورها، واضعًا القارة الأوروبية أمام اختبار وجودي لم تشهده منذ عقود: هل أصبحت أمريكا خصمًا بدلًا من أن تكون الحليف الأوثق؟
قطيعة مع الماضي
بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، تتخذ إدارة ترامب خطوات تصعيدية تهدد بتفكيك إرث امتد لثمانية عقود من التعاون الغربي، بدءًا من فرض تعريفات جمركية بنسبة 20% على الصادرات الأوروبية - بما في ذلك أوكرانيا - في حين استُثنيت دول مثيرة للجدل كروسيا وكوريا الشمالية، ما اعتبره مراقبون صفعة مباشرة للحلفاء التقليديين.
الرؤية التي يتبناها ترامب ترى في أوروبا منافسًا اقتصاديًا وطفيليًا جيوسياسيًا، لا شريكًا استراتيجيًا، في توجه يعيد رسم خريطة التحالفات الدولية ويقلب الطاولة على مبادئ النظام العالمي المتعدد الأطراف.
من حماية إلى ابتزاز
كانت أوروبا، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تحت مظلة الحماية الأمريكية. أما اليوم، فهي - بحسب محللين - تواجه سياسات أمريكية أكثر شراسة، تتضمن مطالبات لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتلميحات بالانسحاب من الالتزامات الأمنية تجاه أوكرانيا ما لم تُقدَّم تنازلات اقتصادية مقابلة.
ويقول غونترام وولف، الخبير الاقتصادي الألماني، إن هذا التحول يغذي قناعة أوروبية متزايدة بأن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا يمكن الوثوق به، بل باتت عاملاً مضطربًا في توازن النظام العالمي.
ردود فعل غاضبة.. وأوروبا تبحث عن بدائل
أعربت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن قلقها من الإجراءات الأمريكية، ووصفتها بأنها "فوضى تضرب الفئات الأضعف". فيما حذّر مارك ليونارد، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، من خطورة استخدام ترامب التعريفات كأداة للابتزاز السياسي، لا سيما بعد اشتراطه تقديم معادن ثمينة من أوكرانيا مقابل استمرار الدعم العسكري.
الانعكاسات الاقتصادية بدأت تتضح، إذ تتوقع برلين انخفاضًا في صادراتها نحو الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 15% خلال أربع سنوات، ما يُترجم إلى خسائر قد تتجاوز 200 مليار يورو. وبدأت بروكسل فعليًا في البحث عن بدائل، عبر توسيع الشراكات التجارية مع دول مثل كندا والمكسيك.
روسيا الرابح الأكبر؟
بينما تتضرر روسيا من انخفاض أسعار النفط، ترى في تراجع العلاقات الأمريكية الأوروبية فرصة استراتيجية. وعلّق الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف بسخرية على منصة "إكس"، قائلاً إن موسكو تنتظر "تحلل جثة الاقتصاد الأوروبي".
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن التغيرات التي يقودها ترامب تخدم مصالح الكرملين بشكل غير مباشر، عبر إضعاف خصومه الأوروبيين وشق وحدة صفوفهم.
رسائل متضاربة وإشارات مربكة
رغم محاولات وزير الخارجية ماركو روبيو تهدئة المخاوف بالتأكيد على التزام بلاده بحلف الناتو، إلا أن شروط ترامب الجديدة - ومنها تحميل أوروبا مسؤولية أمنها وأمن أوكرانيا بالكامل - توحي بأن الولايات المتحدة تتراجع عن دورها القيادي في الدفاع الجماعي.
وتقول المحللة الألمانية صوفيا بيش من مؤسسة كارنيغي، إن ما يصدر عن إدارة ترامب يحمل رسالتين متناقضتين: "ليس واضحًا ما إذا كان ما نراه عرضًا تفاوضيًا متشددًا، أم خطة فعلية لإعادة تشكيل العالم دون نية للإصلاح أو الحوار".
أوروبا عند مفترق طرق
مع تصاعد التوترات، تزداد التساؤلات في العواصم الأوروبية: هل يمكن الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي في مواجهة سياسات "ترامب المفترس"؟ وهل آن أوان تشكيل سياسة دفاعية واقتصادية أوروبية مستقلة، تنأى بنفسها عن تقلبات البيت الأبيض؟
بين الترقب والقلق، يبدو أن العالم قد دخل حقبة جديدة من العلاقات الدولية، تكون فيها التحالفات التقليدية على المحك، وقد تكون فيها أوروبا مطالبة بالدفاع عن نفسها.. .من الولايات المتحدة ذاتها.
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك