انفجار فضائي هائل يمثل ساعة رملية في درب التبانة
توصلت إحدى الأبحاث الجديدة إلى أن اثنين من أغرب وأضخم الهياكل في مجرة درب التبانة ربما تكونا قد تكونتا في انفجار دام 100 ألف عام.
الهياكل التي سميت فقاعات "فيرمي" وفقاعات "إيروسيتا" على اسم التلسكوبات الخاصة التي اكتشفتها، تمتد على طول مركز مجرة درب التبانة في شكل ساعة رملية هائلة، مع مجموعة واحدة من الفقاعات تمتد لأكثر من 25000 سنة ضوئية فوق مستوى المجرة، والمجموعة الأخرى تمتد تحتها.
وتتداخل المجموعتان مع بعضهما البعض، لكن يبدو أنهما مصنوعتان من أشياء مختلفة اختلافًا جوهريًا، ففقاعات فيرمي، المليئة بجزيئات فائقة السرعة تسمى الأشعة الكونية، لا يمكن رؤيتها إلا عن طريق التلسكوبات التي تكتشف أشعة جاما عالية الطاقة، في حين أن فقاعات "إيروسيتا"، المليئة بالغاز الساخن، مرئية فقط كأشعة سينية.
فقاعات فيرمي
ويجادل العلماء في أصول هذه الفقاعات، لكن هناك شيئًا واحدًا واضحًا حول الفقاعات، وهي أنها نتيجة انفجار قديم وقوي اشتعل في مكان ما بالقرب من مركز المجرة منذ فترة طويلة.
بدراسة جديدة نُشرت مؤخرا في مجلة "نيتشر أسترنومي"، يصف الباحثون كيف قاموا بمحاكاة التاريخ المتفجر لفقاعات "فيرمي" و"إيروسيتا"، لتحديد مكان وتوقيت وكيفية تكوينها بالضبط.
وباستخدام بيانات من كل من مسوحات أشعة جاما والأشعة السينية التي كشفت عن الهياكل الغامضة، أظهر مؤلفو الدراسة أن كلا المجموعتين من الفقاعات نتجت على الأرجح عن انفجار طويل من الثقب الأسود الهائل في مركز مجرتنا، بداية من 2.6 مليون سنة.
ونتج عن الانفجار في الثقب الأسود اندلاع مادة تساوي آلاف الشموس على مدى عشرات الآلاف من السنين، وكان الانفجار قد أطلق نفاثات مزدوجة من الجسيمات عالية الطاقة في الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء، ما يؤدي إلى تضخيم الفقاعات العملاقة ودفع المادة القريبة بعيدًا عبر المجرة.
تُظهر أربعة نماذج كيف تضخمت فقاعات فيرومي و إيروسيتا
تُظهر 4 نماذج كيف تضخمت فقاعات فيرومي وإيروسيتا، وإذا كانت النماذج التي حددها الفريق البحثي دقيقة، فإنها تُظهر أن الثقب الأسود المركزي لمجرتنا، بينما كان هادئًا نسبيًا اليوم، كان في يوم من الأيام عاصفة من الطاقة.
وتقول مؤلفة الدراسة الرئيسية كارين يانج، الأستاذة المساعدة في جامعة تسينج هوا الوطنية في تايوان، لـ موقع "لايف ساينس": "وفقًا لتقديراتنا لقوة النفاثة المطلوبة لتضخيم فقاعات فيرومي، فإن الثقب الأسود المجري يتمتع بشهية جيدة جدًا، لقد استهلكت مواد من حوالي 1000 إلى 10000 كتلة شمسية خلال فترة 100000 سنة، بدأت منذ حوالي 2.6 مليون سنة."
اكتشف علماء الفلك فقاعات فيرمي باستخدام تلسكوب فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا في عام 2010، وبعد عقد من الزمان، اكتشف فريق منفصل من العلماء فقاعات الأشعة السينية إيروسيتا في نفس المكان تقريبًا - على الرغم من أن هذا الزوج الجديد من الأجرام السماوية العملاقة بدا أنه أكبر من ذلك، حيث تمتد إيروسيتا لآلاف السنين الضوئية وراء حواف فقاعات فيرمي.
وفكر العلماء في تفسرين معقولين لوجود هذه الأجسام العملاقة، إما أنها تشكلت من انفجار "سوبر نوفا" قوي للغاية بالقرب من مركز المجرة، أو تم بصقها بعنف من القوس A، وهو الثقب الأسود الهائل في مركز المجرة، والذي يحتوي على كتلة حوالي 4 ملايين شمس.
وحاولت العديد من الدراسات إثبات تفسير واحد أو آخر، لكن الورقة الجديدة هي الأولى التي تقدم تفسيراً من خلال نمذجة تطور فقاعات فيرمي وإيروسيتا في وقت واحد.
وتقول يانج إن عمليات المحاكاة الخاصة بنا فريدة من نوعها من حيث إنها تستطيع نمذجة التفاعل بين الجسيمات عالية الطاقة (التي تنتج أشعة غاما) والغاز داخل مجرة درب التبانة (التي تنتج الأشعة السينية).
وباستخدام الشكل والحجم والأطياف (أي الأطوال الموجية للضوء المنبعث منها) لكلتا الفقاعتين كنقطة انطلاق، قدر الفريق كمية الطاقة اللازمة لتضخيمهما لنسبهما الحالية، وجدوا أن التفسير الوحيد المعقول كان انفجار ثقب أسود قوي وطويل الأمد.
وكتب الفريق أن مثل هذا الانفجار كان سيؤدي إلى تضخيم الفقاعات على مراحل، حيث يجب أن تقع كمية هائلة من المادة في (القوس أ)، وبدلاً من التهامها بالكامل، تم توجيه بعض هذه المادة إلى نفاثات هائلة سريعة الحركة تعمل على تسريع المادة بعيدًا عن الثقب الأسود بسرعة تقترب من سرعة الضوء. (شوهدت مثل هذه النفاثات تنفجر من الثقوب السوداء في المجرات الأخرى).
تعمل هذه النفاثات مثل مسرعات الجسيمات العملاقة، وتحول البروتونات والنيوترونات إلى أشعة كونية عالية الطاقة تتدفق إلى الفضاء، وبدأت في ملء فقاعات فيرمي.
وبينما توسعت فقاعات فيرمي عبر مجرة درب التبانة في انفجار عالي السرعة، قاموا بدفع الغاز المحيط الذي واجهوه جانبًا على طول الطريق، ما تسبب في موجة صدمة هائلة لا تزال مرئية حتى اليوم.
وقال الباحثون إن هذه الموجة من الغاز المسخن تتوهج بإشعاع الأشعة السينية، الذي نراه على شكل فقاعات إيروسيتا، التي تنطلق نحو الخارج حول جوانب فقاعات فيرمي.
وإذا كانت نماذج الفريق دقيقة، فإنها لا تشرح فقط أصل اثنين من أكثر الهياكل غموضًا في مجرتنا، لكنها تمنح العلماء أيضًا نظرة عن قرب على كيف يمكن للثقوب السوداء فائقة الكتلة أن تتشكل وتغير المجرات من حولها.