رمضان في زمن الحرب.. صوت الطلقات يعلو فوق صوت البهجة والاحتفالات

رمضان في زمن الحرب.. صوت الطلقات يعلو فوق صوت البهجة والاحتفالات
سمر اللبودي

رمضان شهر المودة والمحبة والصلاة والدعاء والقران، شهر اللمة والزيارة وصلة الأرحام، تلك هي السمة الأساسية التي ميزت شهر رمضان منذ فجر الاسلام، غير أن الكثير من البلدان العربية غابت عنها تلك النفحات، وحلت محلها صوت النيران والطلقات في ظل الحرب التي فرضتها عليهم المطامع، والأهواء الشريرة فسلبت معها كل مظاهر البهجة التي كان يحملها هذا الشهر الفضيل

رمضان سوريا: صوت المعارك يعلو فوق صوت المدفع

مثلما تغيرت ملامح الحياة بأكملها في سوريا، منذ عام 2011 تغيّر وجه شهر رمضان، فلم يعد يشبه ما كان عليه في السابق. فمنذ ذاك الوقت أصبح الصيام والإفطار والعيد مصبوغين بلون الدم وصوت المعارك التي عمّت أرجاء البلاد، وهذه السنة، يضاف إلى صوت المعارك ازمات جديدة تتلخص في معاناة الفقر ولوعة فراق أولئك الذين لقوا حتفهم أو سافروا أو اختفوا دون أثر.

كان الشوق لرمضان يغلب على الأجواء في سوريا كل عام قبل الحرب، حيث تهرع النساء إلى الأسواق والمتاجر لشراء حاجاتها، ولكن الحال لم يعد كما الحال في وسط المعاناة التي يقاسيها أبناء سوريا من ويلات الحرب، فبات السؤال على ألسنة الجميع ماذا سنشتري؟ هل الأولوية للعصير أم التمر؟ ربما شراب قمر الدين أقل تكلفة من العصائر الأخرى كالليمون والجلّاب، ولعلّ عرق السوس أو التمر الهندي الخيار الأفضل. هل نكتفي بالأرز والمعكرونة أم نضيف مكوّنات أخرى للمائدة؟ هل هناك إمكانية للحم أو الدجاج، ولو لمرة واحدة؟

فقدت أيام رمضان بهجتها لدى كثيرين، يدقّ المدفع ولا رغبة للأسر بالاجتماع على الطاولة وتناول الفطور، فبات الشهر الكريم وكأنه ضيف ثقيل يخيّم عليهم، الجميع بات يعجز عن الشعور بأي معنى للفرح".

غياب عادات رمضانية:

جاءت الحرب، وغاب معها صوت مدفع رمضان مثل كثير من الأمور الأخرى، وحلّت محله مدافع حقيقية. وحتى بعد أن صمتت تلك الأصوات في معظم أنحاء البلاد، لم يعد مدفع رمضان للحياة.

وكغياب صوت مدفع الإفطار، غاب أيضا المسحراتي الذي يوقظ الناس فجراً لتناول السحور، إلى جانب كل ذلك يفتقد السوريون لأحبتهم خلال هذا الشهر.

لم يغب المسحراتي وصوت المدفع فقط، بل غابت أيضا"لمة العائلة" السمة الأكثر تميزا على المائدة الرمضانية السورية، وحلت محلها أشكالا اخرى لجأ إليها الكثيرون لتعويض غياب الأهل والأحباب مثل تلك التي ابتدعونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيما يطلق عليه "إفطار افتراضي". يكتبون فيها: " تعالوا نفطر أونلاين مع بعض. كل حدا بيحضّر أكلته ووقت يدق المدفع منفتح اتصال فيديو أو منصوّر الوجبات ومنتشاركها افتراضياً".

أما في في أماكن سكن النازحين، فباتت تأخذ مائدة الإفطار شكلاً آخر. حيث تجلب كل عائلة طبقاً صغيراً حسب مقدرتها، لتكبر المائدة فتتسع للجميع رغم اختلافاتهم وربما خلافاتهم. مشاركة إجبارية لا خيارية، لكنها باتت محببة.

رمضان ليبيا: رغم الحرب مازال هناك أمل

أما في ليبيا فعلى الرغم من الحرب التي تشهدها البلاد منذ حرب 2011، إلا أن الاحتفال بشهر رمضان الكريم بات هو المتنفس الوحيد الذي يحرص الليبيون على الاحتفال به هربا من ويلات الحرب وصوت الطلقات والمدافع.

عادات ليبية متوارثة:

مازال الليبيون يحافظون على بعض العادات المميزة للشهر الفضيل، ولعل أشهر تلك العادات هي التسوق، حيث يبدأ الجميع التجهيز له قبل أيام عديدة من قرب حلوله، فتشهد الأسواق حالة رواجًا كبيرًا، وتزداد عمليات البيع والشراء لجميع مستلزمات الأسرة، ومن اشهر تلك الأسواق سوق السمك على طريق الشاطئ بطرابلس

إلى جانب التسوق يحرص كذلك أبناء ليبيا على التجمع في منزل رب الأسرة أو منزل العائلة، فاليوم الأول دائما وأبدا يكون يوم التلاقي وتبادل التهاني بين الأقارب والجيران.

ومع حلول شهر رمضان تبدأ الأسرة في تقسيم الأدوار بين أعضاء العائلة لاستقبال الشهر الفضيل بشكل لائق، فالأم هي وبناتها مسؤولون عن ترتيب المنزل ورشه بالمعطرات وحفظ خزين الشهر، والأب والأبناء يكون دورهم تنظيم حدائق وتزيين المنزل ابتهاجا بالشهر الكريم.

أكلات تقليدية

تشتهر ليبيا ببعض الأكلات الرمضانية التي لاتخلو منها الموائد، مثل "بسيسة" والتي تتكون من البقوليات مثل العدس والحمص والكمون والشعير والسكر، ويتم شراؤها وتنظيفها واحضارها للمطحنة، حيث تطحن ويضاف عليها زيت الزيتون ويخلط في صحن ويقدم في الإفطار مع التمر.

وهناك أكلة أخرى تسمى (زميطة) تقوم ربات المنزل بتنفيذها قبل رمضان، لأنها أيضا تحتاج لشراء الشعير وتنظيفه وتحميصه على النار ثم طحنه، ويتم خلطه بالزيت حتى يكون مثل العجين، وتضاف لمائدة السحور في رمضان.

أما عن أشهر الحلويات الشعبية في رمضان، فهناك حلوى (العسلة والزلابية)، إلى جانب الحلويات الأخرى مثل الكنافة، والبسبوسة، والبقلاوة، والقطايف، ولقمة القاضي.

المساجد تكتظ بالمصليين طوال الشهر الفضيل

لعل من أشهر السمات التي يحملها الشهر الكريم في كافة الدول العربية عامة وليبيا خاصة، هي ازدحام مساجد المدن الليبية بالمصلين طوال الشهر الفضيل.

أسواق الملابس في ليبيا

ومع قرب نهاية الشهر الكريم، في أخر 10 أيام من الشهر الكريم تشهد أسواق الملابس في ليبيا ازدحاما ا كبيرا من العائلات لشراء ملابس العيد، حيث تقيم السلطات أسواق في أكثر المناطق الشعبية داخل المدن لخدمة أكبر عدد من المواطنين.

الحوثي تسلب بهجة رمضان في اليمن:

مثلما سلبت عصابات الحوثي ملامح كل شئ في اليمن، فإنها سلبت أبناء صنعاء بهجة استقبال شهر رمضان، بما فيها روحانية المساجد.

حيث كانت صنعاء مع حلول شهر رمضان، تشهد حراكا مجتمعيا واسعا، تقوم الأسر بتنظيف المنازل وتجهيزها، فيما يتولى الرجال مهمة تنظيف أزقة الأحياء السكنية والمساجد، وتعليق مصابيح الزينة أمام كل منزل، فضلا عن شراء احتياجات الشهر الفضيل.

قمع الحوثي ووحشيته حولت أطفال صنعاء إلى باعة لزينة رمضان، فغابت عنهم فرحتهم من خلال ترديد الترانيم الشعبية المرحبة بشهر الصيام، لا سيما آخر أيام شهر شعبان، تعبيرا عن حبهم وفرحتهم بقدوم رمضان.

دمرت مليشيات الحوثي العادات والتقاليد الروحانية التي كانت تسود استقبال شهر رمضان في صنعاء بعد تضييقها على سكان صنعاء، حتى أنها حولت المساجد، إلى منابر دعائية لتسعير الحرب.

وكما سلبت مليشيات الحوثي روحانية الشهر الفضيل، أثارت أيضا حالة حرمان مستمر للموظفين من مرتباتهم، وانعدام فرص العمل، وخسارة الخدمات، إلى جانب أساليبها المتشددة في منع صلاة التراويح بزعم أنها بدعة، فضلا عن إغلاق مكبرات الصوت أثناء أداء الصلوات الخمس.

وزاد من ذلك، أن مليشيات الحوثي ترفض صرف مرتبات الموظفين منذ 8 أعوام، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية أضعافا مضاعفة، نظرا للسياسيات الحوثية الجبائية واستحداث مراكز جمركية ضاعف من أسعارها، فضلا عن وجود أزمة المشتقات النفطية والغاز والتي تحرص مليشيات الحوثي على بيعها في السوق السوداء فيما تستخدم الأسر "الكراتين والورق" لإشعال النار في مواقد طهي الطعام.

أصبح مجيء الشهر الفضيل همّا وعبئا في حياة اليمنيين، في ظل عجزهم عن توفير المبالغ المالية التي يحتاجونها لشراء احتياجات شهر الصوم.

كما اصبح توفير الغاز المنزلي، أو غاز الطهي الذي أخفته مليشيات الحوثي ازمة جديدة ضمن سجلات الأزمات التي يقاسيها اليمنيون، إذ تتعمد ميليشيات الحوثي إجبار المواطنين على التوجه إلى السوق السوداء التابعة لقيادة المليشيات وشرائها بأسعار مرتفعة جدا.

ولم تتوقف الممارسات والمضايقات التي تقوم بها مليشيات الحوثي عند هذا الحد، وانما أيضا طالت المساجد والتي تحولت إلى منابر لبث سموم الكراهية ونشر الطائفية الملغومة.

كما تحولت مجالس الذكر التي تقام كانت في الغالب لقراءة القرآن والسيرة النبوية لصاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، تحولت اليوم تلك المجالس إلى تجمعات للشكاوى وتبادل الآهات من الوضع القائم، بعد أن حرمت مليشيات الحوثي السكان أبسط حقوقهم.

رمضان العراق لم يعد كما كان:

كغيرها من البلدان التي تقاسي ويلات الحرب باتت العراق ايضا تقاسي ازمات غيبت معها بعض العادات وتقاليد شهر رمضان بدأت تختفي تدريجيا وذلك بسبب تردي الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلاد ودخول التكنولوجيا إلى حياتهم.

اندثرت العديد من العادات والتقاليد الخاصة بشهر رمضان اندثرت نتيجة تغيير نفوس العراقيين بسبب الحروب التي خاضوها والفقر الذي أصابهم"،

كان العراقيون في السابق يقيمون مائدة إفطار جماعية حيث توجه الدعوات إلى الجيران والأقارب، في جو من المحبة بينهم وكذلك أن العديد من البنات تزوجت بعد أن تشاهدها والدة العريس وأخواته في الإفطار الجماعي".

بدأت صلة الرحم بالانقطاع وهذا ما أثر على طقوس شهر رمضان"، حتى أن لعبة المحيبس شبه اختفت في البلاد بسبب الأوضاع الأمنية بعد استهداف التجمعات من قبل المجاميع المسلحة".

وكانت لعبة المحيبس من أشهر الألعاب الرمضانية التي تجري بعد الفطور بساعتين، وتعتمد على إخفاء الخاتم بيد أحد لاعبي الفريقين حيث كل فريق يتجاوز لاعبيه عن العشرة، وأكثر الفرق شهرة هما الأعظمية والكاظمية، وبعد انتهاء اللعبة يجري توزيع الحلويات على الفريقين والجماهير الحاضرة إلى المباراة.

تغيب كذلك المسحراتي الذي كان يتجول في أحياء العاصمة بغداد يدق على الطبل لإيقاظهم لتناول وجبة السحور، بسبب الأوضاع الأمنية المتردية ودخول التكنولوجيا، كما اختفى مدفع الافطار أيضا من العراق حيث كان يضع قرب نهر دجلة في زمن النظام السابق، والآن حلت محله صوت التفجيرات".

في غضون ذلك، رأى الباحث الاجتماعي عبد الكريم اللامي اختفاء الموروث الشعبي لشهر رمضان إلى انشغال الناس بهمومهم التي ازدادت بعد عام 2003. وقال اللامي، إن "الوضع العراقي استثنائي فتظهر عادة هذه الأمور عندما يشهد البلاد شيئا من الرفاهية ولكن البلاد تشهد اليوم تدهورا في كل جوانب الحياة".

تعيش البيوتات العراقية اليوم نكبة وانطفأت أنوارها بعد مقتل الكثير من أبنائها بسبب التفجيرات وانتشار المجاميع المسلحة والمليشيات في العراق وأمام أنظار الأجهزة الأمنية"،

ورغم ذلك هناك بعص العادات التي مازالت مستمرة هي تناول الحلويات بعد العشاء والعصائر والتمر وشوربة العدس عند الإفطار".

أهم الأخبار