مع حلول شهر رمضان.. تعرف على تاريخ الزينة والخيامية
بمجرد اقتراب شهر رمضان الكريم، يستعد المسلمون في الدول العربية للاحتفال بأكثر شهور العام قدسية لديهم، ويتسابق الشباب والأطفال في الأحياء المختلفة لتزيين شوارعهم، تتخللها فوانيس مضيئة، في طقس يعود تاريخه إلى مئات السنين،
وبمرور الزمان، كان لكل عصر سماته وعاداته الخاصة في تزيين المساجد والشوارع احتفالاً بشهر رمضان، ومن تلك العادات ما أصبح موروثاً ثقافياً متأصلاً ولا يزال يُتبع حتى يومنا هذا، ومنها ما اندثر وأصبح في طي النسيان.
وبدأت ملامح الاحتفال بشهر رمضان الكريم في الظهور بالمنازل والشرفات والطرقات، وكل ذلك يختلف حسب كل دولة وعادات كل شعب، الزينة، الفوانيس، الأقمشة التراثية الملونة، الأهلّة وحبال الإضاءات البهجة، ولذلك يرصد موقع خليجيون قصة نشأة زينة رمضان وتطورها؟
زينة رمضان في عهد الخلفاء الراشدين
يعد الخليفة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، أول من أعاد جمع المسلمين لأداء صلاة التراويح -قيام الليل- في جماعة داخل المساجد خلال شهر رمضان، وهي الصلاة التي بدأت في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يواظب عليها خشية أن تُفرض على أمته فيعجزون عنها.
وبعد وفاته وانقطاع الوحي لم يعد هناك داع للخوف من فرضها، فأعاد ابن الخطاب جمع الناس عليها وجعل أبي ابن كعب رضى الله عنه إمامهم.
ويقال إن عمر ابن الخطاب حين شرّع بصلاة التراويح، طالب بإنارة المساجد وتزيينها بالقناديل بدءاً من أول أيام شهر رمضان، حتى يتمكن المسلمون من أداء صلاتهم وإحياء شعائرهم الدينية، وأيضاً حتى تستقبل المساجد الشهر الكريم وهي في أبهى صورها، وكان ذلك هو الشكل الأولي لزينة رمضان.
ولكن يرى أحد علماء الأزهر الشريف في مصر، أحمد المالكي، بأن الخليفة علي ابن أبي طالب، رضى الله عنه، كان أول من زين المساجد بالأضواء في شهر رمضان، بصورة أقرب لما نراه الآن في وقتنا الحاضر.
وفي البداية كانت الجوامع تُضاء بالسروج البسيطة، التي هي عبارة عن وعاء يوضع فيه زيت له فتيل يشتعل بالنار، وبالتدريج تطورت حتى ظهرت القناديل المزخرفة والبلورية متقنة الصنع، وصولاً إلى الكهرباء في هذه الأيام.
زيادة المصابيح المزخرفة في عصر هارون الرشيد
ظل الاحتفال بشهر رمضان من خلال إنارة المساجد بالمصابيح حتى تطور الأمر في عصر الدولة العباسية وبالتحديد في عهد الخليفة هارون الرشيد "170-193هـ"، حينما طالب بوضع الكثير من وضع المصابيح المزخرفة في المساجد خلال الشهر المبارك، مشجعاً الناس على الإكثار من المصابيح أيضاً في هذا الشهر.
زينة رمضان في عهد الدولة الفاطمية
بدأت الكثير من مظاهر الاحتفال بالمناسبات المختلفة في عصر الدولة الفاطمية، فالبتأكيد لن يفوتها أمر زينة رمضان وإضافة المزيد من الاحتفالات، ووفقاً للمؤرخ إبراهيم عناني، فإنه في عهد الفاطميين كان يُعهد للقضاة بالطواف على مساجد القاهرة -مقر الحكم- وباقي الأقاليم قبل حلول الشهر الكريم، لتفقد ما جرى من إصلاحات وفرش وتعليق السروج والقناديل في المساجد.
كما كانت تقام احتفالات شعبية ورسمية مع حلول شهر رمضان، وعند تحري الهلال يخرج الخليفة من باب الذهب، وهو أحد أبواب القصر الفاطمي، متحلياً بملابسه الفخمة، ويحيطه الوزراء ممتطين خيولاً ذات سروجاً مذهبة، ومن أمامهم الجنود.
وحتى تظهر الشوارع والطرقات في أبهى حللها، كان صانعو المعادن والصاغة يتبارون في إقامة أنواع زينة رمضان على حوانيتهم.
و كانت الدولة الفاطمية تقوم أيضاً بتخصيص أموالاً لشراء البخور الهندي والكافور، لصرفه للمساجد في شهر رمضان، كما كانت تُقام الأسواق التجارية، ومن بينها "سوق الشماعين" الذي يشهد رواجاً عظيماً لشراء الشموع الموكبية، والتي تزن الواحدة منها 10 أرطال، وكانت تُستخدم لإحياء الليالي الدينية عند المسلمين أو غيرهم، بحسب موقع ساسة بوست
الفانوس
ومن مظاهر احتفالات الدولة الفاطمية بشهر رمضان، "الفانوس" أيقونة الشهر الكريم، وعن نشأته تذكر إحدى الروايات أن المصريين كانوا في انتظار المعز لدين الله الفاطمي عند دخوله القاهرة، وأمرهم جوهر الصقلي، مؤسس المدينة وأحد أشهر القادة العسكريين الفاطميين، بأن يصطفوا في الطرقات التي يمر منها الخليفة ويضيئون الطريق.
وبالفعل خرج المصريون في موكب كبير شارك فيه الرجال والنساء والأطفال للترحيب بالخليفة، حاملين المشاعل والفوانيس الملونة والزينات، وكان ذلك يتزامن مع شهر رمضان، وحينما أعجب الخليفة بهذا الاحتفاء، تحول الفانوس مع الوقت إلى عادة شعبية ورمز يعلن قدوم الشهر المبارك.
زينة رمضان في عصر المماليك والعثمانيين
لم يتخل المسلمون عن مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان مع رحيل الفاطميين، بل استمروا في إضاءة المساجد والشوارع بالقناديل في عصر المماليك والعثمانيين، حتى حلت محلها الكهرباء في عصرنا هذا.
وكانت المصابيح تُضاء مع الإفطار وتطفأ عند اقتراب آذان الفجر، حتى يمسك سكان البيوت الذين لا يسمعون الآذان عن الطعام والشراب ويبدأون الصيام.
وخلال العهد العثماني، أمر السلطان أحمد الأول بإنارة الجوامع والمساجد احتفالاً بشهر رمضان، وكانت المصابيح والمشاعل تعتلي جوانب اسطنبول ومآذنها، حتى بدت المدينة وكأنها مرشوشة بالنجوم.
زينة الخيامية
نرى كثيراً في شوارع مصر، أقمشة حمراء مزركشة بنقوش مبهجة وأشكال متعددة، يتم ترتيبها في خيوط أو حبال وتعليقها بجانب الفوانيس في الشوارع، احتفالاً بشهر رمضان في طقس أصيل تتميز به مصر عن باقي البلدان، إنها الزينة المصنوعة من قماش الخيامية.
والخيامية، هي فن صناعة الخيام وتزيينها، وبعض المؤرخين يرجعون هذا الفن إلى عصر قدماء المصريين، لكنه ازدهر وارتبط بشهر رمضان خلال العصر الإسلامي، وبالتحديد في العهد المملوكي.
وفي القاهرة يوجد سوق الخيامية الذي تم بنائه في القرن الـ17، ويُعد السوق المغطى الوحيد المتبقي من أسواق القاهرة القديمة، ويقع بالقرب من باب زويلة الشهير
الدول العربية والزينة
مظاهر الاحتفال مختلفة من بلدٍ لأخرى، ففي مصر، التي هي منبع تلك الديكورات والتزيين في قدوم الشهر الكريم، لا تخلو حارة أو شارع خاصة بالمناطق الشعبية منها، حيث يقوم الأطفال والشباب بجمع أموال من السكّان للتزيين، وتتنافس المناطق مع بعضها البعض في الكيفية والطريقة.
وتعتبر حارة اليهود بالقاهرة من أبرز أماكن بيع زينة رمضان، كما أنّها تعتبر من أكبر الأسواق التي تذخر بالإكسسوارات اليدوية المصنوعة لزينة رمضان بأشكالها وأحجامها المختلفة
انتشرت ظاهرة التزيين لقدوم رمضان من مصر للشام، ففي الأردن أصبح تعليق الأهلة والفوانيس منتشراً بحيث لا يخلو منه حي أو شارع أو حتى عمارة سكنية.
أما في غزة، فتنتشر الرسوم والجرافيتي على الجدران بدلاً من تعليق الأهلة المضاءة، لذا يلاحظ ازدحام جدران القطاع في الأماكن العامة بعبارات التهنئة التي تخطها الفصائل والأحزاب الفلسطينية
وتُزين الشوارع بالأنوار والمصابيح في سوريا رغم ضراوة الحرب، وتعلق لافتات تهنئة بحلول الشهر الكريم، مثل "أهلاً بك رمضان".
كما انتشرت زينة رمضان في العراق عقب الغزو الأمريكي العام 2003، خاصة تعليق الفوانيس النحاسية بالمساجد.
خلال السنوات الأخيرة انتشرت تلك الظاهرة في المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت (محظورة) دينياً بحجة أنها بدعة، إلا أن الفوانيس والزخارف انتشرت في المحلات والمطاعم والفنادق وشوارع الحواري والبيوت لتعطي مدن المملكة جمالاً فاتناً في الشهر الفضيل.
كما تتزين منازل اليمنيين بما يسمى "القمرية"، وهي عبارة عن نصف دائرة مكونة من الزجاج ومادة الجص تعلو معظم النوافذ.
كما أصبحت الزينة اليوم تقليداً للعديد من الأقليات خاصة بأوروبا، وهذا يمكن أن نرجعه إلى شعور المسلمين بالغربة، وحاجتهم إلى خلق أجواء رمضانية قد لا يلتفتون إليها في بلادهم.