النفط الليبي ضحية الاضطرابات السياسية من جديد
بات قطاع النفط في ليبيا ضحية أولى للاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد، بعدما أقدم محتجون على اغلاق اثنين من أكبر حقول النفط، إلى جانب تراجع معدلات الإنتاج إلى 920 ألف برميل بعد أن تخطت خلال الأشهر الماضية حاجز 1.3 مليون برميل يومياً، وهو مااصبح خطرا يهدد اقتصاد البلاد في الوقت الذي اقتربت فيه أسعار النفط من سعر 120 دولاراً للبرميل الواحد.
وكانت حقول الإنتاج وموانئ التصدير الليبية قد واجهت الإغلاقات المتكررة خلال العقد الماضي، مما أسفر عن تذبذب مستمر لمعدلات الإنتاج التي لم تصل أبداً خلال هذه الفترة إلى معدلاتها القياسية، والتي تقترب من 1.8 مليون برميل في اليوم الواحد.
إغلاق حقلين
وكان محتجون تابعون لحرس المنشآت النفطية قد أغلقوا حقلي الشرارة والفيل جنوب غربي ليبيا مما تسبب في توقف ضخ النفط منهما بشكل كامل، فضلا عن تراجع معدلات الإنتاج في البلاد بشكل واضح، اثر إغلاق حقل الشرارة الذي يعد أضخم حقول النفط الليبية الذي ينتج نحو 300 ألف برميل يومياً.
وقد تسبب إغلاق خطوط الإنتاج في حقل الفيل النفطي الواصل إلى ميناء مليتة غرب البلاد في خسارة نحو 60 ألف برميل، بعدما تم إغلاق صمام قرب مدينة الرياينة على يد محتجين تابعين لجهاز حرس المنشآت، مطالبين بصرف رواتبهم المتأخرة، وهي المجموعة التي كانت قدعطلت خطوط نقل النفط الخام الواصلة بين حقل الشرارة وميناء الزاوية النفطي الأسبوع الماضي.
وشكلت هذه الإغلاقات ضربة إلى الآمال التي علقت على الزيادة الكبيرة في أسعار النفط الخام وإعطاء دفعة للاقتصاد الليبي الذي يعاني أزمات كبيرة، كما أنها تأتي في وقت تسببت فيه الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في ارتفاع سعر برميل النفط، بعدما سجلت العقود الآجلة لخام برنت زيادة بنسبة 5.51 في المئة، لتستقر عند 119.15 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ مايو (أيار) 2012.
خسائر ضخمة
من جانبها أوضحت المؤسسة الوطنية للنفط حجم الخسائر التي تعرضت لها نتيجة إغلاق صمامات ضخ الخام من حقلي الشرارة والفيل، مشيرة إلى أنها "تتسبب في فقدان نحو 330 ألف برميل في اليوم وخسارة يومية تتخطى 160 مليون دينار ليبي (33.3 مليون دولار)".
فيما أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله إن "مجموعة من العصابات المشبوهة قامت بإغلاق صمامات ضخ الخام، مما جعل تنفيذ التزاماتنا تجاه المكررين في السوق النفطية مستحيلاً".
وطرح صنع الله تساؤلا قال فيه، "لمصلحة من تأتي هذه الإغلاقات التي أتت بعد قفزة الأسعار التي تخطت 100 دولار للبرميل". وتابع"العصابة نفسها كانت قد أغلقت هذه الصمامات بين عامي 2014 إلى 2016 في الوقت الذي شهد طفرة في الأسعار، وكل هذه المؤشرات تؤكد أن لها ارتباطات مشبوهة تحركها أيد خفية لجر البلاد إلى فوضى".
إجراءات قانونية
وأشار صنع الله إلى البدء في اتخاذ إجراءات قانونية بحق المجموعات التي تغلق حالياً خطوط الإنتاج، قائلاً إنه "تم تقديم بلاغ للنيابة العامة لاعلان إجراءات رادعة ودقيقة بهدف كشف المخططين والمنفذين والمستفيدين من هذا العمل المعيب، والخطوات التالية لا بد من أن تكون حازمة ومحكومة بالمعيار القانوني الجنائي، إلى جانب ملاحقتهم جنائياً لدى النيابة العامة".
وقد وجه رئيس المؤسسة النفطية تحذيرات من "استمرار تعرض البنية التحتية لقطاع النفط إلى أعمال غير قانونية تتمثل في تخريب خطوط الإنتاج والمعدات السطحية على مرأى الجميع، مما أسفر عن ظهور تحديات اقتصادية صعبة فاقمها تعطل الموازنات".
دعوة إلى النظر في المطالب
وكانت وزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية قد طالبت "الأطراف المعنية بالتدخل والنظر في مطالب الأشخاص الذين قاموا بإغلاق الصمامات لخطي الشرارة والفيل جنوب غربي البلاد"، وذكرت وزارة النفط والغاز في بيان إنها "تتابع بقلق شديد عملية إغلاق خطي إنتاج حقلي الشرارة والفيل، كما أنها تستنكر هذه الأعمال التي باتت تهدد دخل الشعب الليبي خاصة في ظل هذه الظروف التي تشهد ارتفاع أسعار النفط والغاز، والإغلاقات خلال هذه الفترة تمثل ضرراً لمصدر قوت الليبيين باعتبار أن النفط هو الدخل الوحيد للبلاد".
عقد من الاستنزاف
وكان إنتاج البلاد من النفط، المحرك الرئيس للاقتصاد الليبي، قد شهد انخفاضا خلال عام 2013 إلى 933 ألف برميل، ثم إلى 480 ألف برميل عام 2014، و410 آلاف في 2015، و355 ألف برميل في 2016، وارتفع عام 2017 إلى 878 ألف برميل، ثم إلى 950 ألفاً في 2018، ثم إلى مليون برميل عام 2019، ليشهد تذبذبا خلال العامين التاليين بين حاجز مليون برميل 1.3 مليون برميل، متأثراً بالانقطاعات المستمرة في الإنتاج بسبب الإغلاقات المتقطعة وفق بيانات رسمية.
وأوضح المصرف المركزي الليبي أن خسائر ليبيا جراء الإضرابات والإغلاق المستمرين لحقول النفط خلال السنوات الماضية تقدر بنحو أكثر من 100 مليار دولار.
ويقوم 95 في المئة من الموازنة العامة في ليبيا على الإيرادات النفطية، كما يخصص أكثر من نصف الموازنة لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات، من بينها الوقود وخدمات مثل العلاج في المستشفيات بالمجان.
بداية أزمة ونهاية أخرى
جاءت سلسلة الإضرابات الجديدة في حقول الإنتاج بالتزامن مع أنباء إيجابية عن موانئ التصدير التي استأنفت أربعة منها العمل من بين الموانئ الستة الرئيسة لتصدير نفط الدولة إلى الأسواق الدولية بعد إغلاقها الأسبوع الماضي، والموانئ الأربعة التي عادت للعمل هي رأس لانوف والبريقة وزويتينة والسدرة، وكلها تقع في وسط البلاد في ما يعرف بالهلال النفطي.
وأكدت المؤسسة الوطنية للنفط إن "الموانئ الأربعة ومنشآت في مليتة والزاوية غرب البلاد أغلقت مؤقتاً نتيجة لسوء الأحوال الجوية".
صراع الوزارة والمؤسسة
لم تكن الاضرابات المتواصلة هي الأزمة الوحيدة التي تواجه القطاع خلال الفترة الأخيرة، فقد عانى أيضاً من صراع محتدم وخلافات متواصلة بين المؤسسة الوطنية للنفط ورئيسها مصطفى صنع الله ووزارة النفط التي يقودها محمد عون، والتي لم تنجح التدخلات الحكومية في معالجتها حتى الآن، والفصل الجديد في هذا الصراع حتى وصل إلى مكتب النائب العام عبر شكوى تقدم بها وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية محمد عون إلى النائب العام الصديق الصور ضد رئيس المؤسسة النفطية مصطفى صنع الله، وتناولت الشكوى إغلاق الموانئ النفطية الأسبوع الماضي بتعليمات من إدارة مؤسسة النفط، التي اعتبرتها الوزارة غير ضرورية وتضر الاقتصاد الوطني، كما طالبت النائب العام "بالتدخل لمنع تكرار هذه القرارات، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط الخام ووصولها إلى ما يقارب 120 دولاراً للبرميل، مما يضع هذا القرار ضد مصلحة الشعب الليبي".
ورأت وزارة النفط والغاز أن "ماحدث من إيقاف للتصدير هو إضرلر بالأمن القومي وعبث بمقدرات الشعب الليبي، داعية إلى اتخاذ الإجراءات القانونية العاجلة بهدف وقف هذه القرارات المضرة بالاقتصاد الوطني".
فيما لم تعلق المؤسسة الوطنية للنفط على البلاغ المحال إلى النائب العام ضدها حتى الآن، والذي من المتوقع أن يزيد حجم الخلافات بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.