"لمناقشة دستور البلاد".. القاهرة تحتضن الفرقاء في ليبيا
في خطوة جديدة تهدف لتوحيد الصف ولم الشمل في ليبيا، ووضع نهاية لحال الانقسام بين المعسكرين السياسيين المتنازعين، في بنغازي وطرابلس، يجتمع مجلسا النواب والدولة مرة أخرى للتفاوض حول التعديلات على الدستور الخلافي المجمد منذ عام 2017.
الجولة التفاوضية الجديدة بين المجلسين، اللذين يمثلان أطراف النزاع المستعر منذ سنوات طويلة، تستضيفها
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة المصرية الجولة التفاوضية الجديدة بين المجلسين، وسط حالة من التفاؤل المحلي الطفيف في نجاحهما في التوافق على دستور يخرج البلاد من أزمتها، ويؤسس لمرحلة جديدة من السلام الذي فشل الليبيون في الوصول إليه، على الرغم من كثرة الاتفاقيات التي وقعها الأفرقاء السياسيين، وانتهت في كل مرة بخلاف جديد وأزمة أخرى.
ترقب لمخاض القاهرة
فيما يرى مراقبون في ليبيا، أن الجولة التفاوضية الجديدة التي تستضيفها القاهرة حول مسودة الدستور، بين لجنتين من البرلمان ومجلس الدولة، لن تسفر عن نتائج كبيرة في مستوى تطلعات الشارع الليبي، بالنظر إلى تمسك الطرفين بموقفيهما من التعديل 12 على الإعلان الدستوري، الذي وضعه مجلس النواب وبما ورد فيه من بنود، تمهد لمرحلة انتقالية جديدة، ويرفضه مجلس الدولة شكلاً ومضموناً.
وكان البرلمان الليبي قد استبق مشاورات القاهرة من خلال بيان شدد فيه على عدم مناقشة هذا التعديل الدستوري، والتركيز على تعديل المواد الخلافية في مسودة الدستور، وهو ما قد يسهم في تعقيد مفاوضات العاصمة المصرية.
التشدد في موقف الطرفين من هذا التعديل الدستوري بات واضحا في تصريحات خرجت عن مصادر تابعة لهما، خلال اليومين الماضيين، حيث أكد المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب فتحي المريمي، أن "الاجتماع سيتطرق إل. مناقشة النقاط الخلافية الواردة بالدستور المنجز، فيما ستتولى اللجنة المكلفة من البرلمان مراجعة النقاط محل الخلاف في مشروع الدستور المحال من الهيئة التأسيسية".
من جانبه أكد عضو مجلس الدولة الاستشاري، سعد بن شرادة، إنه "لابد من مناقشة التعديل الدستوري الثاني عشر الذي تم من خلال توافق مجلس الدولة والبرلمان، لكن فتح النقاش بين اللجنتين حول قاعدة دستورية ومبادرة المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، أمر مستبعد، كون مجلس الدولة نفسه منقسماً تجاه الأمر".
وأضاف أن "لجنة البرلمان تقتصر النقاش على مسودة الدستور فقط، لأن قرار تشكيلها يشترط ذلك، وينص على فتح المسودة وطرح الدستور للاستفتاء، ولا يريدون الخروج عن نص القرار، لذا فهم لن يناقشوا أي أمور أخرى".
دستور أم قاعدة دستورية؟
في جانب اخر تضاربت الأنباء الواردة من البعثة الأممية في ليبيا وأعضاء في مجلسي النواب والدولة حول الموضوعات التي سيتضمنها النقاش في القاهرة، وهل تنحصر في بحث تعديل مسودة الدستور أم ستشمل أيضاً دراسة الاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات؟
من جانبها أكدت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، إن "مباحثات لجنتي مجلسي النواب والأعلى للدولة ستناقش وضع قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات وطنية في أسرع وقت ممكن".
وأوضحت وليامز أن "المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات التشريعية الليبية من حيث إبداء حسن النية والعمل بشكل بناء، وفقاً للقواعد المعمول بها، والاتفاق السياسي لمايحقق مصلحة الشعب الليبي العليا"، مشيرةً إلى أن "الشعب الليبي كشف عن رغبته في إنهاء النزاعات والانقسامات".
فيما ذكرت أسماء الخوجة، عضو مجلس النواب، إن "المشاورات التي من المقرر انعقادها في القاهرة مع لجنة من مجلس الدولة لا علاقة لها بالانتخابات أو إنجاز قاعدة دستورية".
وأضافت الخوجة أنه توجد مغالطات حول اجتماعات اللجنتين، وهي أننا نلتقي لإنجاز قاعدة دستورية بشأن إجراء العملية الانتخابية المرتقبة، وهذا غير صحيح باعتبار أن اللقاء بين اللجنتين هدفه فقط مناقشة ومراجعة النقاط المختلف حولها في مشروع الدستور والتعديل الثاني عشر".
وأشارت إلى أنه "في حال فشل الاجتماعات بخصوص النقاط الخلافية، فإنه يمكن حينها الحديث عن إنجاز قاعدة دستورية تخص الانتخابات".
تأسيسية الدستور تنتقد الاجتماع
وفي مؤشر آخر على صعوبة عودة لجان التفاوض من القاهرة بصيغة توافقية تتمكن من انهاء الخلافات المزمنة حول مسودة الدستور، والتي لم تحل أو تنتهي على رغم مضي خمسة أعوام على إنجازها، شددت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، في بيان، على "عدم دستورية الإجراءات التي أقرها مجلس النواب المتمثلة في مقترح التعديل الدستوري الثاني عشر، وقرار رئيس مجلس النواب تشكيل لجنة تتولى تعديل بعض مواد مشروع الدستور المنجز من الهيئة التأسيسية".
وأكد رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الجيلاني أرحومة، إن "إجراءات مجلس النواب تعد صورة من صور اغتصاب السلطة، ولا تعدو كونها أعمالاً مادية غير منتجة لأي آثار قانونية، وهي والعدم سواء".
وتابع أنه "لا يجوز لمجلس النواب أو غيره المساس بمشروع الدستور المنجز من خلال الهيئة التأسيسية بأي شكل من الأشكال، لأنه يمثل تعدياً على أعمال سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرة، لا تتبع لأي جهة، سواء كانت مجلس النواب أو أي جهة أخرى، ولذلك أسبغ عليها المشرع الدستوري الحماية الدستورية اللازمة".
وأوضح أرحومة أن إجراءات مجلس النواب هي محاولةً لسلب الشعب الليبي حقه في الاستفتاء على مشروع الدستور المحال إليه منذ أكثر من خمس سنوات، وأصدر بشأنه قانوناً للاستفتاء من دون تفعيله، وإجهاضاً للمسار الدستوري برمته عبر إدخاله في دائرة المماحكات والتجاذبات السياسية".
شروط للنجاح
ورغم هذه الرؤى المتشائمة غير ان بعض المحللين يرون وجود فرصاً لتحقيق النجاح، لكن بشروط، يضعها رئيس مركز الأمة الليبي للدراسات السياسية محمد الأسمر، في "تفعيل الاتفاقيات بين مجلسي النواب والدولة"، مشيرا إلى أنه "من دون تفعيل هذه الاتفاقيات، لن تنجح أي اجتماعات مستقبلية".
ولفت الأسمر إلى أن "الأزمة الحقيقية تأتي بسبب عدم تنفيذ أي اتفاقيات، حيث تحاول جهات معينة منع حدوث أي تفاهمات بين الأطراف الليبية". واستطرد إن "البعثة الأممية غائبة عن المشهد وغير قادرة على تحقيق الاستقرار المنشود والتهدئة بين الأطراف المتصارعة، مما تسبب في حالة التفكيك الحالية وفشل جميع المبادرات".
أما الصحافي فاتح الخشمي، فرأى أن "المباحثات التي ستحتضنها القاهرة بين أعضاء من مجلسي النواب والدولة هي السبيل للخروج من الأزمة، ففي حال اتفاق المجلسين على قاعدة دستورية سيكون السبيل الأسرع للوصول للانتخابات وإجرائها في أقرب وقت".
وقد أعرب الخشمي عن تفاؤله بشأن استضافة مصر لهذه الجولة التفاوضية، بعد تقاربها في السنوات الأخيرة مع كل الأطراف الليبية، مشيراً إلى أن "مصر دولة ذات ثقل كبير في المنطقة ولاعباً بارزاً في الأزمة الليبية، والكل يعلم أن بداية حل الأزمة كان عن طريق إعلان القاهرة، تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس البرلمان عقيلة صالح والقائد العام للجيش الوطني المشير حفتر".
واستكمل: "القاهرة نجحت بالسنوات الماضية في التحول من طرف في الأزمة الليبية إلى وسيط موثوق من كل الأطراف، وأتوقع أن يصبح لها دور حاسم في حل الإشكالات الحالية بين أطراف النزاع الليبي، من خلال استضافة مثل هذه الجولات التفاوضية المهمة".