بنك قطر الوطني يكشف أسباب التباين في معدلات التضخم في آسيا الناشئة
أكد بنك قطر الوطني QNB أن أرقام التضخم تعكس أنماطا مختلفة في آسيا الناشئة مع اختلاف الأسباب الجذرية، مصنفا هذه الدول إلى ثلاث فئات رئيسية، أولها البلدان التي تواجه التضخم المرتفع بسبب تكوين سلة استهلاكها وعدم قدرتها على استبدال الواردات عالية التكلفة، والبلدان المعنية بتضخم معتدل بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض قيمة العملة بسبب التضخم، والبلدان التي تواجه تضخم منخفض بسبب مرونة عملاتها وقدرتها على الحفاظ على الدعم وتوازن الطلب المحلي.
وحلل التقرير الأسبوعي للبنك الأسباب الكامنة وراء التباين في معدلات التضخم في آسيا الناشئة، موضحا أن جميع الاقتصادات الآسيوية الناشئة التي تشهد حاليا معدلات تضخم عالية هي بلدان منخفضة الدخل، أي البلدان التي يبلغ فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 12 ألف دولار أمريكي أو أقل، وهذا يشمل سريلانكا، ومنغوليا وباكستان ولاوس.
وأوضح التقرير أنه وفقا لصندوق النقد الدولي، فإن 12 ألف دولار أمريكي هو متوسط دخل الفرد في آسيا النامية والناشئة ما يفسر التضخم المرتفع بعاملين، وكلاهما مرتبط بظروف تدني الدخل، أول هذه العناصر التي تناولها التقرير تتمثل في هيكلة سلة المستهلك في هذه الدول حيث تشكل السلع الأساسية، مثل الغذاء والطاقة، وزنا كبيرا في متوسط سلة أسعار المستهلك. وهذا يعني أن الغذاء والطاقة يمتصان قدرا أكبر من الدخل مقارنة بإجمالي الدخل المتاح. ونظرا لصدمات الإمداد العالمية المختلفة الناتجة عن الجائحة والصراع الروسي الأوكراني، فإن الغذاء والطاقة هما المنتجان الأكثر عرضة لضغوط الأسعار عبر مختلف القارات. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تشهد البلدان ذات الدخل المنخفض معدلات تضخم أعلى من البلدان التي تمثل فيها الطاقة والغذاء حصة أقل من إجمالي الاستهلاك.
وأضاف البنك أن العنصر الثاني هو تأثر البلدان منخفضة الدخل سلبا بالافتقار إلى البنية التحتية الكافية ورأس المال والخبرة التنظيمية، وهذا يجعل من الصعب عليها استبدال السلع المستوردة ذات التكلفة الأعلى بسلع منتجة محليا منخفضة التكلفة، وبالتالي، يصبح استيعاب ضغوط الأسعار الناجمة عن الصدمات الخارجية أكثر صعوبة، حيث نادرا ما يوفر الإنتاج المحلي بدائل محلية أرخص من السلع المستوردة باهظة الثمن بطريقة فعالة.
على صعيد آخر، أشار تقرير بنك قطر الوطني إلى أن غالبية دول آسيا الناشئة تشهد تضخما معتدلا، وهذا يشمل بنغلاديش وكمبوديا وتايلاند والهند وبابوا غينيا الجديدة وسنغافورة، وكوريا، والفلبين، وفيجي. في حالة هذه البلدان، لا تزال معدلات التضخم أقل بكثير من التضخم العالمي وحتى أقل من التضخم في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، حيث يبلغ حاليا حوالي 7%.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع هذه البلدان هي مستوردة صافية للطاقة والسلع الأساسية، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للارتفاع الأخير في أسعار النفط والزراعة، وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من الارتفاع الحالي في الأسعار ترجع إلى التضخم المستورد، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الانخفاض المستمر في قيمة عملاتها، المدفوع جزئيا بالصدمة السلبية في حساباتها الجارية.
ولفت التقرير في ختام تحليله إلى وجود عدد قليل من البلدان الآسيوية الناشئة التي تسير عكس الاتجاه العالمي، حيث تشهد انخفاضا في أرقام التضخم، وهذا يشمل إندونيسيا، وفيتنام، وماليزيا، والصين. وجميعها تستفيد من التحسينات في أرصدة حساباتها الجارية. ومع ذلك، فإن الدوافع وراء ذلك مختلفة.
أما بخصوص إندونيسيا وماليزيا، فإن هذه الدوافع ترتبط بأسعار السلع الأساسية، على اعتبارهما مصدرين رئيسيين للسلع الأساسية، وبالتالي فإن كلاهما يستفيد من ارتفاع الإيرادات المالية والخارجية، في حين أن المكاسب المالية غير المتوقعة تدعم تمويل إعانات الغذاء والطاقة، فإن المكاسب الخارجية غير المتوقعة تحمي العملات المحلية من الرياح المعاكسة العالمية، وتمنع الانخفاضات التضخمية في قيمة العملة. في الصين وفيتنام، يؤدي ازدهار الصادرات وضعف الاستهلاك المحلي أيضا إلى تحسين أوضاع الحساب الجاري لكل منهما.
وبيّن التقرير أن التوجه يدعم عملاتها مع السماح باستمرارية نموذج النمو الذي يميل إلى الانكماش، أي يجمع بين الاستهلاك المحلي المنخفض نسبيا والمدخرات الزائدة التي يتم تخصيصها لاستثمارات جديدة. في الصين، كان هذا الأمر مدعوما بشكل أكبر بالتباطؤ الناجم عن تدابير التباعد الاجتماعي المفروضة خلال تفشي موجات جديدة من جائحة كوفيد-19 مؤخرا في البلاد.