"بيت الكويت".. قصة نضال يريدون إطفاء نورها
نتذكر، فإن في الذكريات عظات وعبر، نتذكر من باب "إن الذكرى تنفع"، لنتأمل ما كان من أمر وطننا، ولتعرف الأجيال الجديدة نضالنا وتاريخنا، نتذكر تحت شعار "وذكرهم بايات بأيام الله" لنفرح نفتخر بصمودنا في وجه المحتل الغاشم، حتى تحررت أرضنا، ودارت على الباغي الدوائر، واندحر وذهب إلى مزابل التاريخ تصحبه اللعنات على بئس ما فعل.
الذكريات مشاعل مضيئة على طريق الوطن، لتبقى الذاكرة الوطنية مشتعلة ومتقدة، ويبقى التاريخ حيا نابضا بالحياة، متواصلا نحمله جيلا بعد جيل، هكذا تحفظ الأمم تاريخها ونضال رجالها الذين كانوا وظلوا وما زالوا على عهد الوطن، مدافعين عنه أينما حلوا أو ارتحلوا، لا هدف أسمى بالنسبة لهم، سوى أن يروا راية بلادهم عالية خفاقة في كل مكان.
نتذكر في مثل هذا اليوم المشهود من عمر وطننا الغالي، قبل 32 عاما - 2 أغسطس 1990 - حينما قام محتل مجرم غاشم بهجمة بربرية لا تمت للإنسانية بصلة، ضاربا بكل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية، وحقوق الإسلام والعروبة والجيرة، عرض الحائط، وأراد ان يحتل أرضنا ويمحو تاريخنا وحضارة أجدادنا الضاربة بجذورها في أعماق هذه الأرض الطيبة، فما وجد منا إلا كل قوة وصمود ونضال.
لكن رغم ما يجول في الذهن والذاكرة من فخر وعزة، ونحن نتذكر نضال شعبنا في وجه المحتل، تبقى في القلب مرارة، وفي الحلق غصة، وكما يقول الشاعر العربي "وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً.. .عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ" فما حدث مع بيت "الكويت للأعمال الوطنية" متحف التراث والأثار والتاريخ والصور الشاهد والموثق لإجرام الاحتلال على أرضنا، شئ غريب ويدعو للدهشة والحيرة ويثير تساؤلات عديدة، من ذا الذي يسعى لطمس معالم بيت الكويت، من الذي يريد أن يسكت صوته، من ذا الذي لا يروق له رسالة هذا الصرح الوطني العظيم، الذي يحكي قصة نضال وصمود شعب أبي في وجه محتل طاغية.
القصة باتت لا تخفى على أحد، حيث قامت وزارتي المالية والكهرباء قبل نحو ثلاث سنوات بقطع الكهرباء عن "بيت الكويت".. قطعوا الكهرباء عن نافذة تاريخية مهمة، فقد أنشأناه أنا وعدد من الرجال والشباب - بجهودنا وكفاحنا وعرقنا - أنشأناه وقتها لتوثيق ما جرى في الكويت يوم 2 أغسطس 1990، وبجهود الوطنين المخلصين، فقد أنشئ عام 1997م وتم افتتاحه تحت رعاية المغفور له بإذن الله سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله، وحضر نيابة عن سموه وزير الإعلام آنذاك يوسف السميط.
و"بيت الكويت" لمن لا يعرفه أو لمن نسيه أو تناساه، متحف وطني يشمل عدة قاعات كصالة الهوية الكويتية والتي توضح تاريخ دولة الكويت عبر الوثائق والصور والخرائط والاحداث منذ نشأتها وكذلك توثيق لأحداث الغزو الغاشم في 2 اغسطس 1990، وصالة البانوراما التي توضح سيناريو الغزو على عدة مراحل باستخدام مجسمات ومؤثرات صوتية وضوئية، وصالة سينما وصالة اسرى وشهداء الكويت وقاعة للصور الفوتوغرافية وقاعة لجرائم النظام العراقي والوثائق العراقية وبانوراما قصة الشهيد ونفق سقوط النظام العراقي.
كما يضم قاعة للحلفاء بمشاركة 29 دولة من دول التحالف بالإضافة إلى إقامة 3 متاحف خارجية في بريطانيا والسنغال وبلغاريا وتوقيع 28 اتفاقية توأمة في 28 دولة تنص على منح الكويت جناحا دائما في متحفها الوطني، كما أن هذه الدول الـ 28 لها 28 جناحا داخل بيت الكويت ولها في المتحف وثائق ومقتنيات.
هذا الصرح بث منه تلفزيون الكويت بتاريخ 2 أغسطس 1990 وتكرر الحدث يوم 26 فبراير 1991 بحضور مختلف وسائل الإعلام العالمية وفي كل عام بتاريخ 25 فبراير كان يقام به افضل مهرجان من نوعه باسم "كلنا في حب الكويت"، واكتمل النمو وصار "بيت الكويت" معلما وطنيا مهما، وصرحا تأتي إليه الوفود الطلابية، لدرجة أن المتحف كان يزوره كل يوم نحو 150 طالبا وطالبة، كما كان يستقبل - باعتباره أحد متاحف الكويت - وزراء وقادة عسكريين وسياسيين وإعلاميين ومثقفين من الكويت ومن دول الخليج والدول العربية والأجنبية.. لكن للأسف الشديد كان الجزاء مخيبا للأمال ومؤلما بطريقة لا تصدق.
كل هذا التعب والنضال والبذل والعطاء، لم يشفع عند وزراتي المالية والكهرباء فقطعوا عنا الكهرباء ليخرسوا صوتنا، لكن هيهات، فما فعلنا ذلك أبدا ولن نفعله، وسنكافح من أجل حقنا في رواية قصة كفاح شعبنا، وسنطرق كل الأبواب حتى تعود الكهرباء إلى بيت الكويت، ويعود مضيئا كما عهده الشعب الكويتي، وصادحا بقصة نضالنا وكفاحنا.
ومن هنا، أتوجه إلى سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء، فسموه زار المتحف من قبل ووعدنا بحل الأزمة، وأقوله له: يا سمو رئيس الوزراء أما آن الأوان ان نجد عند سموك الحل لمشكلة بيت الكويت للإعمال الوطنية كما وعدتني سابقا، وأعلم علم اليقين أن وكل الشعب مدى حبك للوطن والأاعمال التي تخدم الوطن، وأنت تعلم يا سمو الشيخ أن "بيت الكويت" أسم على مسمى، وطيلة أكثر من ثلاثين عاما وهو في خدمة الوطن وقضاياه في الداخل والخارج.
ومن هنا أيضا، فأنني احمل وزراء الاعلام قي الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية التي شهدت حدوث الأزمة، مسؤولية هذه الكارثة الكبيرى، فالامم يا سادة تقاس بتاريخها ونضال رجالها المخلصين، لكن وأسفاه فوزراء الاعلام، كان اخر همهم الاهتمام بتاريخ ونضال الشعب الكويتي، وطالما جاءت سيرة وزراء الإعلام فإنني اغتنمها فرصة، وأناشد معالي وزير الاعلام عبد الرحمن بداح المطيري - الذي يعود لمنصبه للمرة الثانية، صحيح أنه لم يلتفت لبيت الكويت في المرة الأولى، فأتمنى أن يلتفت إليه في المرة الثانية وينهى المشكلة.
كما أحمل المسؤولية للمجلس الوطني للثقافة والفنون - الذي يتبعه بيت الكويت - وهنا أشير بمرارة إلى أنه وللاسف الشديد يتم اختيار قيادات هذا المجلس من شخصيات بعيدة عن اي ثقافة أو فنون وبعيدين تماما عن هذا المجال.
ولأننا في يوم الذكريات، فنذكر أيضا بأن بيت الكويت للأعمال الوطنية تقدم بعدة شكاوى إلى مجلس الوزراء لعدم وجود دعم له وأصدر مجلس الوزراء قراره رقم 988 لسنة 2001 ليكون بيت الكويت تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ولكن لم ينفذ المجلس هذا القرار ولم يخصص ميزانية لذلك غير ميزانية تكملة المتحف حينذاك، واستمر عدم دعم المتحف أعواما طويلة وهو قائم ويعمل على فترتين صباحية ومسائية دون أي ميزانية رغم دعم الكويت لكل متاحف العالم خارجيا، إلا أنه ولأسباب غير مفهومة تم تناسي "بيت الكويت".
كما أننا بعد عدة شكاوى لم ينتج عنها شيء تقدمنا بشكوى لصاحب السمو، وقد أمر سموه بتحويل الشكوى لمجلس الوزراء الذي اصدر بدوره القرار رقم 620 بتاريخ 27 ابريل 2015 إلا أننا منذ ذلك التاريخ لم يبلغنا المجلس بالإجراء الذي اتخذه وفقط تم مخاطبتنا شفهيا لتسليم مفتاح البيت وترك مقتنياتنا وكفاحنا وجهودنا وما صرفناه خلال الأعوام الماضية وكأنهم يريدون الاستيلاء عليه وليس الإشراف عليه علما بأن هناك أرضا في منطقة غرناطة قمنا بدفع رسومها لتكون موقعا بديلا لهذا العمل الوطني الكبير وقمنا بعمل جميع الدراسات على حسابنا ولكن للأسف تركت هذه الأرض دون بناء رغم أننا قد حصلنا على دعم من دولتين خليجيتين لبنائها الا أن الحكومة رفضت، وأخشى ما أخشاه أن تقوم الحكومة بعد قطع الكهرباء بهدم هذا الصرح الوطني دون إيجاد بديل رغم ان قرار الفتوى والتشريع نص على أن تقوم الحكومة اما بالشراء او الإيجار او وضع المتحف تحت إشراف مجلس أمناء ولكن دون جدوى.. .اللهم قد بلغت الله فأشهد.
في النهاية، لا يفوتنا بل وجب علينا جميعا، أن نتذكر أبطالنا الشهداء - وما نسيناهم أبدا - هؤلاء الأحرار العظماء الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم في سبيل الله والدفاع عن أرض وطنهم الغالي، في وجه محتل مجرم.. اللهم تغمدهم برحمتك وأنزلهم فسيح جناتك، وأحشرهم يوم القيامة مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وبارك اللهم في ذريتهم، وأجعلهم خير خلف لخير سلف، وأجمعنا وإياهم في مستودع رحمتك إنك غفور رحيم.