نظرية «الميكانيكي والسباك» في اختيار نواب الأمة
بينما كان أخونا راشد في طريقه إلى أحد مطاعم العاصمة الشهيرة، تعطلت سيارته فجأة، فضرب كفا بكف، وراح ينفث نارا من جوفه كما التنين المجنح، فاليوم هو في أشد الحاجة للوصول في موعده، من أجل عقد صفقة تجارية هي الأكبر في تاريخ شركته.
في سرعة الفهد، أخرج راشد هاتفه وراح يقلب في الأسماء والأرقام إلى أن توقف عند اسم «سالم» صديقه، وحين رد الأخير على الاتصال، طلب منه راشد أن يرشح له ميكانيكي سيارات متنقل يكون موثوقا وماهرا ومنجزا في عمله.
لم يكن لدى سالم الجواب القاطع، فقد خشي أن يرسل «ميكانيكي» لا يبيض وجهه أمام صديقه، ما دفعه لأن يتصل بصديق ثالث له باع كبير مع أهل الميكانيكا لكثرة الأعطال التي تصيب سيارته، التي يطلق عليها الجميع اسم «البطة العرجاء».
بعد عدة اتصالات، توصل سالم للشخص المنشود، وأرسله إلى راشد، كي ينجده ويخرجه من ذاك المأزق.
وفي وقت قياسي، تمكن الميكانيكي من اكتشاف العطل وإصلاح السيارة، ما مكن راشد من اللحاق بموعده، وإنجاز الصفقة التي كانت بمثابة باب الخير له ولشركته وللعاملين فيها.
عاد راشد إلى منزله، فوجد زوجته متجهمة تطحن الغضب بين ضروسها، فاستعاد هيئة التنين وراح ينفث نارا من جوفه مرة أخرى، وأخبر زوجته أنه صادف يوما عصيبا، ولم يعد يتحمل أية أخبار سيئة، فنظرت له هي في ضيق، وقالت متأففة إن «حنفية المطبخ» أصابها الخرس منذ الصباح، ولم تنزل ولو قطرة ماء.
فكر راشد في أن يترك زوجته لأحزانها «البسيطة» ويذهب لكي يأخذ حماما باردا، كي يزيل عن جسده التعب، ثم يتوجه إلى سريره ليحصل على قسط وافر من النوم والراحل، غير أن زوجته عاجلته بخبر مزعج آخر، وهو أن «حنفية الحمام» أيضا معطلة، مثل باقي «الحنفيات» في كل أرجاء البيت.
وقتها شعر راشد أن الكون كله قد تآمر عليه، ومع ذلك قرر مواجهة المشكلة وحلها، ولأنه لا يعرف شيئا عن عالم السباكين، اتصل بصديقه سالم «حلال المشاكل»، وطلب منه أن يرشح له «سباك» ماهر ينقذه من تلك الورطة.
وكما فعل سالم في المرة الأولى، أعاد الكرة هذه المرة، وبعد أربع اتصالات تواصل إلى «السباك» المنشود، وبالفعل جاء الرجل وأصلح كل الحنفيات وعادت المياه إلى مجاريها.
في الصباح، استيقظ راشد وجلس إلى السفرة يتناول فطوره، وراح يتحدث إلى زوجته حاكيا لها ما حدث معه بالأمس من تعطل السيارة وباقي تفاصل الحكاية، فأخبرته في هدوء أن «من تأنى نال ما تمنى».
ناولت الزوجة فنجان القهوة لراشد، وهي تتحدث معه عن انتخابات مجلس الأمة التي باتت على الأبواب، وسألته مباشرة عن المرشح الذي سينتخبه..
تردد راشد للحظات، لكن عينه لمعت سريعا، كمن وجد شيئا كان يبحث عنه، فأخرج هاتفه واتصل بصديقه سالم، وطلب منه أن يساعده في اختيار «المرشح» الذي سينتخبه!
على العكس، لم يتردد سالم مطلقا، ولم يفكر أو يسأل ويستشير، كي يتوصل إلى «المرشح» المناسب ليشغل تلك المكانة الحساسة، في مجلس نيابي يفترض فيه أن يكون عونا للوطن في رحلة الوصول إلى بر الأمان، وسط عالم يموج ببعدم الاستقرار سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..
أقول لم يتردد سالم، وأخبر راشد بأن المرشح المناسب هو ابن قبيلتنا أو طائفتنا أو ذاك الذي تجمع بيننا وبينه مصالح شخصية!!
للأسف، راشد وسالم هو نماذج أراها تتكرر وبكثر ة في مجتمعنا، فنحن نكون في قمة الحرص عندما نختار ميكانيكي أو سباك لإصلاح سيارتنا أو شيئا في بيتنا.. فليتنا نكون كذلك في قمة الحرص حين نختار المرشح الذي سيمثلنا في المجلس، فالأمر أكبر من سيارة وبيت.. إنه الوطن.
وبمناسبة الحديث عن المرشحين، من المهم أن أشير إلى نوعين ممن رشحوا أنفسهم بشكل يسيء للتجربة الديمقراطية والبرلمانية الكويتية العريقة.
فهنالك من رشحوا أنفسهم للانتخابات من أجل التهريج والشو الإعلامي لا أكثر.. وبدلا من أن يدخل في إطار برنامج حقيقي ذات شكل ومضمون، استهان بالأمر وقدم نفسه مرشحا فقط كي يقال إنه مرشح.. وهو لا يعتمد على قاعدة معينة، بل فقط شو وللشهرة وكان الله بالسر عليم.
وللأسف هناك من وسائل الإعلام من ينقل هذه الشوائب، ويصدرها على السطح وتلقى رواجا على «السوشيال ميديا»، لغرض ما لا يمكن أبدا أن يكون غرضا شريفا.. بل فقط لتشويه التجربة الديمقراطية الكويتية الأصيلة.
وللأسف أيضا أن كثير من مراسلي وسائل إعلام غير كويتية، ينهجون ذات النهج ويبثون مقاطع وفيديوهات تحمل مثل هذا التهريج، على أنه جزء من التجربة الديمقراطية الكويتية.. وهذا الإعلام لا يمكن تسميته سوى بالمأجور وغير الكويتي أو الباحث عن الشو الفارغ على حساب الوطن..
استقيموا يرحمكم الله.