عيد الشرطة المصرية.. .عقود من التضحية والنضال
الشرطة المصرية ليست مجرد مؤسسة أمنية تعمل على فرض القانون وضبط الخارجين عليه، لكنها جزء لا يتجزأ من نسيج الشعب المصري الأصيل، ويتمحور دورها الأساسي حول حماية المواطنين من أية أخطار تتهددهم لضمان سلامتهم، ولتحقيق هذا الغرض دفع أبناء هذه المؤسسة الوطنية ضريبة غالية.. .لكن كما يقول المصريون «الغالي يرخصلك» يا وطن.
وعلى امتداد تاريخ مؤسسة الشرطة المصرية منذ بدايات القرن قبل الماضي، ليس هناك مثال أفضل من «معركة الإسماعيلية»، للتأكيد على قوة العلاقة والتلاحم الذي يجمع أبناء الشعب المصري مع شرطته، وذلك عندما انضم أهالي الإسماعيلية إلى رجال الداخلية، تحت راية مقاومة الاحتلال الإنجليزي آنذاك.
ولنعود إلى صباح يوم الجمعة (25 يناير عام 1952) حين استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وأن ترحل عن منطقة القناة تماما منسحبة إلى العاصمة (القاهرة).
ولأن المصري بطبعه لا يقبل الخنوع لمثل هذا الصلف أبت قوات الشرطة الانصياع للإنذار البريطاني، وهو ما أكده وزير الداخلية - في ذاك الوقت- فؤاد سراج الدين الذي طلب من رجاله الصمود عدم الاستسلام بل ومقاومة المحتل.
بالطبع لم يرض ذلك غرور القائد الإنجليزي الذي أصدر الأوامر لقواته كي تحاصر قوات شرطة المصرية، ولأكثر من ست ساعات قام سبعة آلاف جندي بريطاني بمحاصرة مبنى محافظة الإسماعيلية والثكنات التي كان يدافع عنها 850 جُنْدِيًّا فقط وكل ما لديهم مجرد بنادق بسيطة قديمة الصنع.
خلفت المعركة - غير المتكافئة - خمسين شهيدا بين صفوف الشرطة المصرية، لكن بعدما قدموا مثالا يحتذى في الكرامة والصمود، حتى أن القائد البريطاني وجد نفسه مضطرا لأداء التحية العسكرية لجثامين شهداء المصريين اعترافًا بشجاعتهم.
بعد تداول أخبار المعركة، شبت المظاهرات في مختلف ربوع مصر، ونادت الجماهير الغاضبة بضرورة بحمل السلاح ومواجهة الإنجليز، فكانت هذه المعركة بمثابة الشرارة التي أشعلت نيران الثورة المصرية.
ورغم عظمة تلك المعركة، التي باتت عيدا للشرطة يحتفل به المصريون في اليوم الخامس والعشرين من يناير سنويا، إلا أن تضحيات رجال الشرطة المصرية لم تتوقف دفعا عن أمن وأمان هذا الشعب الأبي.
وربما ليس هناك للتأكيد على ذلك، أفضل من الإشارة إلى دور الشرطة في حماية الشعب المصري من الإرهاب المقيت على امتداد السنوات العشرة الأخيرة، إذ تمثل هذا الدور في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة في القاهرة وسيناء وعدد من المحافظات.
تلك المواجهات التي أثبت فيها أبناء الشرطة المصرية أن أرواحهم فداء لوطنهم وفداء لأبناء مصر، وهذه ليست مجرد شعارات رنانة، بل حقائق أثبتتها الأيام.
ولا تقتصر تضحيات الشرطة المصرية على الشهداء الذين ارتقت أرواحهم في مواجهة الإرهاب، فالكثير منهم دفع حياته ثمنا لحماية البلاد من أخطار أخرى مثل تجارة المخدرات والسرقات والعنف ضد المواطنين الآمنين.
وها نحن على أعتاب العيد الحادي والسبعين للشرطة المصرية، فتحية لأرواح الشهداء الأبرار على امتداد التاريخ، وتحية للرجال البواسل الذين لا يألون الجهد- ليل نهار- من أجل العمل على حماية أبناء هذا الشعب من أي خطر أو اعتداء.
رحم الله شهداء الشرطة، وحفظ مصر لتبقى موطن الأمن والأمان.