مصر والهند.. من عبد الناصر إلى السيسي
تتسم العلاقات المصرية الهندية بعمقها التاريخي الضارب في الجذور، تمتد منذ زمن الزعيم المصري سعد زغلول الذي ربطته علاقة قوية بالمهاتما غاندي وعلاقة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بجواهر لال نهرو أدت لتوقيع اتفاقية صداقة بين مصر والهند عام 1955، وكان للدولتين دور متميز في مؤتمر باندونغ، وفي إنشاء وإرساء حركة عدم الانحياز.
علاقات البلدين الكبيرين لا تنطلق من التاريخ فقط بل امتدت عبر عقود متعاقبة لتصل لمحطة ثراء جديدة تجمعهما بما يعكس مكانة الدولتين الكبيرتين واللتين تمثل كل منهما ثقلا إقليميا خاصا في منطقتها، وقد ترسخت هذه العلاقات من التطلعات والتحديات المشتركة التي يواجهها البلدان.
الخطوة المصرية تجاه الهند رسخت لنقاط قوة جيدة ترتقي بعلاقاتهما لنطاق العلاقات الاستراتيجية وهو ما أكده ناريندرا مودي، بقوله إننا نهدف إلى بناء قدرات مشتركة بين البلدين فى مختلف المجالات، واتفقنا على ضرورة زيادة الاستثمار فى مختلف القطاعات ورفع حجم التجارة المتبادلة خلال الخمس سنوات القادمة، والسعي لتعزيز التعاون على صعيد البنية التحتية وتأمين سلاسل الإمداد والتوريد.
ناريندرا مودي أكد كذلك على تقدير بلاده الكبير للرئيس السيسي، ولقيادته الحكيمة التى حافظت على الأمن والاستقرار فى مصر عقب ما شهدته المنطقة من أحداث فوضى وعنف خلال ما عرف بالربيع العربى، وكذلك للنهضة التنموية غير المسبوقة التي تشهدها مصر حالياً، وهو ما يجعل الهند قيادة وشعباً تتشرف بزيارته، كضيف شرف رفيع المستوى في احتفالية قيام الجمهورية الهندية.
من أهم النتائج المبشرة للزيارة اتفاقات جرت في كافة المجالات من بينها اسيراد مصر للقمح من الهند وتصدير الغاز والبترول الخام، والسعي للارتقاء بحجم التبادل التجاري، وفتح المجال المتبادل للتعامل البيني بين البلدين بعملتيهما، وكذلك زيادة حجم التعاون على مستوى التعاون العسكري والاقتصادي والتجاري السياحي والثقافي، إلى جانب التعاون في قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإنتاج الأدوية والأمصال.
المباحثات تطرقت كذلك إلى مختلف تطورات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حيث أشاد رئيس الوزراء الهندي في هذا الصدد بالدور الإيجابي الذي تقوم به مصر في إطار العمل على التسوية السياسية لمجمل الأزمات القائمة في محيطها الإقليمي، فضلاً عن جهودها في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وإرساء مبادئ وقيم قبول الآخر وحرية الاختيار والتسامح.
وهنا نتوقف أمام التفكير المصري الهندي خارج الصندوق، ففي الوقت الذي يقف العالم على أطراف أصابعه ترقبا لتحريك الأزمة الأوكرانية نحو حرب عالمية جديدة بين زيادة حجم الإمداد العسكري الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا، وفي المقابل زيادة حجم التوعدات الروسية بعمليات عسكرية مضاعفة، ورغم كل ذلك مصر تطرق أبوابا جديدة للتعاون المشترك وبناء مستقبل واعد من الشراكة الاقتصادية والتجارية والسياسية وحتى العسكرية بين مصر والهند.
الرسالة الضمنية في هذا التحرك في هذا التوقيت نداء ضمني عالمي من دولتين كبيرتين بأن دول العالم تعاني من الآثار السلبية الكبيرة للحرب الروسية الأوكرانية، وأنه آن الأوان لتتوقف وكفى بالعالم نزيفا وألما وصناعة جراح جديدة فيما لم تندمل بقية جراحه بعد.
مصر والهند دولتان كبيرتان في ميزان قوى العالم، في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، ولذا فإن رفع مستوى العلاقات لدرجة العلاقات الاستراتيجية ومضاعفة الاستثمارات المتبادلة والتوقيع على اتفاقيات تزيد على 13 مليار دولار تجسد تعاون البلدين.