أبو الغيط: شراكة الجامعة العربية و مجلس الأمن تدعم السلم في الشرق الأوسط والعالم
أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن العلاقة بين مجلس الأمن والقضايا العربية تعود إلى زمن نشأة الأمم المتحدة ذاتها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ذات الأهمية الاستثنائية لدول الجامعة العربية. مؤكداً، غير أن العقد الماضي بالذات قد شهد، وللأسف، تفجر قضايا وملفات متعددة وشديدة التعقيد في المنطقة العربية وجدت طريقها الي مجلسكم الموقر في إطار السعي لتسويتها.
وتقدم أحمد أبو الغيط، خلال كلمته فــي جلسة مجلس الأمن رفيعة المستوى حول التعاون بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن، اليوم الخميس، بالتهنئة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على توليها رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، معبراً عن عميق التقدير للدور الذي تضطلع به بصفتها العضو العربي في المجلس.. .مشيداً بصفة خاصة بمبادرتها المقدرة بعقد هذه الجلسة للمرة الثانية تحت رئاستها من أجل تدعيم العلاقة بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن. مرحباً بالوزير خليفة شاهين المرر وزير الدولة، وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف أبو الغيط، وليس خافياً على أحد أن العالم يمر بمرحلة خطيرة. إذ اقتربنا، ولأول مرة منذ عقود، من شبح مواجهة نووية. وازدادت حدة الصراع بين القوى الكبرى بكل ما تولده من حالة من الاستقطاب، وتنامي التوترات الدولية. مع تقلصٍ في القدرة على العمل الجماعي المتضافر من أجل مواجهة التحديات المشتركة التقليدية وغير التقليدية التي تواجه البشرية، وعلى رأسها مكافحة الارهاب. والتغير المناخي، والاضطراب الناشئ عن التطورات التكنولوجية وفي مقدمتها تلك المتعلقة بتطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي دون قيود.فضلاً عن تحدي انتشار أسلحة الدمار الشامل وغيرها.
واستطرد، إن انتشار التوترات في قمة النظام الدولي يُقلل من فرص معالجة النزاعات الإقليمية، ويخصم من رصيد الاهتمام العالمي، وبخاصة في مجال المساعدات الإنسانية والإغاثية لمناطق تُعاني بالفعل من أزمات مستفحلة. إنني أناشد الجميع هنا أن تحظى كل بؤر النزاع في العالم بالاهتمام الواجب. وألا تؤثر الأزمة الأوكرانية أو غيرها، على مجمل الالتزامات الدولية، وبخاصة في الجانب الإنساني تجاه مناطق تشهد أزمات إنسانية حادة، بما في ذلك الملايين من اللاجئين والنازحين. كما الحال في منطقتنا في اليمن وسوريا والصومال والسودان.
وشدد أبو الغيط، يُعاني الفلسطينيون في الأراضي المحتلة من التأثير المزدوج لاستمرار الاحتلال، مع تصاعد القمع والعنف من جانب الحكومة الإسرائيلية. هذه الحكومة تعكس، بمواقفها وممارساتها والأيديولوجية المتطرفة التي يعتقنها بعض رموزها، انعطافاً غير مسبوق لليمين. هي حكومة اختارت الضم والاستيطان عِوضاً عن السلام. وهي تعمل كل يوم، بسياساتها وممارساتها التي تخاصم القانون الدولي على طول الخط، على تقويض أي أفق مستقبلي لحل الدولتين. مشدداً، إن أخطر ما يُعاني منه الشعب الفلسطيني اليوم هو حالة فقدان الأمل. وترسخ هذا الشعور باليأس وفقدان الثقة في قدرة المجتمع الدولي على تحريك عملية التسوية السياسية هو أمرٌ بالغ الخطورة. وقد شهدنا في الشهور الماضية تصاعداً لافتاً في منحنى العُنف. وللأسف، فإن الرغبة في إرضاء العناصر الأشد يمينية وتطرفاً في المجتمع الإسرائيلي تُحرك الحكومة الحالية على نحو لابد أن يثير قلقنا جميعاً. إن حادثاً استفزازياً واحداً، مثل ذلك الذي جرى أكثر من مرة تحت رعاية وزراء إسرائيليين قاموا بقيادة المستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى. أقول إن حادثاً استفزازياً واحداً كفيلٌ بإطلاق تفاعل متسلسل لا يعرف أحد إلى أين يُمكن أن يقود.
وقال أبو الغيط، إنني أدعو من منبركم هذا إلى إعادة الاعتبار لحل الدولتين باعتباره يُمثل السبيل الوحيد، في تقدير الجامعة العربية، وأكرر الوحيد.لتحقيق سلام مُستدام. وهو الحل الذي ارتضاه المجتمع الدولي، وبلوره في قرارات صادرة عن مجلسكم وعن الجمعية العامة. وهو أيضاً الحل الذي يقع في صلب مبادرة السلام العربية. التي لا زالت الجامعة العربية تتمسك بها، وتعتبرها المدخل الوحيد لسلام إقليمي يقوم على أساس إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وتابع أبو الغيط، يشهد السودان منذ قرابة الشهرين وضعاً غير مسبوق في تاريخه الحديث بعد أن تحولت العاصمة الخرطوم بالذات لساحة للمواجهة العسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بما أدى إلى سقوط مئات المدنيين وآلاف الجرحى، وفرار آلاف العائلات ودمار واسع لمؤسسات الدولة وبُناها التحتية ونهب لممتلكات عامة وخاصة بشكل لم يحدث من قبل
.
وأكد، إن الجامعة العربية تستشعر الخطورة البالغة التي ينطوي عليها هذا الوضع سواء على السودان أو جواره. وتتحرك الجامعة العربية بنشاط في إطار من التنسيق مع المنظمات الإقليمية الأخرى، وبالذات الاتحاد الإفريقي. لتحقيق الهدف المشترك وهو الوقف الكامل للعمليات العسكرية بما يتيح الوصول الي قدر من الاستقرار ليسمح باستعادة العمل السياسي الذي يلبي طموحات الشعب السوداني. ونضع جميعاً نصب أعيننا هدف الحفاظ على سودان موحد ومستقر من دون تهديد لوحدته الترابية، أو إضعاف لوحدة مؤسساته الوطنية.
واستطرد، يحدونا - كعرب - الأمل في أن تُمثل عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة مهمة نحو معالجة أزمتها الممتدة. ولعل تلك الخطوة تدفع بدور عربي أكثر نشاطاً وتأثيراً في تحقيق تسوية سياسية لا سبيل لمعالجة هذه الأزمة الخطيرة سوى من خلالها ووفق قرار مجلس الأمن 2254. فالحل السياسي يبقي سبيلاً أساسياً لاستعادة الاستقرار إلى سوريا وصيانة سيادتها على كامل ترابها الوطني. لقد خلفت الأزمة الممتدة في سوريا - بين جملة سلبيات كبيرة - ملايين اللاجئين والنازحين من أبناء هذا البلد.يعيش أغلبهم في ظروف صعبة بل صعبة للغاية. وصار وجودهم في بعض الدول المضيفة مشكلة ضاغطة يتعين التعامل معها وعدم اهمالها. إننا نأمل في أن تتمكن دول الجوار العربية بالذات - وبالتعاون مع الحكومة السورية - من التوصل الي هدف العودة الطوعية والكريمة للاجئين السوريين عبر توفير الظروف الملائمة لهذه العودة.. ونشدد على دور مهم للمجتمع الدولي في هذا الصدد في المرحلة القادمة.
وتابع أبو الغيط، وفي اليمن. فإن الهدنة التي تحققت، على نحو فعلي برغم إصرار جماعة الحوثي على رفض تمديدها رسمياً، قد أسهمت بالفعل في تخفيض حدة الصراع. كما أن بوادر إيجابية، مثل الإفراج المتبادل عن الأسرى، قد أسهمت في تخفيض التصعيد.غير أن الوضع في اليمن ما زال مأسوياً بعد نحو عقد كامل من الصراع الأهلي. وتعلمون أن هذا البلد يُعاني من الأزمة الإنسانية الأخطر في عالمنا اليوم. والملايين من سكانه في حاجة إلى المساعدات الإنسانية. إن الحل السياسي للأزمة يظل ممكناً، خاصة لو بُذلت ضغوط كافية على الطرف الحوثي. كما أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس الماضي يفتح أفقاً مهماً يتعين اغتنامه من أجل تحقيق تهدئة مطلوبة وربما تسوية في اليمن.
وشدد أبو الغيط، إن تعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة العربية، وبخاصة في منطقة الخليج العربي وباب المندب، يقتضي في الأساس التزاماً من كافة الأطراف بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وكذلك التزاماً بأحد المبادئ الاساسية التي يتأسس عليها النظام الدولي وميثاق هذه المنظمة العتيدة، وهو عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
وتابع، وفي ليبيا، نؤيد جهود التوصل الي مصالحة شاملة في البلاد.ونأمل أن تتجاوز كافة الأطراف العقبات التي تحول دون إجراء الاستحقاقات الانتخابية، باعتبار أن الانتخابات توفر المخرج الوحيد والحل المستدام للأزمة التي تمر بها البلاد، وما تشهده من انقسام خطير في المؤسسات. كما ونأمل أن تنعكس التطورات الإيجابية في المحيط الاقليمي لليبيا على الأوضاع فيها. وندعو المجتمع الدولي إلى الاستمرار في مواكبة الليبيين حتى يصلوا الي بر الأمان. ونحيي جهود كافة الدول العربية الساعية بصدق الي مساعدة أشقائهم الليبيين على تجاوز المأزق الحالي.
وأضاف، تؤمن الجامعة العربية بأن إشراك الشباب في جهود السلام وصنع القرار يعزز استدامة جهود السلم والتنمية ومنع نشوب النزاعات وحلها. لذلك فإن قرار مجلس الأمن (2250) يكتسب أهمية كبيرة لتوافق توجهاته مع أولويات وخصوصيات دول المنطقة العربية خاصة في ضوء الظروف الجيوسياسية الراهنة وتأثير الصراعات الممتدة في بعض الدول العربية، وبروز ظاهرة التطرف والعنف عالمياً.
واستمراراً للجهود المشتركة بين الجامعة والمجلس لدعم مشاركة المرأة العربية في مختلف مراحل تحقيق السلام. فقد أطلقت الجامعة العربية الشبكة العربية للنساء "وسيطات السلام" كمبادرة جادة وطموحة لترجمة ودعم الجهود التي تبذلها النساء في الوساطة من أجل السلام على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، ولتمكين النساء العربيات من المشاركة بخبراتهن الخاصة في الوقاية من النزاعات وتسويتها بالطرق السلمية.
وتابع أبو الغيط، إن الجامعة العربية، ورغم جسامة التحديات التي تواجه منطقتنا، تظل شريكاً فاعلاً ورئيسياً في منظومة العمل متعدد الأطراف في جهود صون السلم والأمن الدوليين. وقد تضافرت جهودنا المشتركة للتصدي لعدد من التحديات العالمية ومن بينها الأزمات الصحية، والنزاعات المسلحة، والإرهاب والتطرف العنيف، والأمن الغذائي، والأمن المائي، والتصحر، وتغير المناخ، والحد من الكوارث. وغير ذلك من التحديات الخطيرة.
وأشار أبو الغيط، الي أن العمل على هذه الجبهات المختلفة سيتطلب تطوير الأساس الإستراتيجي لاجتماعات التعاون العام، واجتماعات التعاون القطاعي التي تجرى بالتناوب بين منظمتينا.. وذلك بهدف تحسين مستوى معيشة الشعوب العربية والتخفيف من آثار هذه التحديات عليها.
وأكد، على الأهمية التي توليها الجامعة العربية للشراكة الاستراتيجية مع مجلس الأمن. إننا على يقين بأهمية التفاعل بيننا لدعم الأمن والسلم في الشرق الأوسط بأمل أن تتحول المنطقة من منطقة نزاعات وأزمات الى منطقة أمن واستقرار تتمتع شعوبها بما يستحقونه من السلام والرخاء والازدهار.