في مديح أمثالنا الشعبية
يحمل الموروث الشعبي في أي بلد خلاصة الحكمة لأجيال عركتها الحياة، وعلمتها الحكمة والحنكة، فجاءت أمثالها الشعبية مختصرة ومعبرة عن معان قد لا تستوعبها مئات السطور.
من هنا يجب علينا إعادة قراءة الموروث على مهل ودراية، كي يتهيأ لنا قراءة الحاضر واستشراف المستقبل، فلا يغم علينا الأمر، ونتعامل مع "شرار الناس" باعتبارهم من "الأخيار"، أو نتغاضى عن آخرين نظنهم سيئين وهم غير ذلك.
مثال على ذلك، ما ورد في المأثور الشعبي أنه في زمن الطوفان، عندما كان فيضان النيل يلتهم أغلب اليابسة في بر مصر، فيصب الذعر البشر والحيوانات حتى الطير في أعشاشه
في ذلك الزمن جرت قصة رواها العقل الجمعي على ألسنة الحيوانات والحشرات على طريقة "كليلة ودمنة"، حيث يقال أن عقربا حاصره الطوفان من كل مكان، وأيقن أنه هالك لا محالة، فلما رأى ضفدعا يسبح بالقرب منه، قال العقرب وهو يتوسل، ويتذلل في مهانة وخضوع:
أيها الضفدع الكريم صاحب القلب الرحيم، أنقذني فلي أولاد صغار أسعى عليهم، إنهم يتضورون جوعا، ارجوك ساعدنى كي أنجو، وسأكون خادما لك طيلة عمري.
ساعتها.. رق قلب الضفدع، فحمل العقرب على رأسه، وسبح به وهو يكابد الأمواج والمشقات حتى وصلا اليابسة بسلام.
كان الضفدع فرحا مسرورا لأنه أنقذ أحدهم من الموت، وأنقذ أولاده المزعومين من الجوع.. .في تلك اللحظة التي انتظرها الضفدع لوادع حار مع صديق سفره، شعر فجأءة بسياط النار تشتعل في رأسه، فقد قام العقرب الخائن بلدغه لحظة النجاة من حيث لا يدري ولا يحتسب.
نظر الضفدع وعليه ابتسامة ساخرة، لماذا فعلت هكذا بعد كرمي معك؟ قال العقرب: اعذرني يا صاحبي "جميلك لم يستطع أن ينسيني قلة أصلي ووضاعة أخلاقي، وسوء تربيتي".. قال الضفدع: سيأتي الطوفان مرة أخرى، وستقتلك خستك.. .من هنا جاء المثل الشعبي الحكيم: "جميلك مينسيش الخسيس قلة أصله".. .
وفي الأدب العربي، روى الأصمعي أن امرأة عجوزا، مرت بذئبة تحتضر وهي تلد، فأخذت الأعرابية الذئب الوليد، بعدما فارقت أمه الحياة، وأرضعته من شاة لها، وربته في دارها حتى شب وكبر، وظن أنه قادر على الحياة بدونها.. وذات يوم خرجت الأعرابية من الدار لقضاء مصالحها، فلما عادت وجدت أن الذئب أكل الشاة التي أرضعته، فأنشدت تقول:
بقرت شويهتي وفجعت قلبي
فمن أنباك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدب يفيد ولا أديب
هذا الموروث الشعبي والأدبي، يجب أن يجعلنا ذو فراسة وحذر في التعامل مع الناس من باب " حرص ولا تخون"، وعلينا أيضا إعادة الاعتبار لتراثنا ففيه العبر والمواعظ لكن أكثر الناس لايفقهون.
للمزيد: موقع خليجيون نيوز، للتواصل الاجتماعي تابعنا على خليجيون