فرنسا وانقلابات أفريقيا.. محرك الدمى لا يمكنه إخفاء أصابعه
دور فرنسا في الانقلابات في أفريقيا - خصوصا المنطقة الغربية - يعد موضوعًا مثيرًا للجدل ويستحق دراسة وتحليلًا معمقًا. ففي وجهة نظري يمكن القول إن باريس تحمل جزءًا كبيرا من المسئولية عن الاضطرابات السياسية والانقلابات التي شهدتها هذه الدول مثلما حدث في النيجر والجابون ومن قبلهما تشاد وبوركينا فاسو، وذلك بسبب التاريخ الاستعماري الفرنسي والعلاقات الثنائية المعقدة بين الدولة الأوروبية وبلدانها السابقة في القارة السمراء.
فتاريخيا.. وبعد اكتساب الاستقلال، استمرت فرنسا في ممارسة تأثيرها السياسي والاقتصادي في عدد من الدول الأفريقية التي كانت تحت سيطرتها الاستعمارية. واستخدمت باريس بعض الإستراتيجيات القمعية والتدخل العسكري للحفاظ على القادة الموالين لها في السلطة، وهو ما أثار استياء الشعوب المحلية وزاد من حدة الاضطرابات السياسية في تلك الدول.. إذ كان الوضع أشبه بمحرك دمى، وبينما يقسم أن لا دخل له بالأمر، كان الجميع يرون يديه بوضوح وهي تحرك العرائس على المسرح.
تتمثل إحدى الوسائل التي تستخدمها فرنسا للحفاظ على تأثيرها السياسي والاقتصادي في العملة المستخدمة في بعض الدول الأفريقية، وهي الفرنك الأفريقي، الذي لا يزال مرتبطًا باليورو وضمان من فرنسا. هذا يعني أن السياسة النقدية والاقتصادية لتلك الدول ما زالت تتحكم فيها فرنسا، مما يؤثر سلبًا على استقلاليتها الاقتصادية وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة.
بالإضافة إلى ذلك، وقّعت فرنسا اتفاقيات عسكرية مع الدول الأفريقية، واستغلتها للتدخل العسكري في تلك الدول لحماية مصالحها والحفاظ على النظام السياسي القائم، حتى إن كان ذلك يعني إبقاء قادة لا يحظون بتأييد شعبي واسع. هذا التدخل العسكري يثير الغضب والاحتجاجات في الشارع الأفريقي، حيث ينظر إليه على أنه امتداد للاستعمار وانتهاك للسيادة الوطنية.
يجب أيضًا أن نذكر أن هناك سياسات اقتصادية استغلالية تنتهجها فرنسا تجاه بعض الدول الأفريقية، حيث تستمر في نهب ثروات تلك الدول واستخدامها لصالحها الخاص، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة الاقتصادية. وتتجلى هذه السياسات في استخراج الموارد الطبيعية بشكل غير عادل وفي توجيه الاستثمارات بطرق تخدم مصالح الشركات الفرنسية على حساب التنمية المستدامة لتلك الدول.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات، يجب الاعتراف أيضًا بأن هناك تحديات داخلية تواجه الدول الأفريقية، مثل الفساد وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، والتي تلعب دورًا في حدوث الاضطرابات والانقلابات. إن الوضع المعقد في تلك الدول يجعلها عرضة للتدخل الخارجي وتأثيرات القوى الإقليمية والدولية.
لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في أفريقيا، يجب أن تتبنى فرنسا والدول الأفريقية سياسات تعزز الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، وتعمل على تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية. يجب أن تكون العلاقات الثنائية بين فرنسا وأفريقيا علاقات تعاون متبادل يراعى فيها مصلحة الشعوب وتطلعاتها، وليس تعاقبًا على السلطة واستغلالًا للثروات.
الحل الأمثل يكمن في بناء شراكات مستدامة ومتوازنة بين فرنسا وأفريقيا، ترتكز على احترام سيادة الدول وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي. يجب تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل وتشجيع الاستثمارات القائمة على المصالح المشتركة وتنمية البنية التحتية وتعزيز القدرات المحلية.
على الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها الدول الأفريقية بعد استقلالها، إلا أن هناك بعض النماذج الإيجابية للتقدم والتطور في مجالات مختلفة، ويعود ذلك لقدرتها على التحرر الفعلي من نير الاستعمار.
وعلى سبيل المثال، تعد بوتسوانا واحدة من الدول الأفريقية التي نجحت بعد استقلالها في تحقيق نمو اقتصادي قوي وتنمية مستدامة. استطاعت تحويل ثرواتها الطبيعية، مثل الماس والنحاس، إلى تنمية اقتصادية شاملة وتنويع مصادر الدخل. وقد تم توجيه الاستثمارات في التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، مما أدى إلى تحسين مستوى المعيشة والتنمية البشرية.
كذلك تعتبر رواندا نموذجًا ناجحًا في تحقيق التنمية المستدامة من خلال التركيز على التعليم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تم إجراء استثمارات كبيرة في تحسين البنية التحتية الرقمية وتعليم الكمبيوتر، مما ساهم في تعزيز الابتكار وتنمية القدرات التكنولوجية. كما تم تنفيذ سياسات لتعزيز المشاركة السياسية والتمكين الاقتصادي للمرأة.
أما موريشيوس فتعد نموذجًا ناجحًا في تحقيق التنمية المستدامة في قطاع الخدمات المالية والسياحة. استطاعت البلاد تنويع اقتصادها والاستفادة من موقعها الجغرافي كمركز مالي وسياحي. وقد تم توجيه الاستثمارات في تطوير البنية التحتية وتعزيز الجودة والتنوع في الخدمات المالية، مما جذب المستثمرين والسياح.