تحولات كبيرة في فنون الكتابة والنشر بالمملكة.. والرواية السعودية تقفز إلى 1982 عملًا خلال عشرين عامًا
شهدت الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية على مدى تسعة عقود، تحولات كبيرة في جميع فنون الكتابة والنشر، وعلى الرغم من تأخر الإقبال على كتابة الرواية مقارنةً بالشعر والمقالة، منذ صدور أول عمل صنفه معظم النقاد في خانة الرواية عام 1930م تحت عنوان " التوأمان " لعبد القدوس الأنصاري، إلا أن الإنتاج الروائي السعودي شهد قفزات كبيرة في الكم والجودة الفنية منذ مطلع الثمانينات الميلادية بظهور إصدارات روائية تتوفر فيها مقومات الرواية الحديثة حيث رصد الدكتور سلطان بن سعد القحطاني في كتابه " الرواية في المملكة العربية السعودية " الصادر عام 2009 حوالي 17 عملًا روائيًا خلال الفترة من 1980 إلى 1988 م.
لكن الطفرة الحقيقية في الرواية السعودية بدأت منذ عام 2000 م وحتى يومنا هذا، وذلك بسبب انتشار الكتب الإبداعية وتوافر الترجمات عن اللغات العالمية التي وفرتها معارض الكتب المحلية والعربية وفي مقدمتها معرض الرياض الدولي للكتاب.
وفي معظم ثقافات وفنون العالم تعد الرواية مصدرًا مهما لفهم تاريخ وعادات وتقاليد ومشكلات المجتمعات الإنسانية، بل إن بعض الروايات العالمية مازالت مصدرًا توثيقيًا لأحداث مفصلية شهدتها البشرية، حيث أعلن المؤتمر العام لمنظمة "اليونسكو" في دورته الحادية والأربعين لعام 2021 اعتماد " الأسبوع العالمي للرواية " الذي يبدأ في 13 أكتوبر من كل عام ويستمر لمدة 7 أيام.
وبحسب " اليونسكو " فإن هذا الأسبوع يهدف إلى " تقدير الأدب كشكل من أشكال التعبير عن الإبداع الإنساني، وتعزيز إسهامات الروائيين والشعراء وكتَّاب المسرح، ونقاد الأدب والناشرين في التفاعل بين الثقافات.
ويرصد الباحث والأديب السعودي خالد بن أحمد اليوسف تصاعد الإنتاج الروائي السعودي خلال العقدين الأخيرين، مشيرًا إلى أنه قفز من 30 رواية عام 2004 م نُشرت لـ "22 روائيا" و"8 روائيات" إلى 208 روايات في عام 2022 نُشرت لـ"99" روائيا سعوديا و "109" روايات لروائيات سعوديات، وذلك بنسبة تزايد وصلت إلى 590% خلال عشرين عامًا.
ويعلق اليوسف على الأرقام قائلا: "تعد كتابة الرواية ونشرها من أقوى ملامح حركة التأليف والنشر الأدبي في المملكة العربية السعودية، ولفتت الأنظار كمًّا وكيفًا، وانتشارًا ومتابعة، واحتلت الصدارة في مواقع ثقافية وإعلامية وأكاديمية، محليًّا وعربيًّا وعالميًا من خلال الترجمة التي بدأت تؤتي ثمارها ".
وأضاف: "تصاعدَ نشر الرواية السعودية، حتى وصل إلى أرقام مبهجة، حيث يقدر بـ(1982 رواية خلال 19 عاما) وهذا إنتاج كبير يفوق دولًا كثيرة، وتهافتُ الناشرين العرب عليها يشهد بذلك. واللافت أن المرأة السعودية ما زالت تسير في منافسة للرجل في كتابتها ونشرها، كما هي في الأعوام السابقة، وهو الذي سبقها في الكتابة والنشر بسنين طويلة، وقد تجاوزته في عام 2022 بعشر روايات.
وتحظى الروايات المميزة فنيًا وإبداعيًا، ببحوث ودراسات متتالية في الجامعات، كرسائل جامعية، أو بحوث ترقية لأعضاء هيئة التدريس، وفي الدوريات المتخصصة بالأدب العربي عامة، وقد تجاوز عدد الكتب التي تخصصت بدراسة الرواية السعودية، أو دخلت ضمن مادته في كتب عربية، قرابة 300 كتاب نقدي خلال السنوات العشر الماضية.
وفي كتابه النقدي عن "أنماط التجريب في الرواية السعودية - الصادر خلال هذا العام 2023 عن دار أدب ـ يتتبع الدكتور عبد الله العقيبي مظاهر التجريب في عدد من الروايات السعودية الحديثة، مبينًا أن الرواية السعودية خاضت غمار التجريب الروائي حيث بدأت إصلاحية، يكتنفها الخطاب الوعظي والإرشادي، ثم في مرحلة لاحقة نحت منحى الموضوعي والاجتماعي.
ولم تبتعد الرواية السعودية كثيرا عن مناقشة قضايا المجتمع وإبراز تنوعه الثقافي وثراء تاريخه ومنجزاته، ويؤكد الدكتور سلطان القحطاني في كتابه السالف الذكر، أن معظم الروايات عند الجيل الأول " تهتم بالتحول السريع نحو التعليم والتثقيف، والانقسام الثنائي بين الشرق والغرب، وتحمل رسالة إلى المتلقي، بصرف النظر عن فنيتها، وفي الجيل الثاني نجد الرواية الفنية تدخل مجال الرواية السعودية، وتحمل في مضمونها رسالة النقد للشأن الاجتماعي، من حيث تحول المجتمع من الريف إلى المدينة وتعليم المرأة مثلا، فكانت في مجملها تحمل سمات التغيير الاجتماعي ".
ومع تنامي الإقبال على الإنتاج الروائي السعودي، عمدت بعض الجهات الحكومية المهتمة بتاريخ وثقافة المملكة مثل دارة الملك عبد العزيز إلى إطلاق مبادرات ثقافية لكتابة وإصدار روايات تدور أحداثها في حقب متعددة من تاريخ المملكة، ومن أبرزها مبادرة " تاريخنا قصة " التي تهدف إلى إنتاج أعمال روائية تتناول جوانب مختلفة من القصص الاجتماعية والتحولات التاريخية التي شهدتها أرض المملكة سواءً في العصور القديمة أو المرحلة الحديثة.