تحقيقات «خليجيون»| يستحيل إخفاء «حماس».. من سيحكم غزة بعد الحرب؟
بالتزامن مع توحش الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، تدور معارك سياسية ونقاشية أخرى حول من سيحكم القطاع الفلسطيني في النهاية، في وقت تتسع فيه دائرة احتمالات ونقاشات خبراء في الشأن الفلسطيني.
خطة السلطة لإدارة القطاع من جديد
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد آشتية، في وقت سابق، أن السلطة الفلسطينية تعمل مع مسؤولين أميركيين على خطة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وفق «بلومبرغ».
وقال آشتية من مقره في رام الله، في مقابلة مع الوكالة الخميس الماضي، إن النتيجة المفضلة للصراع هو أن تصبح حركة حماس، التي تدير القطاع حاليًا شريكًا «أصغر» لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يساعد على تأسيس دولة مستقلة جديدة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
وأوضح آشتية أنه سيكون هناك مجال للمحادثات إذا كانت حماس مستعدة للتوصل لاتفاق وقبول المنهج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين يجب ألا يكونوا منقسمين، وإلى أن هدف إسرائيل المتمثل في القضاء الكامل على حماس غير واقعي.
تصريح آشتية عن حماس يراه الدكتور أيمن الرقب المحلل السياسي الفلسطيني «خطأ كبير يجب تصحيحه»، مضيفًا في تصريح خاص لـ«خليجيون» أن آشتية «لم يكن موفق بالمرة، لأن من يحدد أحجام الأحزاب هي الديمقراطية والانتخابات»، مشيرًا أن رئيس الوزراء الفلسطيني قال ذلك رضوخًا للضغط الأميركي وعليه أن «يتراجع عن تصريحاته».
«الرقب»: الحديث عن سيناريوهات ما بعد الحرب لا يزال مبكرًا.. وآشتية رضخ للضغط الأميركي
يرى «الرقب» أن الحديث عن سيناريوهات ما بعد الحرب لا يزال مبكرًا، وأن كل من تناول سيناريو ما بعد وقف إطلاق النار تعجِّل، و«كأن الاحتلال قد تمكن من غزة، وبدأ الحديث عن ما بعد حماس».
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس بعد أن نفذت هجومًا على بلدات إسرائيلية في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز نحو 240، وفقًا لإحصاءات إسرائيلية. لكن الاحتلال شن أعنف هجمات حربية على المدنيين في قطاع غزة أسفر عن قرابة 18 ألف شهيد فلسطيني حتى الآن.
«هناك وفد أميركي وصل تل أبيب ورام الله والتقي أبو مازن وتحدثوا عن عودة السلطة الفلسطينية لغزة، وتجديد الحالة الفلسطينية وتجديد الشرعيات الفلسطينية من انتخاب رئيس وبرلمان»، حسب خبير الشأن الفلسطيني.
تحركات دولية وعربية لحسم مصير غزة
يناقش المسؤولون الأميركيون خطط حكم غزة بعد الحرب مع السلطة الفلسطينية، جنبًا إلى جنب مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، مما يجعلها محور اهتمام رئيسي في محاولتهم النظر إلى ما هو أبعد من الصراع المباشر.
واجتمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بعد ظهر الجمعة، مسؤولين من المملكة العربية السعودية وقطر والأردن والسلطة الفلسطينية إضافة إلى تركيا، لمناقشة الأوضاع في غزة.
يقول أيمن الرقب إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس انزعج من فكرة «تجديد الشرعيات والانتخابات الفلسطينية»، وفق تسريبات خرجت من مكتبه.
الاعتراف بدولة الاحتلال
ويرى المحلل السياسي أن رئيس الوزراء الفلسطيني ارتكب خطأ آخر حينما طالب أن تصيح حماس جزءًا من حركة التحرير الفلسطينية ما يعني الاعتراف بإسرائيل، في وقت لا تعترف دولة الاحتلال نفسها بوطن لفلسطين أو فكرة قيام دولة في المستقبل، خاصة مع تزايد نبرة التطرف لدى الإسرائيليين.
إدارة مصرية للقطاع
في مرحلة سابقة طُرح سيناريو إدارة مصر لقطاع غزة، سواء بشكل دائم أو مؤقت وعلى حسب الطريقة التي يتفق عليها الجميع، لكن مصر رفضت هذا السيناريو، وهو ما ثمنه الخبير الفلسطيني. كما طرحت وفق الرقب فكرة تولي المجتمع الدولي إدارة القطاع بعد الحرب، وجرى رفضها.
الاقتراح الأكثر منطقية الذي يراه أيمن الرقب هو عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بشروط، وأولها أن تكون عودة بمشروع سياسي وغير ذلك سيكون «فعل انتحار»، حيث سيتم تخوين السلطة، واعتبارها «جاءت على أسنة الرماح الإسرائيلية»، و«السلطة لن تقبل بالعرض»، وهي فكرة غير قابلة للتنفيذ بدون مشروع سياسي.
ولفت الرقب إلى خطأ كبير، وهو أن الجميع يتحدث وكأنه جرى القضاء على حماس، في حين تستمر المعارك محتدمة، على الرغم من أن الولايات المتحدة يبدو أنها حددت سقفًا زمنيًا لجيش الاحتلال لإنهاء العدوان.
«كل قائد في حماس مصيره الموت وهدفنا ألا يكونوا قادرين على حكم غزة»، هكذا يرى المتحدث باسم حكومة الاحتلال الإسرائيلية إيلون ليفي مصير المقاومة الإسلامية بعد الانتهاء من الحرب.
في المقابل يشدد المحلل السياسي الفلسطيني أيمن الرقب على أن «حماس لا يمكن أن تكون خارج أي حلول، وبالعكس لابد أن تكون الحركة جزءا من الحل وليس خارجه وقد يُطلب منها دمج أجهزتها المسلحة ضمن الحالة الفلسطينية بشكل أو بآخر مثل تفكيك الصواريخ بعيدة المدى وهكذا».
طرد مقاتلي حماس للخارج
واستبعد الخبير السياسي فكرة طرد أو إبعاد مئات من مقاتلي القسَّام خارج البلاد، وقال: «هذا حل غير منطقي، ولن يحدث وسترفضه حماس، ولن يتكرر ما حدث في جنوب لبنان». يضيف الرقب: «في النهاية إسرائيل ستدخل في مفاوضات لهدنة بعد مقتل أحد الجنود خلال محاولات تحريره والهُدن تبرد الحرب».
رئيس الحكومة الفلسطينية يدلل على انسداد أفق الحل بقوله: «للأسف، لا يوجد شريك على الجانب الآخر.. انظروا إلى ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - لا عودة إلى السلطة الفلسطينية، ولا حل الدولتين. ماذا يعني هذا؟ يريد نتنياهو استمرار الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية. هذا غير مقبول».
إدارة ثلاثية للقطاع
وتداولت دوائر صنع القرار حول العالم أطروحات لما بعد انتهاء الصراع، لكن أغلبها يبقي بعيدا عما يحدث على الأرض، ومن بينها معهد واشنطن للسياسات، الذي تصدَّر مبكرًا لبلورة وضع دائم لغزة بعد وقف إطلاق النار، كما يقول الدكتور عبد المهدي بيومي الخبير في الشأن الفلسطيني.
وأشار «بيومي»، في تصريح خاص لـ«خليجيون»، إلى أن رؤية المعهد الأميركي كانت تحمل رؤية تخدم إسرائيل وتتحدث عن إدارة ثلاثية الأفرع (قسم منها مدنيًا وآخر شرطيًا والأخير إعادة البناء)، ويقوم الحل المقترح على إدارة القطاع بواسطة عدد من الشخصيات العامة تكون (حكومة غزة)، بدون خلفية ثلاثية.
أما القوة الشرطية تكون عناصرها من الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل دون مصر والأردن. وبخصوص شق الإعمار «فسوف تتولي الدول التي قامت بالتطبيع أيضًا مع الكيان بتمويل صندوق إعادة البناء، وبالطبع هذا السيناريو مرفوض بشكل قاطع من ناحية الفلسطينيين وحتى على المستوى العربي، لأنه يريد فصل قطاع غزة وفصله من المنظومة الفلسطينية ويحقق هدف نتنياهو بعدم إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية»، وفق الخبير الفلسطيني.
حل توافقي هو الأنسب
الحل الأخير الأقرب للتنفيذ والمتفق عليه عربيًا، كما يراه «بيومي»، هو أن تكون غزة تحت حكم السلطة الفلسطينية مع توحيد الفصائل مثل حماس والجهاد بعد إعادة ترتيب وضعها دوليًا، من أجل أن تقود القطاع لمدة سنتين قبل إجراء الانتخابات، وهذا سيناريو رفضه نتنياهو حتي لا تتوحد الدولة الفلسطينية.
ولفت المحلل الفلسطيني لمقترح أوروبي لم يُطرح، جرت مناقشته بشكل مغلق وقدمته ألمانيا عن (إدارة دولية مؤقتة للقطاع)، وهو حل غير منطقي وغير مضمون من أن يتحول لحل دائم يشبه الاحتلال.
أما رؤية الجانب الأميركي في مسألة مصير غزة، تتوأم مع رؤية مصر والأردن بأن تكون غزة تحت حكم السلطة الفلسطينية مع إدارة متجددة، بمعني إجراء انتخابات ودمج حماس، حينما تتحول إلى حزب سياسي.
كما يسلط «بيومي» الضوء على فشل سيناريو (سلطة جديدة وإسرائيل جديدة وحماس جديدة)، لافتا أنه غير مقبول بالمرة من الجانب الفلسطيني. لكنه يرى في النهاية أن السيناريو الذي جرى الاتفاق عليه فلسطينيًا وعربيًا أن يتم حسم مصير القطاع في إطار حل سياسي شامل يبدأ بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وعقد مؤتمر دولي، وليس قطاع غزة فقط، لأن الحديث يجب أن يكون على إنهاء الاحتلال وحل القضية بشكل كامل وليس حديثا عن سلطة في غزة فقط.
تعنت نتنياهو
منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، كرر نتنياهو في عدة مناسبات رفضه تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس في الضفة الغربية المحتلة، بحجة أنها «تدعم وتمول الإرهاب».
والثلاثاء الماضي، نقل موقع «124 نيوز» الإسرائيلي عن هيئة البث الإسرائيلية «كان»، أن نتنياهو أخبر نواب في الكنيست (البرلمان) ومسؤولين أميركيين قبل أيام، بأنه «لن تكون هناك سلطة فلسطينية في غزة».
اقتراح السيسي
في 24 نوفمبر الماضي، صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن «الدولة الفلسطينية المستقبلية يمكن أن تكون منزوعة السلاح، مع وجود قوات أمن دولية مؤقتة لتحقيق الأمن لها ولإسرائيل».
وأضاف السيسي، خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة، مع رئيسي الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والبلجيكي ألكسندر دي كرو، أن القوات الدولية يمكن أن تكون من حلف «الناتو» أو الأمم المتحدة أو قوات عربية وأميركية، موضحا أن «الحل السياسي، الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لا يزال بعيد المنال».
بعد ذلك بيوم، صرحت وزارة الخارجية الإسرائيلية برفض إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، أما نتنياهو فأعلن مساء الثلاثاء 5 ديسمبر الجاري في مؤتمر صحفي، أن غزة ستكون منزوعة السلاح، لكنه رفض وجود قوة دولية فيها.
حكومة موحدة معاكسة لرغبة الاحتلال
وقال مسؤولون أميركيون إنهم يتصورون، في نهاية المطاف، أن تخضع كل من غزة والضفة الغربية لحكومة موحدة تقودها سلطة فلسطينية «بعد إعادة تنشيطها».
وكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي رفض في البداية فكرة حكم السلطة لغزة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي، غيَّر موقفه. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة كثيرة حول «اليوم التالي» لغزة بمجرد انتهاء الحرب.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مات ميلر، أن الولايات المتحدة تدرك أنه سيكون هناك «فترة انتقالية»، حيث تظل القوات الإسرائيلية في غزة بعد انتهاء العمليات القتالية، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الفترة دائمة.
وقال دبلوماسي غربي لشبكة «CNN»، إن وفدا عربيا أوضح في محادثات سابقة مع الجانب الغربي أنه غير متحمس بشأن المشاركة في قوة دولية لتحقيق الأمن في غزة بعد الحربـ، مشددين على أنه «إذا أراد العالم أن تلعب الدول العربية دورًا في إعادة الإعمار ودعم السلطة الفلسطينية، فيجب أن يكون هناك طريق نحو إقامة دولة فلسطينية».
وتحدث مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، عن بعض القلق داخل إدارة بايدن بشكل خاص بشأن إحجام «الحلفاء العرب» عن لعب أي دور في قوة حفظ سلام دولية بعد الحرب، لأنهم كانوا من بين أعلى الأصوات في إدانة هجوم إسرائيل على غزة.
وذكر أحد السفراء العرب لشبكة «CNN» أن بلاده «لن تقوم على الإطلاق» بنشر أيِّ من قواتها في غزة بعد الحرب، وأن جزءًا من ذلك يرجع إلى أن الدول العربية لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تُخضع الفلسطينيين.
حل الدولتين
ودعت إدارة جو بايدن باستمرار إلى حل الدولتين، وفي الشهر الماضي، عرض بلينكن شروط الإدارة لتحقيق «السلام والأمن الدائمين» في غزة بعد الحرب، والتي لا تشمل إعادة الاحتلال الإسرائيلي، أو تقليص مساحة غزة. وعلى هذا الأساس، تعارض الولايات المتحدة إنشاء منطقة آمنة عازلة إسرائيلية داخل غزة بعد الحرب.
كما أثارت كامالا هاريس نائب الرئيس الأميركي، موضوع غزة بعد الصراع، خلال اجتماعات ومكالمات متعددة مع القادة العرب، نهاية الأسبوع الماضي، عندما كانت في دبي. وقالت للصحفيين إنها شاركت التوقعات التي ستكون لدى الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالتخطيط لمرحلة ما بعد الصراع.
وقالت هاريس: «على وجه التحديد، اقترحت 3 مجالات للتركيز عليها»، مشيرة إلى إعادة إعمار البنية التحتية في غزة، وتعزيز أمن السلطة الفلسطينية، وتنشيط حكمها. وكررت هاريس أيضًا أن حل الدولتين هو أفضل طريق للمضي قدمًا.
وذكر مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لشبكة «CNN»، أن الخلاف الواضح بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الدور المستقبلي للسلطة الفلسطينية مُبالغ فيه. وتوافق واشنطن على أن «السلطة الفلسطينية في وضعها الحالي الضعيف من غير المرجح أن تكون قادرة على حكم غزة، ولكن السلطة الفلسطينية المُعاد تنشيطها - بما في ذلك احتمال وجود قيادة جديدة بالكامل ــ هي حل معقول».