لماذا يثير نزوح الفلسطينيين في حرب غزة قلق العرب والأمم المتحدة؟
أثارت أوامر سلطات الاحتلال الإسرائيلي لسكان غزة بالتوجه جنوبا نحو الحدود المصرية أثناء عدوانها والأوضاع الإنسانية المتردية مخاوف العرب والأمم المتحدة من احتمال إجبار الفلسطينيين في نهاية المطاف على عبور الحدود.
ويزعم الاحتلال الإسرائيلي عدم امتلاكه أي خطط لتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق هدفها المزعوم بتدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر. وتدعي إنها طلبت من سكان غزة التحرك حفاظا على سلامتهم، وفق وكالة «رويترز»..
ماذا وراء المخاوف؟
لطالما شعر الفلسطينيون بذكريات النكبة تطاردهم وتحيطهم بأشباح طرد 700 ألف من منازلهم مع نكبة عام 1948. فقد لجأ كثيرون منهم إلى الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن وسوريا ولبنان، وما زال كثيرون منهم أو أحفادهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في هذه الدول وبعضهم ذهب إلى غزة.
وشهد الصراع في الآونة الأخيرة عدوانا إسرائيليا غير مسبوق وهجوما بريا في غزة، مما أدى إلى تدمير المناطق الحضرية في جميع أنحاء القطاع. ويقول فلسطينيون ومسؤولو الأمم المتحدة إنه لم تعد هناك أي مناطق آمنة داخل غزة يمكن اتخاذها مأوى.
ماذا حدث خلال هذا الصراع؟
قبل شن الاحتلال عدوانه البري على غزة، طلبت في البداية من الفلسطينيين في شمال غزة الانتقال إلى ما قالت إنها مناطق آمنة في الجنوب. ومع توسع الهجوم، طلبت منهم إسرائيل التوجه جنوبا نحو رفح، الواقعة بجوار مصر، الدولة الوحيدة غير إسرائيل التي تشترك في حدود مع القطاع الذي يبلغ طوله 40 كيلومترا فقط وعرضه بضعة كيلومترات.
وجاء في بيانات لتقديرات الأمم المتحدة أن نحو 85% من 2.3 مليون نسمة يقطنون قطاع غزة، الذي يعد واحدا من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، نزحوا بالفعل من منازلهم وهم الآن مكدسون في منطقة أصغر حجما بالقرب من الحدود.
ماذا حدث في السابق على حدود غزة؟
لم تقع حرب بهذه الضراوة في غزة من قبل، لكن في الجولات العدوانية الإسرائيلية على غزة في السنوات القليلة الماضية، لم يحدث فرار جماعي من غزة عبر الحدود.لكن وقعت حوادث جرى فيها اختراق حدود غزة مع مصر، على الرغم من أن عدد العابرين كان بالمئات أو الآلاف، ولم يكن هؤلاء الأشخاص يبحثون عن مأوى أو يريدون البقاء.
وفي أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005، اخترق الفلسطينيون السياج، وتسلق بعضهم مستخدمين الحبال. وفي أحد الأماكن، نفذ مسلحون فلسطينيون عملية ارتطام بحاجز خرساني لإحداث فجوة.
واخترقت حماس الحدود مرة أخرى عام 2008، متحدية الحصار الذي فرضته إسرائيل فيما تشدد مصر الإجراءات على الحدود بعد أن انتزعت الحركة السيطرة على قطاع غزة عام 2007 من السلطة الفلسطينية. وظلت الحدود مخترقة لمدة عشرة أيام تقريبا قبل أن تعيد مصر إغلاقها.
هل يمكن حدوث نزوح كبير في هذا الصراع؟
يقول كثير من الفلسطينيين داخل غزة إنهم لن يغادروا حتى لو أُتيحت لهم الفرصة، لأنهم يخشون أن يؤدي ذلك إلى نزوح دائم آخر في تكرار لما حدث في عام 1948. وفي الوقت نفسه، ظلت مصر تحكم إغلاق حدودها باستثناء السماح لبضعة آلاف من الأجانب ومزدوجي الجنسية وعدد قليل آخر بمغادرة قطاع غزة.
وتعارض مصر ودول عربية أخرى بشدة أي محاولة لدفع الفلسطينيين عبر الحدود.وتفوق نطاق هذا الصراع على أزمات وانتفاضات غزة الأخرى في العقود الماضية، وتتفاقم الكارثة الإنسانية للفلسطينيين يوما بعد آخر، مما يتركهم بغير ما يكفي من الغذاء أو الماء، في حين ما زال عدد قليل من المستشفيات يعمل.
ماذا تقول الدول العربية والأمم المتحدة؟
منذ الأيام الأولى للصراع، قالت الحكومات العربية، لا سيما مصر والأردن، جارتا إسرائيل، إنه يتعين ألا يُجبر الفلسطينيون على النزوح من الأراضي التي يريدون إقامة دولتهم عليها في المستقبل. وتخشى هذه الدول، مثل الفلسطينيين، أن تؤدي أي حركة جماعية عبر الحدود إلى تقويض احتمالات التوصل إلى «حل الدولتين» وترك الدول العربية تتعامل مع العواقب.
ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، ضم كبار مسؤولي الأمم المتحدة أصواتهم إلى المخاوف بشأن حدوث نزوح جماعي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يوم الأحد «أتوقع أن ينهار النظام العام تماما قريبا، وقد تتكشف فصول هذا في وضع أسوأ يتضمن الأوبئة وزيادة الضغط من أجل نزوح جماعي إلى مصر».
وكتب فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يقول في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» يوم السبت «التطورات التي نشهدها تشير إلى محاولات نقل الفلسطينيين إلى مصر، بغض النظر عما إذا كانوا سيقيمون هناك أو سيتم إعادة توطينهم في مكان آخر».
ماذا قالت حكومة الاحتلال الإسرائيلي وساستها؟
تزعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي إنها تطلب فقط من الفلسطينيين مغادرة منازلهم مؤقتا حفاظا على سلامتهم، لكن تعليقات بعض الساسة الإسرائيليين، وبعضهم مقربون من الحكومة، تثير مخاوف الفلسطينيين والعرب من نكبة جديدة.
فردا على سؤال حول هجوم جيش الاحتلال الإسرائيلي وتهجير سكان غزة، قال وزير الزراعة وتطوير القرية الإسرائيلي آفي ديختر للقناة 12 الإسرائيلية في 11 نوفمبر «هذه هي نكبة غزة، ومن الناحية العملية لا توجد طريقة لإدارة الحرب بالطريقة التي يريدها الجيش الإسرائيلي داخل أراضي غزة والحشود بين الدبابات والجنود».
وديختر عضو في حزب ليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو أيضا وزير في المجلس الوزاري المصغر.
وبعد أن قال وزير الخارجية الأردني وشؤون المغتربين أيمن الصفدي يوم الأحد إن الهجوم الإسرائيلي «مجهود ممنهج لإفراغ قطاع غزة من سكانه»، وصف المتحدث باسم حكومة الاحتلال الإسرائيلي إيلون ليفي تلك التعليقات بأنها «اتهامات سافرة وكاذبة».