السعودية تقتحم نتفليكس بـ«ناقة».. صفحات مطوية لا تعرفها من أرشيف السينما الخليجية
يتصدر الفيلم السعودي «ناقة» قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة على منصة نتفليكس، بعد طرحه بساعات قليلة، فيما اعتبره نقاد محطة مهمة في تاريخ السينما الخليجية الذي انقطع لعقود.
الفيلم من تأليف وإخراج مشعل الجاسر، ويشارك في بطولته أضواء بدر، يزيد المجيول، جبران الجبران، أمل الحربي. و«ناقة» هو العمل الذي عُرض مؤخرًا ضمن قسم روائع عربية، بالدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
ويقول نقاد إن تصدر الفيلم قائمة نتفليكس السعودية هو مؤشر على خطوات متقدمة أحرزها الإنتاج السينمائي السعودي في الآونة الأخيرة، إذ شهدت السنوات الأخيرة ازدهارًا كبيرًا في صناعة السينما السعودية، بدعم حكومي.
«خليجيون» تستعرض في هذه السطور بعضا من تاريخ السينما السعودية، وملامح مستقبلها الذي يتصاعد.
البداية في الخمسينات
في عام 2017، أعادت المملكة السماح بالسينما، مما أعطى دفعة قوية للفن السابع في الخليج العربي، لكن السينما بدأت في الخليج العربي منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لكنها لم تزدهر بسبب قلة السكان وضعف البنية التحتية. وفي المملكة العربية السعودية، كانت السينما حاضرة منذ بداية الخمسينيات أيضًا، لكنها توقفت في السبعينيات.
وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت السينما السعودية نموًا ملحوظًا، حيث تم إنتاج عدد من الأفلام الروائية الطويلة الناجحة، كما تم افتتاح العديد من دور العرض السينمائية الجديدة.
ويقول المخرج البحريني، بسام محمد الذوادي، حسب مقال نشره موقع «قافلة»، إنه «كان للوجود البريطاني دور كبير للغاية في تقديم هذه الصناعة إلى أبناء المنطقة. الأمر الذي أتاح لهم تسجيل شيء من تاريخهم المعاصر على بكرات».
ويوضح: «تحمَّلت شركات النفط البريطانية على عاتقها هذه المهمة التي قدَّمت أيضاً أوجه النشاط الإنجليزية وأخبار العالم في ذلك الوقت، إضافة إلى ما كانت تصوره محلياً. وأعطى الجمهور لتلك الأفلام دور (المتحدث الرسمي) حتى الستينيات وأوائل السبعينيات، عندما نالت تلك الدول الخليجية استقلالها، تم إنشاء وحدات تصوير خاصة، مما أدى إلى عصر التلفزيون، الذي بدوره تحداه ظهور الفيديو».
وظهر أول فِلْم سعودي عام 1950م وحمل عنوان «الذباب»، من بطولة حسن الغانم، الذي سجل التاريخ اسمه باعتباره أول ممثل سينمائي سعودي.
بداية انتشار دور العرض
وبدأ انتشار دور السينما في الرياض وجدة والطائف وأبها ثم الدمام، خلال فترة السبعينيات. وفي حال السماح بإنشاء دور عرض سينمائية جديدة، كانت الأفلام المعروضة خاضعة لرقابة مسبقة، ومُنعت الأفلام غير المرغوب فيها، ووضعت قوانين صارمة تعاقب المخالفين.
وفي فترة السبعينات بالسعودية، ظلت السينما حالة اعتيادية يدعمها بعض رجال الأعمال، ويغلب على كثير منها الطابع التسجيلي.
ويلعب الجمهور السعودي دورًا مهمًا في نمو السينما الخليجية. فمع وجود أكثر من 35 مليون نسمة في المملكة، فإن السوق السعودي يعد سوقًا واعدًا للأفلام الخليجية. كما أن الجمهور السعودي منفتح على الأفلام الخليجية، ويدعمها بشكل كبير.
وقديما، كان الجمهور يقبل على مشاهدة اسلينما باهتمام في الأحواش المخصصة لعرض الأفلام، وأغلبها كانت في الأندية الرياضية.
وتنوَّعت الأفلام بين الوثائقية التقليدية، والأفلام المصرية، وأفلام الأكشن الهندية. ثم كانت البداية الحقيقية للإنتاج السينمائي السعودي في عام 1966م، تاريخ إنتاج فلم «تأنيب الضمير» للمخرج السعودي سعد الفريح، من بطولة الممثل السعودي حسن دردير، وفق الذوادي.
ويرى المخرج البحريني أن السبب الأساسي لعدم قيام صناعة سينمائية في الخليج كان في عدم وجود سينما سعودية.
ويقول: «كان الحال سيبقى كذلك، لولا الإعلان في نهاية عام 2017م عن السماح بفتح دور العرض، وبالتالي قيام صناعة سينمائية حقيقية ومتكاملة في المملكة. وهذا ما أعطى الأمل لكثير من السينمائيين والمستثمرين في الخليج بقيام صناعة حقيقية في الخليج».
ويكشف الذواد: «أننا بعد أول فِلْم روائي في البحرين وهو الحاجز (عام 1990م)، اعتقدنا أن باب السينما فُتح واسعاً أمام صناعة السينما في البحرين. وبأنه سيكون هناك إنتاج سينمائي لن يتوقف. ولكن بعد سنتين من إنتاج هذا الفلم اكتشفنا بأن السينما لا تتحقق في بيئة ذات كثافة سكانية منخفضة، كما كان الحال في دول الخليج آنذاك، حيث كان مجموع عدد السكان حوالي 6 ونصف مليون نسمة من غير المملكة العربية السعودية».
ولتوضيح الصورة كاملة يقول: «بعملية حسابية بسيطة، كان الفيلم الذي يكلف وقتها مليون ريال سعودي، يحتاج إلى أن يعرض في كل دور العرض في الخليج، وأن تكون كل مقاعدها ممتلئة لمدة عشرة أيام، كي يستعيد المستثمر المليون ريال. وهذا مستحيل».
أثر السينما السعودية على دول الجوار
أثرت السينما السعودية على دول الجوار بشكل إيجابي، حيث أدت إلى زيادة اهتمام دول الخليج بصناعة السينما. وساهمت السينما السعودية في خلق فرص عمل جديدة في صناعة السينما، كما ساهمت في تطوير المهارات السينمائية في المنطقة.
التأثير الاقتصادي
ساهمت السينما السعودية في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، حيث وصلت عائدات السينما في عام 2023 إلى أكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي. كما ساهمت السينما في خلق فرص عمل جديدة، حيث يعمل في صناعة السينما في السعودية أكثر من 100 ألف شخص.
التأثير الثقافي
ساهمت السينما السعودية في تعزيز الهوية الثقافية الخليجية، حيث قدمت الأفلام السعودية قصصًا وشخصيات من المنطقة. كما ساهمت السينما السعودية في نشر الثقافة الخليجية في العالم، حيث تم عرض الأفلام السعودية في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية.
المهرجانات السينمائية السعودية
يقول المخرج السعودي محمد السلمان يرى أن المهرجانات السينمائية التي دشنتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة ساعدت سماع صوت كل المبدعين السعوديين، وفق «إندبندنت عربية».
يُعتبر أبرز مهرجانات السعودية هو مهرجان البحر الأحمر السينمائي، والذي يعد منصة للسينمائيين العرب والعاملين في صناعة السينما من جميع أنحاء العالم.
ويقول السلمان: «صارت نقطة جذب لنظرائهم من السينمائيين من أنحاء العالم، كما كشفت عن شغف السعوديين بالسينما ومتابعة ما يطرح بها منذ سنوات طويلة، كما يشارك بعضهم في تطور الصناعة بالبلدان المجاورة بالتزامن مع انتشار الإنترنت مطلع الألفية الثالثة».
ويؤكد المخرج السعودي أن السينما السعودية تعيش عصرها الذهبي، «فالجيل الحالي يطمح إلى تقديم أعمال متميزة تحدث نقلة كبيرة على مستوى الصناعة، خصوصا أن البلاد استحوذت على مكانة جيدة على خريطة السينما الدولية خلال السنوات القليلة الماضية»
جمهور وإيرادات السينما السعودية
وتتربع دور العرض السعودية على صدارة إيرادات شاشات السينما في الشرق الأوسط، للعام الخامس على التوالي.
ويأتي هذا الإنجاز نتيجةً للعديد من العوامل، منها الكثافة السكانية الكبيرة في السعودية، والتي تتجاوز 32 مليون نسمة. والاهتمام المتزايد بالسينما من قبل الشباب السعودي، حيث يشكلون غالبية الجمهور السينمائي في المملكة. والتنوع في العروض السينمائية التي تقدمها دور العرض السعودية، والتي تلبي مختلف الأذواق.
وقد أدى هذا الإقبال المتزايد إلى توسع دور العرض السعودية بشكل ملحوظ، حيث بلغ إجمالي دور السينما 63 داراً حتى نهاية عام 2022، مقابل 54 داراً في عام 2021. كما بلغ عدد الشاشات لستة مشغلين في المملكة 581 شاشة، تضم صالاتها 59 ألفاً و444 مقعداً، في 20 مدينة.
ووفقًا لبرنامج الرؤية 2030، من المتوقع أن يصل عدد دور العرض السعودية إلى 350 داراً تعرض 2500 فيلم في عموم المملكة. كما تستهدف البلاد زيادة رأسمال صناعة السينما إلى مليار دولار وسط زيادة إنفاق الأسر على الترفيه من 3 إلى 6%.
ويمكن القول إن السينما السعودية تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق مستقبل واعد، حيث تمتلك جميع المقومات اللازمة للنجاح، بما في ذلك الكثافة السكانية الكبيرة، والاهتمام المتزايد من الشباب، والتنوع في العروض السينمائية.