«خليجيون» خاص| «الهروب الكبير».. طوفان الهجرة العكسية يثقب المركب الإسرائيلي
يواجه الاحتلال الإسرائيلي نزيفًا بشريًا أو ما يعرف بـ«الهجرة العكسية» نتيجة استمرار الحرب على غزة، وفقد آلاف اليهود خاصة من سكان غلاف غزة الفارين وظائفهم وهروبهم للخارج مع فئات أخرى، وفق تقديرات إسرائيلية بـ400 ألف شخص حتى الآن، ما طرح تساؤلات حول فرص عودة الهاربين.
منذ اندلاع عملية «طوفان الأقصى» صبيحة 7 أكتوبر الماضي، وما تلاها من قصف للاحتلال على قطاع غزة، هرب أكثر من 370 ألف إسرائيلي إلى الخارج، بخلاف العمالة الأجنبية واللاجئين والدبلوماسيين، وفق صحيفة «زمان إسرائيل».
الأرقام الحقيقية للهاربين من إسرائيل
لكن الباحث الفلسطيني أسامة شعث رجَّح، في تصريح إلى «خليجيون» أن تكون أعداد اليهود الذين فروا من فلسطين المحتلة منذ 7 أكتوبر الماضي نحو 600 ألف نسمة، مستندًا إلى تقديرات إسرائيلية غير رسمية.
أسامة شعث: أعداد اليهود الفارين من فلسطين المحتلة منذ 7 أكتوبر الماضي نحو 600 ألف نسمة
أما الأجانب الذين غادروا في الفترة نفسها قاربوا الـ250 ألف، فيما تراوحت أعداد الفارين من قراهم ومدنهم داخل فلسطين المحتلة بين 380 و400 ألف نسمة، معظمهم من غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة، وهي أرقام رجَّح المحلل الفلسطيني صحتها، معتبرًا موجة الفرار بمثابة «هروب من واقع اقتصادي مرير خاصة لليهود الذين يعيشون أو كانوا يعيشون في مستوطنات قطاع غزة ويعملون في الزراعة».
بينما ترى مدير المركز الأوروبي لشمال أفريقيا للأبحاث سارة كيرا، في تصريح إلى «خليجيون» أن حكومة الاحتلال حاولت إخفاء الأرقام الحقيقية بشأن الفارين من الصراع إلى خارج البلاد، لذا قوَّضت من انتشار أخبار الهجرة العكسية، مؤكدة أنها أكبر من ذلك بكثير.
رجال أعمال إسرائيل أول القافزين من مركب نتنياهو
وتتغذى إسرائيل منذ نكبة عام 1948 على موجات الهجرة القادمة إليها من أنحاء العالم، ويعني تراجع الهجرة مع موجات المغادرين منها، خطرًا حقيقيًا على وجودها.
ويوضح الخبير في الشأن الفلسطيني أسامة شعث أن «رجال الأعمال النخب وأعمدة الدولة الذين تنحدر أصولهم من أوروبا كانوا أول القافزين من مركب نتنياهو»، كاشفًا أن «آلاف اليهود الفقراء يرغبون في مغادرة إسرائيل، لكن لا يسمح لهم»، مقدرًا نسبة الفارين بين 12 و16% من مجموع سكان دولة الاحتلال.
«كيرا»: المشهد قاتم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأغلب الشباب يعتقدون أنهم هدف قادم للتجنيد أو القتال في وقت هرَّب النخبة أبنائهم للخارج
وعلى عكس المتوقع، فقد أدى استمرار الحرب وترويج قادة إسرائيل على أنها «حرب وجودية» إلى تزايد الهجرة العكسية لآلاف اليهود من دولة الاحتلال لاستشعارهم بطول أمد القتال، وفق حديث سارة كيرا لـ«خليجيون».
كما ساقت «كيرا» أسباب أخرى قد تدفع مزيدًا من اليهود لترك إسرائيل، منها المشهد القاتم والمخيب سواء الاقتصادي أو السياسي أو العسكري، واعتقاد أغلب الشباب والأسر في إسرائيل أنهم هدف قادم للتجنيد أو القتال في وقت هرَّب النخبة أبنائهم للخارج.
صراع عرقي في إسرائيل
أما «شعث» زاد سببًا آخر جوهريًا بخصوص رغبة إسرائيليين آخرين في الهرب من جحيم الصراع، وهو ظهور «الصراع العرقي في إسرائيل لأول مرة بهذه القوة منذ قيام كيانها على الأراضي الفلسطينية»، لافتًا أن «الصراع العرقي ظهر بعد رفض التجمعات الأوروبية موجة النزوح الداخلي من يهود غلاف غزة، وهم من فقراء الفلاشا»، وهو ما عدّه الباحث في الشأن الفلسطيني «مسمارًا في نعش دولة الاحتلال العنصرية حتى بين أبنائها».
ولا يستبعد المحلل أن تستمر موجات الهروب لليهود من الكيان إلى أقاربهم أو استثماراتهم في الخارج أو موطن ولادتهم الأصلية، مشيرا إلى ارتفاع ظاهرة التخلي عن الجنسية الإسرائيلية. ويرجح أيضًا أن تتعرض إسرائيل لضربات اقتصادية قوية بعد هجرة رجال الأعمال وآلاف العمال وتعميق الصراع الطبقي الداخلي.
أميركا شجَّعت الهجرة العكسية
ثمة سبب آخر لهروب الإسرائيليين منذ بداية الأحداث، وهو تشجيع الجانب الأميركي للإسرائيليين، خاصة رجال الأعمال على الهرب في البداية بإعلان واشنطن إتاحة دخول الإسرائيليين للولايات المتحدة «دون فيزا»، وهو ما دفع عيلة المجتمع الإسرائيلي للسفر للولايات المتحدة، وفق المحللة أيضًا تسبب الصراع في هروب أعداد كبيرة من الخدمة العسكرية في الاحتياط الإسرائيلي إلى الخارج، وانتظار انتهاء الحرب ثم العودة ودفع الغرامة المقررة، حسب معلومات «كيرا».
ولا تملك إسرائيل ووسائل إعلامها إجابة على إمكانية عودة هؤلاء إلى الأراضي المحتلة من عدمه، خصوصًا أن هذا النزيف الديموغرافي يترافق مع انخفاض الهجرة إلى إسرائيل بنسبة تتحاوز 70% عن معدلها الطبيعي.
هل يعود الفارين؟
لكن الباحث الفلسطيني أسامة شعث رد على هذا التساؤل، مؤكدًا أن اليهود الفارين أو ممن يزالون في فلسطين لديهم عقيدة راسخة أنه لا «وطن لهم في إسرائيل»، لكن أوطانهم في أوروبا والولايات المتحدة وفي أفريقيا التي ولد فيها آبائهم».
أما كيرا فقد استبعدت عودة الكثير من الإسرائيليين الهاربين، لافتة إلى أن من سيعود فقط هم من لديهم ارتباطات مالية واستثمارات كبيرة، ولن يكون ذلك قبل تولي الحكومة التي ستخلف نتنياهو بعد سلسلة محاكمات متوقعة ستطيح برؤوس كثيرة من صقور الاحتلال، وفق تعبيرها.