الاضطهاد يلاحق «الكوفية الفلسطينية» في دول غربية
أصبحت «الكوفية» الفلسطينية رمزا للتضامن مع القضية الفلسطينية في العالم كله مع احتدام العدوان على غزة. لكنه تحول إلى مشكلة بالنسبة لمن يرتدونه.
ويزعم أنصار الاحتلال الإسرائيلي أن الوشاح ذا المربعات يمثل استفزازا ويعتبر علامة على دعم ما يعتبرونه «إرهابا». ووضع آلاف الأشخاص الكوفية في أثناء احتجاجات ضخمة في بريطانيا وأماكن أخرى في تعبير عن الدعم للفلسطينيين وللمطالبة بوقف إطلاق النار.
لكن نشطاء يقولون إن الشرطة في فرنسا وألمانيا، وهما تقمعان الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، حذرت أو فرضت غرامات أو احتجزت الأشخاص الذين يضعونها. ويعتقد رامي العاشق، وهو شاعر من أصول فلسطينية وسورية يعيش في برلين، أنه وجد طريقة للتغلب على هذه المشكلة، فقد رسم وشما على ساعده بشكل الكوفية.
اقرأ أيضا: مبيعات قياسية للكوفية الفلسطينية في أميركا (صور)
وقال لوكالة «رويترز»: «الكوفية، عم يتم تجريمها ومطالبين الناس إنه تشلحها (تخلعها) ليقدروا يدخلوا لمكان. أنا قررت إنه بدكن تشلحوني ياها أوكي، فيكن تشلحوني ياها بس بدكن تقطعوا إيدي إذا بدكن تشلوحوني ياها. أخدت هاد القرار». وأضاف لرويترز بينما كانت رسامة الوشم تضع اللمسات الأخيرة على عملها «أنا أحتفل بغضبي وثقافتي التي تتعرض للتجريم. إنه أمر جميل أيضا ويذكرنا بألا ننسى أبدا أن هذا العدد الكبير من الأشخاص الذين قتلوا».
لكن صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية، والمؤيدة للعدوان، زعمت أن الكوفية «قماش المشكلة»، واقترحت على المتظاهرين الألمان المؤيدين للفلسطينيين ارتداء «الزي النازي» بدلا من ذلك.
ووقعت انتهاكات بحق المؤيدين للفلسطينيين في هذه الأجواء المشحونة. ففي فيرمونت بالولايات المتحدة في الشهر الماضي، جرى إطلاق النار على ثلاثة طلاب جامعيين من أصل فلسطيني، كان اثنان منهم يرتديان الكوفية، مما أدى إلى إصابة أحدهم بالشلل.
رمز الثورة
ظلت الكوفية لزمن طويل رمزا للقومية الفلسطينية، التي جسدها زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، الذي نادرا ما تم تصويره بدونها. وكان يطويها بطريقة تصور شكل فلسطين التاريخية.
وقالت مؤرخة التصاميم آنو لينجالا لوكالة «رويترز»: إن القماش اكتسب أهمية سياسية لأول مرة مع الثورة التي استمرت بين عامي 1936 و1939 ضد الحكم البريطاني عندما غطى مقاتلون ريفيون وجوههم به. وأضافت أنه كان يظهر «مقاومة موحدة».
وجاء النمط الأبيض والأسود في الخمسينيات، عندما خصصه القائد البريطاني الجنرال جون جلوب للجنود الفلسطينيين في الفيلق العربي لتمييزهم عن الجنود الأردنيين ذوي اللونين الأحمر والأبيض، حسبما ورد في كتاب «ذكريات الثورة» للمؤرخ الأمريكي تيد سويدنبيرج.
وارتداها في وقت لاحق مناضلون فلسطينيون، مثل ليلى خالد، التي اختطفت طائرة أميركية من طراز «تي.دبليو.إيه» في عام 1969. وكان زعيم جنوب أفريقيا المناهض للفصل العنصري نيلسون مانديلا، الذي كان مؤتمره الوطني الأفريقي مقربا من منظمة التحرير الفلسطينية، يرتدي الكوفية في بعض الأحيان.
ومع حظر رفع العلم الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة التي تحتلها إسرائيل بين عامي 1967 و1993، أصبحت الكوفية رمزا للنضال من أجل إقامة دولة فلسطينية. وقال الشاعر رامي العاشق إن «ما كان يستخدم لتغطية هوية المقاومين المناهضين للاستعمار البريطاني أصبح الآن رمزا لإظهار هذه الهوية».
زيادة الطلب على الكوفية
منذ بداية الغزو الإسرائيلي لغزة، زادت طلبات شراء الكوفية عبر الإنترنت على الموقع الإلكتروني لمصنع الحرباوي، وهو آخر مصنع للكوفية في الأراضي الفلسطينية. وقال نائل القسيس، شريك الشركة في أوروبا، لرويترز، إن القدرة الإنتاجية الشهرية البالغة 5000 كوفية، تعني أن الوفاء بالطلبات المتراكمة للأشخاص البالغ عددهم 150 ألفا الذين أبدوا اهتماما بالكوفية سيستغرق سنوات.
وقال لؤي حياتلة، البائع في أحد متاجر الزينات الشرقية في برلين، إن حرب غزة أدت إلى زيادة الطلب بنسبة 200 بالمئة. وأضاف حياتلة الذي لفت متجره انتباه الشرطة بسبب العلم الفلسطيني الذي علقه فوق نافذة المتجر «تعين علينا أن نحصل على شحنتين جويتين من سوريا».
وقالت شرطة برلين وباريس إن ارتداء الكوفية ليس مخالفا للقانون إلا إذا كانت تغطي الوجه. لكن شرطة برلين قالت إنها تستطيع فرض قيود أو حظر التجمع في الهواء الطلق إذا اعتقدت أن السلامة العامة في خطر داهم، وقد يشمل ذلك حظر الكوفية. ورفضت شرطة باريس التعليق على حالات محددة.
وأوقفت الشرطة غسان مزوغي أثناء خروجه من مسيرة في باريس، في نوفمبر تشرين الثاني. وطُلب من مزوغي أن يخلع كوفية حمراء كان يلفها على كتفيه. وقال مبرمج الكمبيوتر البالغ من العمر 39 عاما «كانوا هادئين، لكن الرسالة كانت واضحة.. اخلعها وإلا فلن تغادر».
وطلبت الشرطة من العالمة يسرا مساعي (44 عاما) خلع وشاحها أثناء ركوبها مترو باريس. وعندما رفضت، تم تغريمها 30 يورو بتهمة تنظيم احتجاج غير مصرح به. وقالت «لقد صُدمت وبكيت بالدموع. إنه رمز، وهذا أقل ما يمكننا القيام به».