عطش وحطب وعربات تجرها الدواب.. كيف يعيش نازحو جنوب غزة؟
تحت وطأة ظروف إنسانية بالغة القسوة، يعيش نازحو جنوب غزة بين قسوة العيش ونيران الاحتلال الإسرائيلي، بعد مرور أكثر من شهرين ونصف الشهر على عدوان أسفر حتى الآن عن استشهاد 18 ألف و900 فلسطيني، تشكل النساء والأطفال نحو 70% منهم، ترافقت مع واحدة من أكبر موجات النزوح الإنساني خلال عقود.
وسائل إعلام عربية نقلت مشاهد من حياة النازحين في جنوب غزة..
في غرب خان يونس، وتحديدا منطقة المواصي، لم يتمكن الصبي الفلسطيني عبد الكريم عادل (15 عاما) من الاستحمام على مدى أكثر من أسبوعين بسبب عدم توفر مياه، فاضطر إلى الاستحمام بمياه البحر رغم البرد القارص، ليخوض تجربة الاصطياف خلال فصل الشتاء لأول مرة في حياته، وفق وكالة أنباء العالم العربي.
تردد الفتى وعشرات الأطفال والفتية الآخرين في خلع ملابسهم نظرا لانخفاض درجات الحرارة في شهر ديسمبر، الذي يعد الأكثر برودة في العام. كانت أجسادهم الضعيفة ترتجف قبل أن يمارسوا رياضة الجري والقفز في المكان ليندفعوا مرة واحدة صوب البحر.
لم تحل شدة البرد دون إقدام هؤلاء الأطفال على السباحة في البحر من أجل الاستحمام، حالهم حال كثيرين ممن تقطعت بهم السبل ولم يجدوا مياه في مناطق نزوحهم، ليتكرر المشهد في كل المناطق الساحلية لجنوب قطاع غزة، التي يسمح الجيش الإسرائيلي بتحرك الفلسطينيين في محيطها بما يشمل دير البلح وخان يونس ورفح، حسب «أنباء العالم العربي».
أمراض جلدية للأطفال النازحين في غزة
يقفز الأطفال فرحا بمياه البحر رغم برودتها الشديدة، ويحاولون اللهو وهم يغطسون تحت الماء تارة ويطفون على السطح تارة أخرى ويتبادلون الأحاديث وأحيانا الصراخ وهم يتحدثون عن أول تجربة يضطرون لخوضها مكرهين تحت الحاجة الماسة للمياه.
منذ الأيام الأولى لنزوحهم ظلوا يأملون في أن يُنقل الماء للخيمة الريفية التي يعيشون فيها لكن دون جدوى، ما اضطرهم للبحث عن وسيلة أخرى للاستحمام ولم يجدوا سوى مياه البحر المتوسط، وأكد عبد الكريم أنهم شعروا بإمكانية إصابتهم بأمراض جلدية ومعدية إذا استمروا دون استحمام.
ويضيف «الآن عرفنا الطريق، ولا نجد مشكلة في الاستحمام بمياه البحر مهما كانت درجة الحرارة، فالمهم الشعور بالنظافة الشخصية والأمان من أي احتمال للإصابة بأمراض ناتجة عن تكدسنا في الخيمة الصغيرة التي نعيش فيها».
ويتابع مبتسما «استخدمنا الصابون والليفة (اللوف) وحصلنا على الشعور الذي نبحث عنه وهو الشعور بالنظافة، وسنكرر هذه التجربة كلما احتجنا لذلك إلى حين وصول المياه لخيمتنا ولو لمرة واحدة».
أصروا على الاستحمام في البحر
على الشاطئ نفسه، كان الشاب محمد عبد القادر (37 عاما) يجلس وهو يتناول كوبا من الشاي أعده على نار الحطب بعد السباحة في البحر للغرض ذاته وهو الاستحمام، لكنه يختلف عن هؤلاء الأطفال، إذ تعوّد منذ اليوم الأول على الاستحمام في البحر وتعود جسديا ونفسيا على خوض هذه التجربة التي كان يعتقد أنها قاسية حتى جربها، على حد وصفه.
يتحدث الشاب مع رفاقه لوكالة أنباء العالم العربي، الذين لم يتحملوا السباحة في فصل الشتاء، عن شعوره بالانتعاش بعد السباحة رغم البرودة الشديدة، مشيرا إلى أن اللحظات الأولى لخلع الملابس والسباحة هي الأصعب، لكن سرعان ما يتأقلم الجسم وحرارته مع حرارة البحر ويصبح الأمر اعتياديا.
ويقول «كل أصدقائي حاولوا السباحة في البحر، لكنهم فشلوا ولم يتحملوا البرد القارس، لكنّي أصررت على الاستحمام في البحر مهما كانت الصعوبات، حتى تعوّدت على ذلك بشكل يومي حتى ولو كانت الأمطار تهطل على الشاطئ». يضيف «كل المارة على الطريق الرئيسي كانوا يستهجنون السباحة في البحر، حتى أصبح المشهد طبيعيا ويتزايد عدد النازحين الذين يخوضون تجربة السباحة في البحر يوما بعد آخر وأصبحوا يعتبرون السباحة فرصة مواتية للاستحمام».
على الرغم من ذلك، يؤكد الشاب أن اللجوء إلى البحر ليس وسيلة سهلة أو طبيعية، لكنه يلبي حاجة المضطرين في ظل شح المياه وإن كان لا يتحمله كثير من النازحين، خصوصا المرضى وكبار السن والنساء والأطفال الصغار. ويقول عبد القادر إنه لا يشعر بالسعادة للاصطياف خلال فصل الشتاء وإنما يشعر بالارتياح فقط لتمكنه من تدبر أمره والاستحمام للنظافة الشخصية خشية الإصابة ببعض الأمراض.
وإذا كان ديدن كثير من الشبان الاستحمام في مياه البحر، فإن النساء يلجأن إلى غسل الملابس وأواني الطهي على الشاطئ مباشرة، وأحيانا يقمن بنقل المياه إلى أماكن نزوحهن لاستخدامها لاحقا، خاصة مع شح المياه بشكل كبير وصعوبة نقلها إلى مناطق غرب خان يونس ورفح.
نظرة على النازحات في غزة
وتعمد آمال العبادلة (42 عاما) منذ أيام النزوح الأولى ووصولها إلى جنوب قطاع غزة إلى الذهاب للشاطئ مع شقيقاتها وزوجات أشقائها لغسل الملابس والأواني، بعدما أدركن صعوبة العثور على مياه.
تنقل آمال الملابس وبعض الأواني على عربة يجرها حمار من المنطقة التي تعيش فيها بعد النزوح، والتي تبتعد مئات الأمتار عن الشاطئ، لتغسلها بمياه البحر ثم تعود أدراجها بالطريقة ذاتها لتنشر الملابس على الحبال المثبتة بين الأعمدة الخشبية للخيمة. ويتكرر المشهد نفسه بشكل مستمر.
وترى النازحة، في حديث لوكالة أنباء العالم العرب، أن استخدام مياه البحر للاستحمام أو التنظيف يعكس قدرة الفلسطينيين على التأقلم مع ظروفهم الصعبة والتكيف مع حاجاتهم التي تفرضها أوضاع النزوح، مؤكدة أنهم يعيشون ظروفا غاية في القسوة تفرض عليهم القبول بأي بديل طالما لا تتوفر احتياجاتهم الأساسية.
وتقول «كل شيء له بديل وإن كان شاقا، فالحطب بديل غاز الطهي، وزيت القلي يستخدم لتشغيل سيارات تعمل بالسولار، وأفران الطين بديل للأفران التقليدية، وعربات الكارو (التي تجرها الدواب) بديل للسيارات، ومياه البحر لغسل الملابس وتنظيف الأواني».
نقص مياه الشرب
وأخيرا، روى نازح فلسطيني لقناة «العربية» معاناته مع مياه الشرب. وقال: «نعاني كثيراً بالنسبة لمياه الشرب. لما نحصل عليها منطلع من الساعة 3 الفجر عشان نعبي غالون صغير ومرات منعبهوش. مرات منروح على مياه البلدية. البلدية برضو 100 عافية نحصل عليها. الوضع صعب. بنضل يومين ثلاثة لما يلحقنا الدور لأنه مش احنا لحالنا. كل الناس بتجي للنقطة هنا هي الوحيدة يلي بتعبي مياه الشرب».
وأوضح: «نخرج منذ الساعة 3 فجراً لنحصل على الماء، وأحياناً كثيرة لا نوفق». ويردف متحسراً: «إنت عارف المياه منتعب منها وأنا شخصياً مريض منها وفي ناس مرضى كتير.. يعني بفضل كل يوم ما أشرب إلا كاسة بالكثير ومرات بغليها على النار عشان أقدر أشربها».
اقرأ المزيد: