«خليجيون» خاص| ما تداعيات التوتر الدبلوماسي بين الجزائر ومالي؟
دخلت العلاقات بين الجزائر ومالي فصلاً جديدًا من التوتر الدبلوماسي، على خلفية استدعاء البلدين سفرائهما تجاوبًا مع اتهامات باماكو للسلطات الجزائرية بالتدخل في شؤونها الداخلية، ما يفرض حالة ترقب حذر، بعد أن كانت الجزائر لاعبًا رئيسيًا وقادت وساطة مستمرة منذ سنوات بين الفرقاء الماليين.
بدأ التململ الدبلوماسي بين البلدين، بعدما استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الجزائر العاصمة الإمام محمود ديكو وهو شخصية دينية وسياسية مالية بارزة ومن القلائل الذين تجرأوا على التعبير علنًا عن اختلافه مع المجلس العسكري الحاكم في مالي منذ أغسطس 2020.
أسباب الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي
الزيارة أشعلت فتيل الغضب لدى سلطات مالي التي استدعت أمس الجمعة سفيرها لدى الجزائر للتشاور عملاً بـ«مبدأ المعاملة بالمثل»، وهي الأزمة الدبلوماسية الطارئة التي يمكن أن تترك تداعيات وخيمة على الاستقرار الهش في شمال مالي.
وقالت الخارجية المالية إنها أبلغت سفير الجزائر في باماكو احتجاجًا على «أفعال غير ودية» ارتكبتها بلاده و«تدخلها في الشؤون الداخلية» لمالي. ووفق بيان الخارجية المالية، فإن باماكو تأخذ على الجزائر خصوصًا «الاجتماعات المتكررة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات ومن دون أدنى علم أو تدخل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقعة على اتفاق 2015 والتي «اختارت المعسكر الإرهابي».
«اتفاق الجزائر» في مهب الريح
والجزائر هي الدولة الرئيسية التي تتوسط لعودة السلام إلى شمال مالي بعد «اتفاق الجزائر» الذي جرى توقيعه في 2015 بين الحكومة المالية وجماعات مسلحة يغلب عليها الطوارق. لكن هذا الاتفاق بات يترنح منذ نهاية أغسطس الماضي حين استأنفت هذه الجماعات المسلحة عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي في شمال البلاد بعد ثمانية أعوام من الهدوء.
ولاحظت الجزائر خطورة تدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية في مالي، حيث قالت الخارجية الجزائري في بيان قبل أسبوع، إن بلادها تدعو «جميع الأطراف المالية إلى تجديد التزامها بتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر استجابة للتطلعات المشروعة لجميع مكونات الشعب المالي الشقيق في ترسيخ السلم والاستقرار بصفة دائمة ومستدامة».
رسائل جزائرية
ويبدو أن الدولة العربية شعرت ببداية فوران الغضب لدى سلطات المالي، فاتخذت خطوة استباقية باستدعاء سفير مالي أول أمس الخميس، ونقل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف رسائل للسفير المالي من بينها أن «كافة المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على ثلاثة مبادئ أساسية لم تحدْ ولن تحيد عنها بلادنا».
ولأنها تدرك خطورة التوتر الأمني، تضمنت الرسائل الجزائرية التأكيد على أن «القناعة العميقة بأن السبل السلمية، دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام».
حاولت الجزائر أيضًا التأكيد على توسيع مساحة الحوار بين المتنافرين، عندما نقلت إلى سلطات بامكو رسالة عبر سفيرها بأن «المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة، تظل الوسيلة المثلى للانخراط في مسار شامل وجامع دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء»، وهو ما يعني أن حتى المعارضون لنظام الحكم مشمولون بالانخراط في هذه النقاشات، وهو ما يبرر اللقاء الذي جمع الرئيس عبد المجيد تبون والإمام محمود ديكو.
مالي ترد على الجزائر بورقة المغرب
لكن يبدو أن سلطات مالي تريد الرد على هذا اللقاء بشكل عملي، حيث يقوم وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب بزيارة على مدار يومين إلى المغرب التي قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية معها في أغسطس 2021 بسبب الخلافات العميقة حول الصحراء الغربية.
هل تنسحب الجزائر من مفاوضات السلام؟
لكن هذه التوتر الطارئ، يعتبره الدكتور حسني عبيدي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف فتورًا يشكل بوادر أزمة، ولم يرتقي إلى الصدام، وبالتالي فإن البلدين مطالبين باحتواء «سوء تفاهم» بشكل سريع.
يقول عبيدي في تصريحات خاصة لـ«خليجيون» إن الجزائر لا تزال ترى نفسها راعية لاتفاق 2015، وبالتالي من الطبيعي مواصلة التشاور مع مختلف الأطراف، لتعويض الفراغ الذي تركه الانسحاب الفرنسي وبعثة الأمم المتحد، وعودة الصراعات مع التنظيمات الجهادية.
عبيدي: «السفير الجزائري مازال مقيمًا في مالي والسفير المالي ما زال في الجزائر، وبالتالي التشاور ما زال قائمًا، مع رغبة في التفاهم»
وأضاف أن هذه التطورات تشكل مصدر مقلق بالنسبة للجزائر باعتبار مالي أمنها الإقليمي، وبالتالي أسرعت الجزائر في محاولة لإنقاذ اتفاق مالي، وهو الأمر الذي لم يستسغه النظام الجديد، لكنه يرى الفرصة قائمة لاحتواء الموقف، قائلاً: «السفير الجزائري مازال مقيمًا في مالي والسفير المالي ما زال في الجزائر، وبالتالي التشاور ما زال قائمًا، مع رغبة في التفاهم».
أما الباحث في الشأن الأفريقي محمد أوزكان، فيعتقد أن خلفية الصدام بين البلدين يرجع لاستئناف سلطات بامكو العمليات العسكرية في شمال البلاد ضد «حركات أزواد» والجماعات الجهادية، وهو الأمر الذي يشكل خطرًا على الأمن القومي للجزائر.
الوضع الأمني في منطقة كيدال يُشكل منعطفًا خطيرًا على أمن البلدين.. خاصة بعد انسحاب بعثة الأمم المتحدة
وأضاف أوزكان في تصريحات خاصة لـ«خليجيون» أن الوضع الأمني في منطقة كيدال يُشكل منعطفًا خطيرًا على أمن البلدين (الجزائر ومالي)، خاصة أن تلك المنطقة معقل الانفصاليين والتي ينتشر فيها المتمردون الطوارق، وذات مكانة استراتيجية في الجغرافيا والسياسة بمنطقة الساحل.
ومنطقة كيدال خارجة عن سيطرة السلطات المركزية وتحكمها «تنسيقية حركات أزواد»، وهو تحالف من الطوارق الذين يشكلون غالبية السكان فيها. وأدى انسحاب بعثة الأمم المتحدة التي دفعها المجلس العسكري الحاكم إلى الخروج، إلى سباق للسيطرة على هذه المنطقة.
اقرأ أيضًا:
- الجزائر وإيطاليا يتفقان على تطوير التعاون العسكري بين البلدين
- الجزائر تفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الإنسانية إلى المغرب