المسرح الليبي يعود للحياة بعد غياب 15 عامًا
نفض المسرح الليبي غبار السياسة وعاد للحياة بعد غياب 15 عامًا، بسبب الأحداث السياسية والصراعات الأمنية التي شهدتها البلاد مؤخرًا، وألقت بأثقالها على مظاهر الحياة، وعلى رأسها الفنون.
على مدار أسبوع شهدت ليبيا فعاليات المهرجان الوطني للفنون المسرحية، الذي أقيمت آخر دوراته في العام 2008.
وجرى تنظيم الدورة الثانية عشرة للمهرجان على خشبة ثلاثة مسارح في طرابلس ومصراتة الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة، وجمعت رواد المسرح وممثلين من 11 مدينة من كل أنحاء ليبيا على مدى عشرة أيام، واختتمت هذا الأسبوع.
وقدَّم معظم الفنانين عروضًا مسرحية تتناول الجانب الإنساني والحالة الاجتماعية التي يعاني منها الليبيون، خصوصًا منذ اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي وما تلاها من انفلات أمني ومعاناة وصراعات وتراجع الحالة الاقتصادية والمستوى المعيشي في البلاد.
«حسيتوها».. حضرها أكثر من ألف شخص وتناولت أوجاع الوطن وبطريقة صامتة في معظم فقراتها.
مسرحية «حسيتوها» قدمتها فرقة مسرح المرج (شرق البلاد) من تأليف يوسف مالاس وإخراج علي القديري، واحدة من العروض التي نالت استحسان الجمهور بشكل لافت، حيث حضرها أكثر من ألف شخص، وتناولت مشاهدها أوجاع الوطن وبطريقة صامتة في معظم فقراتها.
عرض صامت يختصر واقع ليبيا على المسرح
قال محمد الخيتوني بعد عرض المسرحية لوكالة «فرانس برس»: «تفاعل معظم الجمهور الحاضر معها، البعض انهمر بالبكاء للتعبير النقي الذي قدمه الفنانون» ورغم انهم «كانوا يقدمون عرضهم بالإيماءات والأصوات، لكنها أوصلت كل المعاني بسرعة لنا».
من جهته، حضر محمد الموظف (57 عامًا) مع أبنائه الثلاثة المسرحية التي أقيمت على مسرح الكشاف في طرابلس، وقال: «سألت ابني خالد الأصغر (14 عاما) بعد نهاية العرض عن ملخص المسرحية، فأبلغني أن الفنانين شرحوا معاناة ليبيا من فوضى وفقر وفساد سياسي نعاني منه».
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تشهد ليبيا نزاعات وانقسامات وتدير شؤونها حكومتان متنافستان: الأولى في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، والثانية في الشرق وتحظى بدعم الجنرال خليفة حفتر.
ورأى علي القديري، مخرج مسرحية «حسيتوها» أن العرض كان «لافتا لأنه يمس حالة اجتماعية تتعلق بأوضاع معظم الناس، تلك المرتبطة بالفقر وصراع السياسيين وانعدام الفرص والركود الاقتصادي الذي تعاني منه معظم مدن ليبيا».
وأرجع المدير العام للمهرجان الوطني للفنون المسرحية أنور التير، عدم انتظام الدورات السابقة إلى انعدام استقرار في ليبيا. وقال إن «المسرح يتأثر بالواقع السياسي والاجتماعي في البلاد، ونحن اليوم نريد إيقاد الشعلة مجددًا، والاحتفاء بقامات فنية كبيرة يجب ألا يحرم منها الجمهور(.. .) لا لتهميش المسرح الليبي».
شارك في المهرجان أكثر من 60 مسرحيًا وفنانًا، إلى جانب تسجيل مشاركة العشرات من المخرجين والمؤلفين الليبيين.
من جهته اعتبر رئيس الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون عبد الباسط بوقندة أن الهدف هو إعادة إطلاق الحركة المسرحية بدون توقف وتجاوز الصراعات، حيث شارك في المهرجان أكثر من 60 مسرحيًا وفنانًا، إلى جانب تسجيل مشاركة العشرات من المخرجين والمؤلفين الليبيين.
وأضاف أن الانقطاع في المسرح كان «سببه الإهمال وخلاف السياسة الذي أضر بكافة الفنون وعلى رأسها المسرح، واليوم مجتمعون مع كل فناني ليبيا لتجاوز الصراع».
بدورها، عبرت سلوى المقصبي المسرحية والممثلة التي جاءت من بنغازي بشرق ليبيا، للمشاركة في عمل مسرحي بعنوان «ناج لم ينجو» عن سعادتها بالمشاركة في المهرجان قائلة «المسرح يجمع ولا يفرق، وسينجح فيما فشل فيه الساسة».
مأساة درنة على المسرح
وكانت مدينة درنة التي ضربتها فيضانات مدمرة راح ضحيتها آلاف الأشخاص حاضرة في المهرجان، من خلال عرض مسرحي واحد بعنوان «الأكاديمية» لفرقة «أجيال» للمسرح والفنون في المدينة.
ووصف ميلاد الحصادي مدير المسرح الوطني في درنة، مشاركتهم ولو كانت «خجولة ومحدودة»، بأنها «بادرة ولفتة طيبة» من قبل القائمين على المهرجان. وقال الحصادي: «نحن لا نزال في جرح لم يندمل جراء ضحايا الفيضانات التي ضربت درنة(.. .)، اليوم نحن هنا مثقلون صحيح بالجروح والألم والفقدان، لكننا مستبشرين خيرا بالوطن وفنانوه الذين نجحوا في إحياء المسرح الوطني».
وأضاف أن «الصراع في ليبيا تسبب في عزل المسرح عن الفنانين، واليوم نحن بحاجة لتشجيع ودعم كل مسرحي ليبي، لأن دورهم كبير في نبذ الفرقة وتوحيد الليبيين وزرع البسمة والأمل في محيانا».