«خليجيون» خاص| «محاكمات كارثة درنة».. اختبار جديد لهيبة القضاء الليبي
بعد قرابة 4 أشهر على الكارثة التي حلّت بمدينة درنة الليبية، سيقف اليوم الخميس 16 متهمًا بالمسؤولية في الواقعة أمام محكمة درنة الإبتدائية، في محاكمة يراها بعض الليبيين خطوة للقصاص لأرواح آلاف الأبرياء الذين ألقت بهم الفيضانات في قلب البحر، بينما ينتاب آخرين شعورًا بالإحباط تجاه جدية الإجراء، مستندين إلى ضعف سلطة القضاء خلال السنوات العشر الماضية، فهل تكون محاكمات درنة أول سطر لاستعادة هيبة القضاء أم صفحة أخرى تنتقص من رصيد السلطة القضائية.
وأمس الأربعاء، أعلنت النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية في مواجهة 16 مسؤولاً عن حادثة فيضان مدينة درنة، من بينهم رئيس صندوق إعمار مدينة درنة وعضو اللجنة المالية المكلفة بتنفيذ مخطط إعمارها، بعد انتهاء التحقيقات الأولية في الأسباب الجوهرية التي تقف وراء الكارثة التي نشبت عن انهيار سدي المدينة.
ماذا حدث في درنة؟
البداية عند الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل الحادي عشر من سبتمبر، عندما شهد الساحل الليبي المقابل لدرنة أمطارًا غزيرة تواصلت على مدار يومين وصلت لحوالي 414 ملم، في منطقة تصنف بشبه الجافة مناخيًا، وتستقبل معدل أمطار سنوي يتراوح بين 200 إلى 250 ملم، ما يعني أن ما سقط على مدار عامين سقط خلال مدة أقل من 48 ساعة، الأمر الذي أدى لتشكل فيضانات عارمة، تسببت بدمار البنية التحتية الهشة.
لكن النقطة الفارقة عندما تعال صراخ السكان القريبين من سد يشق منتصف المدينة السكنية: «السد الكبير ينهار»، وقتها كان السد الصغير في بداية المدينة قد جرفته السيول وهي في طريقها للسد الكبير في منتصف المدينة، ومعها تشكل تيار يستطيع قلع الأشجار والمباني السكنية التي ألقى بها وبمن داخلها في جوف البحر.
انهيار السدين شكّل صلب الكارثة وأدوى بحياة الآلاف، وقتها قال خبراء الأرصاد والمتخصصيين في السدود إنهم حذروا مرارًا وتكرارًا من أنّ السد الهش عُرضة للنهيار وتحويل المدينة إلى ركام، لكن لم يستجب أحد من المكلفين بالأمر.
بعد أيام قليلة من الصدمة، تجمع أهالي مدينة درنة في احتجاج ضخم نادر منذ العام 2011، حمل مطالب واضحة أولها محاسبة المقصرين على انهيار السدين ومن ثمّ حدوث الكارثة، بينما لم يشفع لهم إقالة عميد البلدية أو مسؤولين صغارًا في الإدارة المحلية.
الأمر كان كارثيًا، لأن السلطة المحلية المكلفة بصيانة السد تراخت عن أداء عملها، كما أن أنظمة الإنذار والمراقبة لم تكن مفعلة، فضلاً عن بنية تحتية قابلة للتعاطي مع أي كوارث طبيعية لتحويلها إلى واحدة من أسوأ كوارث العصر الحديث.
لدى تلك المرحلة، بدأت النيابة العامة تقصي الحقائق والتفتيش في سجلات الحكومات المتعاقبة والسلطات المحلية، إلى أن وصلت لقناعتها أن ثمة مسؤولين مباشرين عن الكارثة، بسبب تقصيرهم في أداء واجبهم الوظيفي، كانت جاء قرارها أمس الأربعاء بإحالتهم إلى المحاكمة.
من هم الضالعين في كارثة درنة؟
قائمة المتهمين الماثلين أمام المحكمة اليوم تضم مسؤولين بمناصب رفيعة، من بينهم النائب السابق لمحافظ المصرف المركزي علي الحبري، الذي تمكن من السفر خارج البلاد في وقت سابق من قرار النيابة العامة، وهو الذي كان يرأس «لجنة إعادة إعمار واستقرار بنغازي ودرنة»، بحسب وسائل إعلام محلية.
من بين المشمولين بقرار المحاكمة عضوان من المجلس البلدي درنة، ومدير مكتب مشروعات إعادة إعمار المدينة، ورئيس اللجنة الفنية المكلفة بتنفيذ مخطط إعمارها، بحسب بيان صدر عن مكتب النائب العام في 29 سبتمبر الماضي.
رئيس لجنة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب الليبي زايد هدية، من بين أكثر المتفائلين، الواثقين بقوة سلطة القضاء، قائلاً: «نحن أول من طالبنا بملاحقة كل مسؤول عن هذه الكارثة».
يضيف هداية في تصريح خاصة لـ«خليجيون»: «لا سلطان على القضاء ويجب ملاحقة كل مسؤول كان بقصد أو عن غير قصد».
أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة يوسف الفارسي تحدث عن بداية "الفساد الكبير"، عندما جرى اكتشاف مشكلات إنشائية في السدين تتعلق بتشققات وبداية هبوط في تسعينيات القرن الماضي، حيث جرى دراسة ملف تطوير السدين وأجرت دراسات موسعة من خلال مكاتب استشارية دولية، وتعاقدت مع شركات لتنفيذ مشروع تطوير السدين بقيمة 39 مليون دينار، ويشمل تكميلات صغيرة، من بينها إقامة سد صغير لحجز الطمي، لكن توقف المشروع.
الفارسي يقول في تصريحات خاصة لـ«خليجيون» إن هذه التشققات في سدي درنة، بدأت عام 1998، وبعدها جرى التعاقد مع الشركات لتنفيذ أعمال التطوير والصيانة في أعوام 1999 و2007 و2008 و2010 و2011، ولكن لم يحدث شيء، لافتا إلى أن النيابة العامة عجّلت بالمحاكمة استجابة لضغط الشارع والرأي العام الذي يلغي بسبب الكارثة.
ذاكرة درنة.. صراعات واستقطابات
وتملك درنة ذاكرة باقية في صفحات التاريخ الليبي، باعتبارها أولى المدن التي خرجت ضد نظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011، قبل اختطافها من قبل تنظيم داعش لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تنجح قوات تابعة للجنرال خليفة حفتر من تحريرها في عام 2018.
لكن درنة التي تسمى بـ«المدينة الزاهرة» بقيت لعقود مهملة، بنيتها التحتية متدهورة ومدارسها ومستشفياتها تعاني نقصًا حادًا في المستلزمات، وهو ما ساهم في وصول عدد الضحايا لأعداد غير مسبوقة.
ووسط هذا الواقع، خضعت المدينة لحالة من الاستقطابات السياسية الحادة خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد سيطرة قوات حفتر عليها، وظلت الاتهامات بالفساد تلاحق القائمين على الإدارة المحلية، إلى أن برز حضور بارز لقوات حفتر بعد الكارثة عندما تحدثت تقارير صحفية أجنبية عن فرض حصار إعلامي على بعض المناطق، وقطع الإنترنت والكهرباء ومنع وصول مراسلي الصحف إليها، وهو ما نفته "القيادة العامة" التابعة لحفتر، لكن في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه النيابة العامة تحريك دعوى جنائية ضد الضالعين في الكارثة، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد القريب من حفتر، تكليف نجل المشير بالقاسم حفتر برئاسة اللجنة المستحدثة لإعادة إعمار المدينة.
اقر أيضا
«خليجيون».. خاص| شبح «داعش» يلاحق ليبيا بعد 7 سنوات من تحرير سرت
«خليجيون» خاص| مصر تعيد الروح لـ«مبادرة باتيلي» في ليبيا
حصيلة مأساوية.. 61 ضحية جديدة لـ«قوارب الموت» قبالة سواحل ليبيا