لماذا رفضت مصر الاعتراف الأثيوبي بـ«أرض الصومال»؟
على نحو متوقع، جاء إعلان مصر هذا الأسبوع رفضها مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، التي بموجبها تحصل أديس أبابا على قاعدة عسكرية على باب المندب، إذ تواكب الموقف الرسمي المصري مع تحذير محللين عسكريين مصريين من خطورة الاتفاقية، واعتبروها «وعد بلفور» جديد ستملك الأولى قاعدة عسكرية ومنفذ بحري مقابل الاعتراف باستقلال أرض الصومال.
وتقضي مذكرة التفاهم بحصول إثيوبيا على منفذ بحري في نطاق ميناء بربرة، من المتوقع استخدامه في أغراض عسكرية وتجارية، وذلك مقابل حصول أرض الصومال على حصة من شركة الطيران الإثيوبية، حسبما أوردت تقارير. وأعادت إثيوبيا تشكيل قوتها البحرية قبل سنوات من توقيع مذكرة التفاهم. تحولت إثيوبيا إلى دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا في عام 1993.
موقف مصر، الذي فصله بيان وزارة الخارجية، انطلق من «ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية الشقيقة على كامل اراضيها، ومعارضتها (مصر) لأية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده».
استقرار منطقة القرن الإفريقي
وإذ حذّر الموقف المصري من «خطورة تزايد التحركات والاجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها، التى تقوض من عوامل الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها»، فإنه شدّد في الوقت نفسه على «ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها.. .وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى».
الرسائل المصرية جاءت بعد يوم من اتصال أجراه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الثلاثاء، مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، فيما استدعت الحكومة الصومالية سفيرها لدى أديس أبابا عبد الله محمد ورفا، للتشاور بشأن «انتهاك السيادة الصومالية»، ووصفت الحكومة، في بيان، مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال بأنها «غير مشروعة، ولا أساس لها من الصحة، وهي اعتداء سافر على السيادة الداخلية لجمهورية الصومال الفيدرالية».
وليس بعيدا عن ملف الاعتراف الأثيوبي بأرض الصومال، ما شهده ملف سد النهضة الأثيوبي من تراجع دبلوماسي حاد الشهر الماضي، خصوصا بعد إعلان مصر انتهاء الجولة الرابعة من المفاوضات بينها والسودان وإثيوبيا، وانتقدت «استمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث». وأكدت مصر احتفاظها بحقها «في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر».
ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي المصري اللواء حمدي بخيت، تأسيس القاعدة العسكرية الإثيوبي «تطورا بالغ الخطورة»، لافتا إلى أن «تلك القاعدة تشكل تهديدا للأمن القومي للدول المجاورة». ويشرح بخيت في تصريح إلى «خليجيون» بالقول إن «القواعد العسكرية تشكل خطر على كل ما حولها، ولا تبنى لهدف سلمي لاسيما في دولة غير شرعية ولا تعترف بها الأمم المتحدة».
وشبه بخيت الاتفاقية بين إثيوبيا وأرض الصومال باتفاقية وعد بلفور قائلا: «وعد من لايملك لمن لا يستحق، كما حدث في فلسطين إذ اتقفت انجلترا مع جماعات يهودية على تمليكهم أراض في فلسطين». وتابع: « كل ما ستمارسه إثيوبيا في أرض الصومال فسيكون عمل غير شرعي»، محذرا الدول المجاورة من التراخي في التدخل لمنع اتمام تنفيذ بنود ذلك الاتفاق، تحسبا لأي ممارسات غير قانونية متوقعة.
قواعد عسكرية أجنبية في الصومال
وتدير 16 دولة، بينها إسرائيل، 19 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي، وتنشئ الإمارات قاعدة جديدة في إقليم «أرض الصومال»، إضافة إلى 4 قواعد محتملة تنشئها تركيا وروسيا والسعودية، في تلك المنطقة، وفقمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري).
وفي حين يخشي مراقبون من تأثير القاعدة العسكرية والمنفذ البحري الإثيوبي المرتقب تدشينه في أرض الصومال على أمن مصر المائي، لكن الخبير المائي المصري الدكتور عباس شراقي خبير السدود وجود تأثير سلبي أو إيجابي على مصر خصوصا في ملف سد النهضة. ويقول شراقي في تصريح إلى «خليجيون»:« أثيوبيا كانت قبل تلك الاتفاقية دول حبيسة نتيجة لاستقلال إرتيريا عام 1993، وبالنسبة لها فتلك الإتفاقية ستكون بمثابة الفرص الذهبية».
ويؤكد شراقي أن القاعدة العسكرية لا علاقة لها بالأزمة المتعلقة بملف سد النهضة، قائلا:«ما يحدث من ذلك الاتفاق هدفه إعادة ترسيم حدود ويبقى السؤال ما مصلحة أرض الصومال مع أثيوبيا». واستبعد شراقي، حدوث تأثير للقاعدة العسكرية على سد النهضة، منوها:«سد النهضة يقع في غرب أثيوبيا والتي تبعد مسافة نحو 1000 كيلو عن أرض الصومال، لذلك فلا قيمة عسكرية في ذلك المنطقة»، لافتا إلى أن المصلحة الإثيوبية هي «زرع مكانة وسط القواعد العسكرية الأجنبية في القرن الأفريقي».