خنزير في بالون اختبار.. ما هدف إسرائيل من «تسريبات» تهجير الفلسطينيين إلى أفريقيا؟
يحكى أن يهوديا فقيرًا ذهب إلى الحاخام يشكو من ضيق الحال، حيث كان يعيش هو وأسرته في غرفة واحدة صغيرة.
نصحه الحاخام بأن يربي خنزيرا في الغرفة، ظنًا منه أن ذلك سيساعده على توفير بعض المال. وبالفعل، بدأ الرجل في تربية الخنزير، ولكن سرعان ما ساءت الأمور، حيث أصبح الخنزير مصدر إزعاج وفوضى في الغرفة.
عاد الرجل إلى الحاخام، وطلب منه النصيحة، فأمره الحاخام بإخراج الخنزير من الغرفة وتنظيفها. وعندما فعل ذلك الرجل، شعر بالراحة، على الرغم من أنه لا يزال يعيش هو وأسرته في ظروف مزرية.
اقرأ أيضا:
إسرائيل تطلب من الكونغو استقبال «مهاجرين» من غزة
ويبدو أن القصة الرمزية تتكرر اليوم على أرض الواقع، إذ تسرب حكومة الاحتلال الإسرائيلي من وقت لآخر أبناء عن اتفاقها مع دولة أفريقية أو أكثر على استقبال «المهجرين» من غزة، بدعوى تهيئة الأمر للقضاء على حركة حماس في القطاع.
ونقلت وسائل إعلام مختلفة «بناء على تسريبات من مصادر سياسية إسرائيلية»، أن جهاز الاستخبارات (الموساد) ووزارة الخارجية الإسرائيليين يعملان سرا على إقناع حكومتي تشاد ورواندا باستقبال مهجَّرين من قطاع غزة.
خنزير في بالون اختبار
وتستخدم حكومة الاحتلال مثل هذه التسريبات لتهيئة المجتمع الدولي لقبول الأوضاع الحالية في غزة، إذا ما قورنت بالوضع الذي تروج له بتسريباتها بخصوص تهجير سكان غزة، ليبقى أمر التسريبات كبالونات اختبار تحوي داخلها «الخنزير» الذي يصبح الخلاص منه أمرا مريحا!
وتقول التسريبات إن إسرائيل عرضت مساعدات اقتصادية وعسكرية على الدولتين، لقاء استقبال عشرات الآلاف من المهجّرين الفلسطينيين، وأن إسرائيل ستعرض على فلسطينيي غزة «مغريات مادية للهجرة إلى البلدين الإفريقيين».
وكانت تقارير إعلامية سابقة، أفادت بأن إسرائيل أجرت محادثات سرية مع الكونغو وعدة دول أخرى، لقبول آلاف المهجّرين من قطاع غزة.
وذكرت صحيفة «زمان يسرائيل»، إن مسؤولين إسرائيليين أجروا بالفعل محادثات مع الكونغو، وقالوا إنها «ستكون مستعدة لاستقبال المهجّرين من غزة».
تسريبات إسرائيلية
وفي وقت أوضح فيه مصدر حكومي رفيع للصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين «يجرون محادثات مع دول أخرى لاستقبال مهجّرين»، نفى مسؤول إسرائيلي رفيع «آخر» صحة التقارير حول إجراء مباحثات مع الكونغو.
وقالت وزيرة الاستخبارات جيلا غمليئيل في الكنيست، الأسبوع الماضي، إن «على العالم أن يدعم الهجرة الإنسانية من غزة، لأن هذا هو الحل الوحيد الذي أعرفه»، فيما قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، إن «الترويج لحل يشجع على هجرة سكان غزة ضروري. إنه حل صحيح وعادل وأخلاقي وإنساني».
وادعى أن خروج الفلسطينيين من قطاع غزة «من شأنه أن يفتح أيضا الطريق أمام إعادة إنشاء مستوطنات يهودية في أراض فلسطينية»، معتبرا أن «تشجيع هجرة سكان غزة سيسمح لنا بإعادة سكان المناطق الحدودية و(كتلة) غوش قطيف».
وسبق أن قال وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إن المستوطنين اليهود يجب أن يعودوا إلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وإن فلسطينيي القطاع يجب أن يتم تشجيعهم على الهجرة إلى دول أخرى.
وفي المقابل، نددت الولايات المتحدة بتصريحات الوزيرين، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في بيان، إن بلاده «ترفض التصريحات الأخيرة للوزيرين التي تدعو إلى إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، واعتبر أن هذه التصريحات «تحريضية وغير مسؤولة».
وتقول تقرير لمجلة «جون أفريك» إن إسرائيل اختارت الكونغو، نظرا لأنها اتخذت موقفا مساندا لها عقب اندلاع الحرب على غزة.
وذكر التقرير أن من بين الدول الأفريقية التي ساندت إسرائيل أيضا كانت كينيا ورواندا والكاميرون، إذ أصدر الرئيس الكيني وليام روتو بياناً شديد اللهجة لإدانة هجمات الفصائل على إسرائيل وحث المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضدهم.
الموقف المصري
وقال السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية المصرية، بأن سامح شكري وزير الخارجية تلقى اتصالاً هاتفياً يوم 6 يناير الجاري من كاترين كولونا وزيرة أوروبا والشئون الخارجية الفرنسية.
وأوضح أبو زيد أن وزير الخارجية المصري أعاد التأكيد خلال الاتصال على رفض مصر القاطع لأية إجراءات أو تصريحات تشجع على مغادرة الفلسطينيين خارج أراضيهم.
وطالب الوزير بضرورة توقف التصريحات غير المسئولة والتحريضية التي تصدر بشكل متكرر عن بعض المسئولين الإسرائيليين في هذا الشأن، والتي أكد المجتمع الدولي والدول الكبرى والأمم المتحدة رفضها لها جملةً وتفصيلاً.
#بيان | تعرب وزارة الخارجية عن تنديد المملكة ورفضها القاطع للتصريحات المتطرفة لوزيرين في حكومة الاحتلال الاسرائيلي، واللذان دعيا لتهجير سكان غزة وإعادة احتلال القطاع وبناء المستوطنات. pic.twitter.com/A56DfJte1V
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) January 3, 2024
الموقف السعودي
وكانت وزارة الخارجية السعودية أعربت في بيان «عن تنديد المملكة ورفضها القاطع للتصريحات المتطرفة لوزيرين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، اللذين دعيا لتهجير سكان غزة وإعادة احتلال القطاع وبناء المستوطنات».
وأكدت المملكة أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي لتفعيل آليات المحاسبة الدولية تجاه إمعان حكومة الاحتلال الإسرائيلي، عبر تصريحاتها وأفعالها، في انتهاك قواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني.
عدد الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية وغزة
وكان جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني (PEBS) أعلن أن عدد الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية وغزة، قد بلغ 5.48 ملايين شخص، وهو ما يُشكِّل قرابة 38% من نسبة الفلسطينيين الذين بلغ عددهم 14.5 مليون شخص حول العالم، ما يعني أن 62% من الفلسطينيين يعيشون خارج أراضيهم، وهو وضع يعود بشكل أساسي إلى الحدثين الأساسيين في تاريخ القضية الفلسطينية اللذين رسّما الواقع على الأرض اليوم، حرب عام 1948 (النكبة) وما تبعها من حملات تهجير قسري حتى عام 1949، وحرب الخامس من يونيو عام 1967.
ووفق تقرير لـ«الجزيرة»، اعتمدت العصابات الصهيونية في عملية تهجيرها للفلسطينيين في عام 1948 بشكل أساسي على مجموعة من المجازر التي ارتكبتها بحق بعض القرى الفلسطينية، وحاولت من خلالها أن ترهب الفلسطينيين وتدفعهم إلى مغادرة أراضيهم، وهي حالة ساهمت فيها المذبحة بالتوازي مع البروباغندا التي ترافقت معها.
مذبحة دير ياسين النموذج الأساسي
وتُعَدُّ مذبحة دير ياسين النموذج الأساسي في هذا السياق، التي تعتبرها العديد من الدراسات حدثا مفصليا في تهجير الفلسطينيين عام 1948، واستمر الاحتلال بتهجير الفلسطينيين بوضوح إلى غاية منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
وتذهب الرؤية الإسرائيلية أنه «رغم كون عملية التهجير تواجه مجموعة من التحديات على الأصعدة السياسية والعسكرية والاجتماعية، فإنها تظل الخيار الأفضل لإسرائيل على المدى الطويل».
ويرى الاحتلال أن نموذج السلطة الفلسطينية، مع أنه يمكن احتماله، خيار لم ينجح تماما كما توضح تجربة حفظ الأمن في الضفة، كما أن نموذج التخلي عن الاحتلال ومغادرة الأراضي كما حدث في غزة لم ينجح أيضا، ما يُبقي خيار التهجير خيارا أخيرا ومفضَّلا للجانب الإسرائيلي، وهو خيار يواجه عوائق على ثلاثة مستويات رئيسية، وفق «الجزيرة».