«البديل المكسيكي» يربك العلاقات التجارية بين أميركا والصين
مع تراجع حصة الصين في السوق الأميركية وحلول المكسيك مكانها، تشير المعطيات التجارية الصادرة مؤخرا إلى احتمال فك الارتباط بين اقتصادي الولايات المتحدة والصين، أكبر شريك تجاري لواشنطن منذ عقد،
ورغم أن حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية يبلغ 800 مليار دولار، وهو رقم كبير يعكس وجود مصالح مشتركة. إلا أن الحديث يتكرر مرة تلو أخرى عن «فك الارتباط» أو «الحد من المخاطر» في ما يتعلّق بالصين، سواء داخل إدارة الرئيس جو بايدن أو لدى خصومه الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب، في عام يشهد انتخابات رئاسية يرجّح أن يشكّل ملف الصين أحد أبرز محاور النقاش المرتبطة بالسياسة الخارجية خلالها.
تراجع الحصة الصينية في أسواق أميركا
لكن الواقع ليس بالضرورة بهذه البساطة، بحسب ما يؤكد محللون، مشيرين إلى تنامي تعقيد سلاسل الإمداد التي تزيد من صعوبة الحد من التدفق التجاري بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. لا شك ظاهريا في وجود تباعد بين اقتصادي الولايات المتحدة والصين حاليا. من حيث القيمة المطلقة، لم تتراجع الواردات الصينية بشكل كبير لكن التراجع يعد كبيرا عندما يتعلّق الأمر بالحصة السوقية، حسب «فرانس برس».
وتوضح خبيرة الاقتصاد المتخصصة بالتجارة الدولية في جامعة كاليفورنيا كارولاين فرويند أن حصة الصين من الواردات الأميركية تراجعت من 22% عام 2017 إلى 16% اليوم. وقالت لفرانس برس «إنه تراجع كبير جدا في حصة الصين في الواردات الأميركية.. يعيدها إلى المستوى الذي كانت عليه الصين عام 2007، قبل الأزمة المالية العالمية». وأكدت أن «فك الارتباط يتم بلا شك»، مضيفة أن الأمر غير مرتبط بالضرورة بتراجع الواردات من الصين، بل هو نتيجة توسع التجارة بشكل متسارع مع شركاء آخرين على غرار المكسيك.
حصة الصين من الواردات الأميركية تراجعت إلى 16% مقابل 22% العام 2017
تظهر البيانات التجارية التي نشرتها وزارة التجارة الأميركية ازديادا لافتا في الواردات المكسيكية، وخصوصا بفضل الاتفاقية الأميركية المكسيكية الكندية. لكن المكسيك ليست الرابح الوحيد، إذ إن دولا آسيوية، وخصوصا فيتنام، تستفيد بشكل كبير من إعادة رسم مشهد التجارة عبر المحيط الهادئ.
ويقول سفير المكسيك السابق لدى واشنطن أرتورو ساروخان لفرانس برس «نعم، انتزعت المكسيك جزءا، لكن الجزء الأكبر من نقل الإنتاج بعيدا من الصين بات في تايوان وكوريا الجنوبية والهند وفيتنام». ويعود السبب الرئيسي في هذا الانتقال، بحسب المحلل من «دراغومان غلوبال» هنري ستوري، إلى أن هذه البلدان تستفيد من قربها جغرافيا من الصين وهي قادرة تاليا على جذب استثمارات صينية.
المكسيك تستفيد من ورقة الجغرافيا
شهدت فيتنام خصوصا ازديادا في صادراتها إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 21 مليار دولار في 2012 إلى 136 مليار دولار في 2022 لتصبح أحد أهم شركائها التجاريين، رغم أن معظم العمليات هناك تقتصر على التجميع النهائي.
زارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا الصيف الماضي حيث شددت على أهمية فيتنام في سلاسل الإمداد الأميركية بمعزل من الصين، ما يسلّط الضوء على التحوّل الكبير في العلاقات التجارية الأميركية. وبينما استخدمت صورة ليلين على دراجة «سكوتر» كهربائية تم تجميعها في فيتنام رمزا للزيارة، كشفت وسائل الإعلام الأميركية لاحقا أنه تبيّن أن معظم قطعها منتجة في الصين.
يصعب تعقّب مصدر المنتجات التي تدخل إلى الولايات المتحدة وإن كانت ملصقات «صُنع في» الشهيرة تدل على الدولة التي تمّت فيها مرحلة التجميع في معظم الأحيان. وبالتالي، يسهل على الشركات الصينية الالتفاف على القيود التجارية.
ويوضح ستوري أنه «على الرغم من أن الصين تخسر حصة في السوق، أعتقد أن الصادرات ما زالت إجمالا قوية جدا». وأضاف «منذ فرض دونالد ترامب الرسوم الجمركية في 2018، باتت المناطق ذات الصادرات الأكثر نموا هي المقاطعات الواقعة في وسط وغرب الصين».
بدورها، أشارت فرويند من جامعة كاليفورنيا إلى أن «حصة القيمة المضافة من الواردات الأميركية من الصين تراجعت أقل من الواردات المباشرة.. لذا، نحصل على واردات غير مباشرة من الصين عبر مناطق بينها المكسيك وفيتنام».
زيادة الاستثمارات الصينية في المكسيك
ويبدو انعكاس ذلك جليا في المكسيك، إذ تزداد الاستثمارات الصينية التي كانت حتى الآن منخفضة للغاية، في شكل كبير، ما يثير قلق واشنطن.
ويقول السفير السابق ساروخان إن «المكسيك معزولة إذا ما قورنت بباقي أميركا اللاتينية نظرا إلى أن البصمة الصينية في المكسيك بعيدة بأشواط عما هي عليه في بلدان أميركا الجنوبية التي تصدّر السلع الأساسية». وأضاف أنه على الرغم من أنها ليست دولة مصدّرة للسلع الأساسية، إلا أنه كانت هناك «زيادة في الاستثمارات الصينية في المكسيك».
تراقب واشنطن من كثب تطور هذه العلاقة. وخلال زيارة لمكسيكو مطلع ديسمبر، اتفقت جانيت يلين مع وزيرة الاقتصاد راكيل بوينروسترو سانشيز على تأسيس مجموعة عمل أميركية مكسيكية لتقييم الاستثمارات الصينية في البلاد، وخصوصا في قطاعات تعتبرها الولايات المتحدة رئيسية.