رئيس «الصحفيين» العمانية يتحدث لـ«خليجيون» عن ولي عهد السلطان والعلاقات مع السعودية (حوار)
مع احتفال سلطنة عمان بالذكري الرابعة لتولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في البلاد، يرى الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، ورئيس جمعية الصحفيين العمانية د.محمد بن مبارك العريمي أن البلاد تشهد تحولات إيجابية على كافة الصعد السياسية والاقتصادية.
وإذ يرى في حوار إلى «خليجيون» أن السلطان هيثم كان اختيارا موفقا من سلفه السلطان الراحل قابوس بن سعيد، فإنه يشير إلى استحقاقات مهمة أمام المسؤولين في البلاد، ومن أهمها تحديث تشريعات الصحافة وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى وإنشاء محكمة دستورية في البلاد.. وفيما يلي نص الحوار.
♦بعد 4 أعوام على توالي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، كيف ترى بنية النظام السياسي الحاكم في البلاد ما بعد السلطان الراحل قابوس بن سعيد؟
♦♦ في السابق، ورغم ما تناولته بعض الدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية عن استقرار النظام السياسي في البلاد في أواخر عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه -، خصوصا مع عدم وجود ولي للعهد، إلا أن العمانيين كانوا على ثقة في أن السلطة ستنتقل في البلاد بسلاسة، وأن السلطان قابوس سيخلف من بعده حاكما كفئا يعرفه جيدا، وخاض تجربة العمل في مؤسسات الدولة العمانية، وهو ما أثبتته الأحداث في العام 2020.
الدكتور محمد العريمي @DrMalaraimi
لـ #هنا_مسقط: الممارسات السياسية والدبلوماسية التي كان يمارسها النظام السياسي العماني، أثبتت للعدو قبل الصديق بأن النظام السياسي في عمان ليس لديه أطماع في أي دولة عربية.@zadg4 pic.twitter.com/NeiNvaiqPq— إذاعة مسقط | Muscat Fm (@RadioMuscat) December 31, 2023
وبعد وفاة السلطان قابوس في العاشر من يناير العام 2020، قدم النظام السياسي العماني درسا مهما في نقل السلطة للعالم أجمع، وعلى عكس توقعات البعض، جاء انتقالا سلسا وعبر آلية دقيقة وشفافة، وقع فيها الاختيار السديد على السلطان هيثم بن طارق، في مراسم شهدها العالم، ولقيت ارتياحا بالغا من العمانيين.
ولاية عهد سلطنة عمان أصبحت أكثر وضوحا من السابق
♦ التعديلات الأخيرة في الدستور العماني شرعنت وضع ولي العهد في البلاد، هل من الممكن تنصيب أول ولي عهد في تاريخ سلطنة عمان خلال الفترة المقبلة؟
♦♦ النظام الأساسي للدولة، الذي يعتبر دستور البلاد المكتوب، حدد من يتولى الحكم بعد شغور منصب السلطان، ونص على أن ولاية الحكم تنتقل «من السلطان إلى أكبر أبنائه سنًا»، وهو سمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، وسموه الآن يؤدي مهام حكومية وفاعل داخل وخارج عمان، ومؤخرا التقى السيد ذي يزن بنظرائه من أولياء العهد في الإمارات والبحرين ودول أخرى خارج النطاق الإقليمي، وهذا يعطي دالات مهمة.
تاريخيا، ومنذ منذ العام 1744، يقود النظام السياسي في البلاد آل بو سعيد التي اختارتها القبائل العمانية لتولي مقاليد الحكم، ومنذ ذلك الحين مضت تلك الأسرة العريقة في تسلسل تاريخي توارث الاستقرار في البلاد، وأدى سلاطينها أدوراهم، واليوم أقول بثقة «لن تكون ولاية العهد مشكلة، بل إنها أصبحت أكثر وضوحا من السابق، وفق آلية منظمة».
♦ وماذا عن السياسة الخارجية للبلاد ما بين عهدين؟
♦♦ السياسة الخارجية لسلطنة عمان رسخت دعائمها في سبعينيات القرن الماضي على قواعد وأسس متينة أرساها السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه-، واثبتت نجاعتها طوال الـ52 عاما الماضية، في إدارة علاقات عمان الإقليمية والدولية والخليجية، بفضل سياسة الحياد الإيجابي والتعاون والتفاهم.
الدكتور محمد العريمي @DrMalaraimi
لـ #هنا_مسقط: لا أعتقد بأن هناك حاكم عربي تحمل ما تحمله السلطان #قابوس -طيب الله ثراه- @zadg4 pic.twitter.com/XbV9xEpyLm— إذاعة مسقط | Muscat Fm (@RadioMuscat) December 31, 2023
وفي هذا السياق، أذكر مقولة للسلطان قابوس - رحمه الله- في زيارة لإحدى مؤسسات العمل الخارجي، إذ كان ينظر لخارطة العالم، وقال «أتمنى أن تقيم عمان علاقات دبلوماسية في كل عواصم العالم»، وهذا ما حدث بالفعل، إذ ترجمت السياسة الخارجية العمانية هذا النهج من خلال وزارة الخارجية والمؤسسات المعنية بالتعاون الدولي، وحصد هذا النهج علاقات دبلوماسية وسياسية ممتازة مع جميع دول العالم، أتاح لعمان مكاتة عربية دولية مميزة، ووضعها في مصاف الوسطاء الدوليين المهمين، ونقول على نحو حاسم، إن «عمان باتت تمتلك أدوات للتواصل السياسي مع أي عاصمة في العالم».
♦هل طرأ تغيير على هذا النهج الدبلوماسي في عهد السلطان هيثم؟
♦♦عندما تولي السلطان هيثم بن طارق الحكم في 11 يناير 2021، لقي حمولات دبلوماسية وحضارية بنيت خلال 50 عاما، ومن الذكاء السياسي أن تبنى الأنظمة على الإرث السياسي الإيجابي، والإرث السياسي لسلطنة عمان خلال نصف قرن كان إيجابيا وممتازا.
الدبلوماسية الاقتصادية نهج عماني جديد في عهد هيثم
بوجه عمان، فإن السياسات الخارجية للدول مرنة ومتحركة وليست ثابتة أو جامدة، وفي عمان بعد 11 يناير 2020، ألاحظ انفتاحا أكثر مع دول الخليج وتحديدا مع المملكة العربية السعودية، وهناك محاولة إلى أعلى درجة من التعاون الاقتصادي والاستثماري، إذ وجه السلطان هيثم المعنيين في وزارة الخارجية بتوظيف أدوات الدبلوماسية الاقتصادية والاستثمارية، وهناك تكليف مباشر للسفارات العمانية في الخارج ببذل جهد أكبر للترويج للاقتصاد والاستثمار العماني.
وهنا أعيد التأكيد على نشوء تحولات إيجابية في السياسية الخارجية العمانية، ومدخلات وفواعل طرأت على أدوات الدبلوماسية العمانية، سوف يكون لها أثر كبير خلال الـ4 أو 5 سنوات.
♦ على ذكر الدبلوماسية الاقتصادية والاستثمارية، هل استطاعت السلطنة الخروج من دائرة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد؟
♦♦ في بدايات حكم السلطان هيثم بن طارق، كانت البلاد تواجه تحديات اقتصادية صعبة، من بينها أسعار النفط المتدنية خصوصا مع تداعيات جائحة «كورونا» ليبلغ سعر البرميل 9.12 دولار في أبريل العام 2020، كما أن ديون البلاد بلغت 20.8 مليار ريال عُماني، وهو رقم ضخم مقارنة بمداخيل السلطنة.
وبلا شك أن حزمة الترتيبات الاقتصادية التي تبناها السلطان هيثم بن طارق على مدار 4 سنوات، أنقذت السلطنة من الكثير من السلبيات الاقتصادية الاستثمارية، بل وسجلت البلاد خلال العامين الماضيين تحسنا في المؤشرات الاقتصادية، إذ وعلى سبيل المثال، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصاد العُماني بنسبة 2.1% خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023 ليبلغ 17.04 مليار ريال عُماني مقارنة بنحو 16.7 مليار ريال عُماني خلال النصف الأول من 2022م، بل وتحدثت مؤسسات عالمية رفيعة المستوى مثل مؤسسة «موديز» للتصنيفات الائتمانية مؤخرا عن هذه المؤشرات الإيجابية.
إجمالا، فإن الاقتصاد العماني يمضي بمؤشرات إيجابية، ومشروعات اقتصادية واستثمارية واعدة، مع دراسة معمقة للأنظمة التشريعية الحاكمة هذا المربع الاقتصادي، يترافق مع انفتاح سياسي ودبلوماسي من خلال وزارة الخارجية والسفارات في العواصم الخليجية العربية والعالمية التي تجتهد لجذب الاستثمار.
لكن المشكلة أن العالم يواجه ركودا اقتصاديا، حتى في الدول الصناعية الكبرى، وأتمنى خلال الأربع والخمس سنوات أن يشهد العالم تحركا لوضع نهاية لهذا الركود، وأن نتتهي الصراعات الحروب في منطقتنا والعالم، وينتبه الساسة إلى التنمية والاستقرار والعمل الجيد لصالح الإنسان.
♦ بحكم موقعك رئيسا لمجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية.. ما مدى ملاءمة سقف الحريات الإعلامية للممارسة المهنية في سلطنة عمان؟
♦♦ حريات الإعلام في عمان «جيدة» وليست ممتازة، والأنظمة التشريعات القوانين التي تحكم الصحافة في عمان قديمة وتعود إلى الثمانيات القرن الماضي، وهناك إدراك من متخذي القرار في الحكومة أنها لا تتماشى مع المرحلة التي تعيشها عمان، ولن تستطيع مواكبة «رؤية عمان 2040»، كما أن الصحفيين في عمان يتطلعون إلى التوسع في الحريات، وهذا مطلب مهم.
ورغم ذلك أنا متفائل بالمستقبل، فالأنظمة والتشريعات التي تخص حرية الصحافة قيد دراسة مستمرة، وأتمنى أن تشهد تحديثا يتواكب مع التطور الذي يشهده البلاد.
♦ وماذا عن الإصلاح السياسي في البلاد، وتحديدا صلاحيات مجلس الشورى؟
♦♦ شهدت البلاد انتخابات مجلس الشورى العام الماضي وهو منتج مجتمعي صرف، لكن أتطلع إلى منح هذا المجلس صلاحيات أكبر، تمكنه من التشارك في العمل السياسي في سلطنة عمان.
ولاشك أن مسيرة الشورى في البلاد شهدت قفزات خلال العقود الماضية، لكن دائما الأحلام أكبر، إذ تحتاج البلاد نظاما شوري أكثر تطورا، وبنفس المقدار تبدو الحاجة ملحة إلى محكمة دستورية في عمان، وتوسيع المشاركة السياسية، وكلها متطلبات مهمة لتحقيق رؤية عمان 2040 التي صاغها السلطان هيثم بن طارق منذ 15 عاما.
وتبقى الأمنيات قائمة بطفرات اقتصادية وسياحية واستثمارية وانفتاحا سياسيا يحفظ لعمان مكانتها في الإقليم والعالم.
اقرأ أيضا:
كيف احتفل العمانيون بذكرى تولي السلطان هيثم الحكم؟ (صور)
بعد تقرير موديز.. عُمان أول دولة خليجية تصدر إطار عمل التمويل السيادي المستدام