إسرائيل تغتال المقاومة اللبنانية بـ«اتصالات مشبوهة»
تتلقى عديد الأسر في جنوب لبنان اتصالات من أرقام غير معروفة، يخبرهم المتصل بأنه مندوب مصرفي ويطلب حضروهم إلى البنك لتسلم مبلغ مالي، لكن ما إن تنتهي المكالمة بالحصول على مجموعة من المعلومات يكتشف اللبنانيون أنهم وقعوا ضحية مكالمة احتيالية مشبوهة، فلا الأموال في انتظارهم ولا المتصل لبناني من الأساس.
لم يكن هذا المحتال سوى إسرائيلي قلّد اللهجة اللبنانية، واستغل حاجة اللبنانيين للأموال لإغرائهم بأن انفراجة مالية على الأبواب، بغية الحصول على معلومات كافية حول عدد الأسر ومكان تواجدهم وتحركاتهم، لتجميع شبكة معلوماتية تفيد أجهزة الاحتلال حول تحرك عناصر المقاومة اللبنانية.
في واحدة من المكالمات الهاتفية، أخبرت سيدة لبنانية أنها غادرت برفقة أسرتها منزلهم في جنوب لبنان إلى المخيمات، وبعد دقائق تتابع على شاشات التلفاز منزلها وهو ينهار بقصف إسرائيلي.
الاحتلال يعتقد أن المنازل الخالية من الأهالي يتحصن فيها عناصر المقاومة اللبنانية التي تشن عمليات عسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ردًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ظاهرة الاتصالات المشبوهة
بدت ظاهرة الاتصالات المشبوهة معروفة لدى المجتمع اللباني، وهو ما التفت إليه حزب الله، ونبه المواطنين إلى عدم التجاوب مع تلك المكالمات، كونها احتيالية بغرض تحصيل معلومات ميدانية.
وأفادت وكالة «فرانس برس» بأن سكان من بلدات جنوبية عدّة، يتلقون اتصالات مشبوهة من متحدثين بلهجة لبنانية، يدعون خلالها أنهم من مؤسسات رسمية أو يقدمون مساعدات أو يجرون إحصاءات للاستعلام حول عدد أفراد العائلة وأماكن تواجدهم.
وفي بعض الأحيان، تعرّضت منازل عدة إثر هذه المكالمات لقصف إسرائيلي، وفق ما يؤكد سكان ومصدر أمني وحزب الله، حيث يروي حسن شقير، حفيد أم حسين (75 عاماً) أن اتصالاً ورد الى هاتف جده، من رقم لبناني بينما كان يأخذ قيلولة في 11 يناير الحالي في بيروت، بعد نزوحهم من مسقط رأسهم في بلدة الخيام على وقع استمرار القصف الإسرائيلي.
ويقول شقير «ردّت جدتي على الاتصال، فسألها إذا كان هذا رقم جدي»، مضيفاً «أبلغها المتصل انه من مصرف وأن ثمة مبلغ مالي يتعين عليهم قبضه، ثم سألها (أنتم في الخيام أم في بيروت؟)، لينتهي الاتصال بعدما أخبرته أنهم في بيروت، من دون أن يخطر على بالها فوراً ألا حساب مصرفي لديهم أساسًا».
بعد وقت قصير، تعرّضت بلدة الخيام لضربات إسرائيلية عدة، طال أحدها الحي حيث منزل العائلة، وفق ما يقول شقير.
هذه الحوادث تكررت كثيرًا خلال الأسابيع الأخيرة في جنوب لبنان، ما دفع حزب الله إلى التحذير من سعي إسرائيل إلى «تحصيل معلومات عن المقاومة وأماكن وجود مجاهديها في قرى الجنوب» عبر الاتصال بالسكان.
حزب الله تتبع مصادر المكالمات، ونبه إلى أن المتصل يحاول «استقاء معلومات حول أفراد عائلة المتصل به وأماكن وجودهم، أو معطيات مختلفة تتعلق بالمحيط»، موضحًا «يستغل العدو هذه المعلومات للتثبت من وضعية وجود الإخوة المجاهدين في بعض البيوت التي يعتزم استهدافها».
كاميرات وأجهزة تجسّس
وقال مصدر أمني لـ«فرانس برس» إن مخابرات الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي يتوليان التحقيق في الاتصالات المشبوهة التي ترد إلى لبنانيين من متصلين إسرائيليين يتمكنون من اختراق شبكة الاتصالات اللبنانية.
وبحسب المصدر، فقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك مرات عدة قبل استهداف منازل يتحصّن فيها مقاتلون من حزب الله، ما أوقع قتلى في صفوفهم.
ويشير إلى ضربة طالت منزلاً في قرية بيت ياحون في 22 نوفمبر وأودت بخمسة مقاتلين من حزب الله، بينهم نجل رئيس كتلته البرلمانية محمّد رعد.فقد تلقت صاحبة المنزل اتصالاً استفسر فيه المتصل عما اذا كانت العائلة في المنزل، ليتم استهدافه بعدها.
إلى جانب تحذيره السكان من مغبّة التجاوب مع الاتصالات المشبوهة والمبادرة الى الإبلاغ عنها، نبّه حزب الله في بيان آخر من اختراق إسرائيل كاميرات مدنية مثبّتة أمام المنازل والمتاجر والمؤسسات في القرى الحدودية «للاستفادة من المادة البصرية التي تؤمنها في جمع معلومات تتعلق بالمقاومة وحركة الإخوة المجاهدين لاستهدافهم». ودعاهم الى فصلها عن الانترنت «والمساهمة في إعماء العدو» عما يقوم به مقاتلوه في المنطقة.
ويروي أحد أبناء بلدة جنوبية، مقيم في بيروت، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لفرانس برس إنه تلقى اتصالاً من مسؤول محلي في حزب الله طلب منه إطفاء كاميرات مثبتة في محيط منزله وفصلها عن شبكة الانترنت للسبب ذاته. وقال إنه امتثل لطلبه.
ويقول حزب الله إن إسرائيل تلجأ إلى الاتصالات واختراق الكاميرات المدنية، بعدما تمكن مقاتلوه من استهداف عشرات أجهزة التجسس وكاميرات المراقبة المثبتة على أبراج وفي مراكز عسكرية إسرائيلية على طول الحدود مع لبنان، منذ بدء التصعيد.
وأوقفت القوى الأمنية ثلاثة لبنانيين بشبهات تجسس لعملهم لصالح شركات أميركية يُشتبه بارتباطها بإسرائيل. وقد تبيّن أن أحدهم أجرى «مسحاً لشبكات الانترنت المنزلي» في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله قرب بيروت، وفق المصدر الأمني. وقد ضُبط بحوزة الموقوفين جهاز متطور بالغة الدقة.
البنية التحتية للاتصالات غير مشفرة
يشرح مدير المحتوى الرقمي لدى منظمة «سمكس»، التي تُعنى بالحقوق الرقمية، عبد قطايا لـ«فرانس برس" أن اختراق الاتصالات والكاميرات المدنية مرده إلى أن البنية التحتية للاتصالات في لبنان تفتقر أدنى مقومات الحماية.
ويوضح أنّ كاميرات المراقبة الخاصة، المستوردة بغالبيتها من الصين، تكون موصولة عبر الانترنت ليتمكن مالكها من مراقبتها عبر تطبيق يحمّله على هاتفه الخلوي. وغالباً ما يكون الاتصال بالإنترنت والاتصالات الداخلية عبر الأرقام العادية والخلوية «غير مشفّر وبالتالي تسهل عملية الاختراق».
وتمتلك إسرائيل، وفق قوله، «تاريخًا طويلاً في تقنيات التجسّس ومعروف أن لديهم قدرات اختراق كبيرة في لبنان، تتخطى الاتصالات لتشمل أجهزة ومناطيد وأعمدة استشعار».
وتعرضت شاشات المغادرة والوصول في مطار بيروت الدولي وجرارات الحقائب في السابع من الشهر الحالي لاختراق سيبراني لم تتضح هوية الجهة التي نفذته.
وقال وزير الأشغال العامة والنقل حسن حمية حينها «العمل جار مع الأجهزة الأمنية لأن الخبرات في الامن السيبراني لا تملكها أي مؤسسة في الدولة اللبنانية».
اقرأ أيضًا:
«خليجيون»| لماذا يستهدف الاحتلال مزارع الزيتون بلبنان وفلسطين؟
«جنود الرب» تهدد حزب الله.. لبنان يتعثر في نفق تطرف مجهول
بيان رسمي يرد.. هل أوقفت البنوك العربية تعاملها مع لبنان؟
للمزيد: تابع خليجيون نيوز، للتواصل الاجتماعي تابعنا على خليجيون