«خليجيون»| «الصوفيون» المدد الغائب عن حميدتي والبرهان
جذبت الحرب الأهلية في السودان مكونات اجتماعية وثقافية وقبلية مختلفة، بينما بقي التيار الصوفي بعيدًا عن مشهد التجاذبات، مفضلاً دعوات التهدئة، قبل أن تنذر إشارات أخيرة بأنَّ «أصحاب المدد» يمكن أن يكونوا مددًا لطرفي الصراع الرئيسيين، فهل تسقط أوراق الحياد عن آخر فصيل سوداني؟
من جانبه اعتبر مصطفى إبراهيم، عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن توجيه عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، بتشكيل كتائب مشتركة من الجيش ومتطوعين للمشاركة في الحرب الدائرة في بلاده هو «نقل للأحداث الحالية إلى حرب أهلية، بإقحام حتى الطرق الصوفية في هذه الحرب»، متهمًا البرهان بـ«محاولة جر البلاد إلى حرب أهلية يشترك فيها المجتمع»، وفقا لوكالة الأنباء العربي.
توجيه بتشكيل كتائب شعبية
وكانت صحيفة «السوداني» السودانية ذكرت الأحد أن ياسر العطا، مساعد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وجّه بتشكيل تلك الكتائب وأمر حكّام الولايات وقادة الفرق العسكرية بالاستمرار في تسليح المتطوعين وإعدادهم وتدريبهم على كافة الأسلحة.
وأعلن البرهان مطلع الشهر الجاري ترحيبه بـ«المقاومة الشعبية، قائلا «سنسلّحهم، وأي سلاح عندنا سنعطيه لهم، لكن يجب أن يُقنن ويُسجل عند القوات النظامية، حتى لا يُحدث مشكلة مستقبلا».
وقال البرهان في كلمة أمام قوات الجيش في قاعدة جبيت العسكرية شرق السودان حينها «أي منطقة بها مواجهة، أو متوقع أن يذهب اليها العدو لينهب بيوتها، سنعطيهم السلاح وكان عندهم سلاح، يجيبوه (فليحضروه). السودان الآن في معركة يكون أو لا يكون والشعب في تحدٍ، أن يعيش بكرامة أو تحت العبودية والاستعمار».
وتنشط ما تُعرف بالمقاومة الشعبية في حشد الأهالي وتدريبهم على حمل السلاح في مناطق سيطرة الجيش السوداني، حيث انضم إلى صفوفها الآلاف في ولايات نهر النيل والشمالية شمال السودان، وسنار والقضارف وكسلا وبورتسودان في الشرق، والنيل الأبيض وسط البلاد، للمشاركة مع القوات المسلحة في معركتها ضد قوات الدعم السريع.
ولطالما تستعين السلطة السودانية بمشايخ الجماعات الصوفية لحل النزاعات، إذ تشكل قوة هائلة وتأثيرًا داخل المجتمع السوداني.
حمديتي: أنا ابن نقابة قرآن
وحاول قائد قوات الدعم السريع محمد حمد دقلو (حميدتي)، استقطاب التيار الصوفي لدعمه، ففي 18 أكتوبر 2023، ألقى كلمة أمام حشد جماهيري بمنطقة (ود السفوري) بالنيل الأبيض، قال فيها: «أنا ابن نقابة قرآن، ما قريت في جامعة الخرطوم أو هارفارد، وأحظى بدعم الصوفية في جميع أنحاء السودان، بل حتى على مستوى العالم».
وانتقد العديد من السودانيين على وسائل التواصل الاجتماعي تلك الكلمة، إذ أكدوا بعد الصوفية عن نشاط (حميدتي).
ويضم السودان نحو 40 طريقة صوفية والتي تعد بمثابة «ورقة هامة» لكل من طرفي النزاعي الذي يريد الإمساك والهيمنة بزمام السلطة، ومن المعروف أن الصوفيين في السودان لا يرغبون في الصدام برأس السلطة وجيش البلاد، ويشاركون في العملية السياسية حينما يطلب منهم ذلك.
مشايخ الصوفية يتدخلون بالدعاء ولقاءات التهدئة
ويؤكد الشيخ علي عبد المكرم أحد مشايخ الطرق التيجانية السودانية، في مداخلة هاتفية مع دويتشه فيله الألماني، أن الطرق الصوفية في السودان تعتبر طرفي النزاع في السودان إخوة، لافتا إلى أن مقاتلي الدعم السريع من أبناء الجيش السوداني وقد تمرد عليه مثلما يعصى الابن والده. ولفت إلى أن «كل ما توجهت به الطرق الصوفية كان تضرعا بالدعاء لرفع البلاء وحقن الدماء، داعيا إلى ضرورة الصلح بين المتنازعين».
ويقول الشيخ يوسف عز الدين البشير أحد أبناء الطريقة القادرية، إن هذه الحرب ليست على حق فإنما هي حق بين باطل وباطل، واصفا إياه بالمعارك العبثية، موجها بالدعاء لإنقاذ البلاد من تلك الحرب، حسبما صرح لدويتشه فيله
ويقول الصحفي السوداني محمد الأسباط إن «الطرق الصوفية لعبت دور في وقف إطلاق النار في مناطق عديدة في السودان، بالتعاون مع الإدارة الأهلية -قوة شعبية مؤثرة بين السودانيين- تمكنوا من تفعيل التهدئة بمناطق مدنية سواء كان ذلك في الضعين بشرق دارفورأو الفولة بغرب كردفان أو الدبيبات بجنوب كردفان ولحد كبير في الأبيض بشمال كردفان».
الصوفيون قوة سلام وليست أداة حرب
ورفض وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية الشيخ جابر قاسم، محاولات جرّ أي جماعات صوفية للانحياز لأي أطراف مسلحة، لافتا إلى أن القوة الصوفية لا يستهان بها نظرا لقدرة مشايخ تلك الطريقة على السيطرة الكاملة لكل المنتمين إليها.
ويقول قاسم في تصريح إلى «خليجيون»: «من الصعب إقناع الصوفيين في السودان بالانخراط في المعارك الأهلية الدائرة في بلدهم، إذ إنهم أصحاب مبادئ من شأنها حل النزاعات سلميا وليس بإهدار الدماء والتسبب في التخريب والدمار التي يرتكبها أصحاب المصالح».
وأشار إلى أن «المذهب الصوفي ينتهج تعاليم الرسول الكريم -محمد صلى الله عليه وسلم- في نشر المودة والمحبة والسلام- وليس التعصب والإرهاب»، منوها إلى أن «مصر استقبلت عدد كبير من الصوفيين السوادنيين ضمن النازحين ويتلقون كل الدعم من مشايخ الصوفية هنا».
وفي ديسمبر من العام الماضي، زار وفد صوفي سوداني من مشايخ وقبائل السودان القاهرة، إذ وجهوا الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على جهوده لإقرار السلام.
من هم الصوفية
ترجع كلمة (الصوفية) إلى التصوف والزهد في الدنيا، ومن أهم أركان التصوف الإقبال الكبير على العبادات الواجبة والمستحبة واجتناب المعاصي والذنوب، كما أنهم اشتهور بحلقات الذكر و الأناشيد الدينية والتمايل مع سماعها في حفلات عديدة.
ومنذ سنوات أكد شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، أن المنهج الصوفي الصحيح قادر على مواجهة التحديات التي تحيط بالأمة الإسلامية، وأن المجتمعات الإسلامية باتت في حاجة ماسة إلى كل ما يعيد إليها منظومة القيم الأخلاقية وتقويم السلوكيات الفاضلة بمختلف المجتمعات والثقافات.
وأكد الطيب، في بيان، أن «أهل التصوف الصحيح قادرون على إعادة منظومة القيم الأخلاقية إلى المجتمعات في ظل حالة الانفلات الأخلاقي التي يشهدها المجتمع الإسلامي».
اقرأ أيضًا
«البراميل المتفجرة» تعقد «الحل الأفريقي» في السودان
«خليجيون» خاص| من المسؤول عن انسداد الأفق السياسي في السودان؟