أميركا تغازل أمن ساحل غرب أفريقيا بـ45 مليون دولار
وسط أجواء عدم ارتياح عام تسود قارة أفريقيا مع زيارة الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لأربع دول في ساحل غرب أفريقيا، إلا أن الوزير الأميركي حاول مغازلة أمن المنطقة بتقديم تمويل إضافي قدره 45 مليون دولار للمساعدة في التصدي لما توصف بـ«الصراعات وتحقيق الاستقرار» في منطقة ساحل غرب أفريقيا.
ويشعر كثيرون في إفريقيا بعدم الارتياح حيال الاهتمام البالغ الذي توليه الولايات المتحدة للشرق الأوسط وأوكرانيا وعدم إيفاء الرئيس جو بايدن بوعده بزيارة القارة عام 2023، يسعى بلينكن لإظهار وجه أكثر وديّة للولايات المتحدة خلال الجولة. وفي آخر زيارة قام بها إلى المنطقة في مارس 2023، بات بلينكن أرفع مسؤول أميركي على الإطلاق يزور النيجر، في محاولة للتعبير عن الدعم لرئيسها المنتخب محمد بازوم. لكن بعد أربعة أشهر، أطاح الجيش النيجري ببازوم وأجرى رئيس الوزراء المعيّن من قادة الانقلاب علي محمد الأمين زين زيارة إلى موسكو الأسبوع الماضي سعيا لتعزيز التعاون.
Productive meeting today with President @AOuattara_PRCI and Foreign Minister Adom to discuss how the U.S. is delivering on commitments made during the U.S.-Africa Leaders Summit and advancing our growing partnership. pic.twitter.com/dL0x0robYl
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) January 23, 2024
وفي ساحل العاج، وعد بلينكن بتعزيز التعاون مع الدول الواقعة في غرب القارة، مشيرا إلى تدريب قواتها الأمنية، رغم أنها لم تشهد ساحل العاج هجوما إرهابيا كبيرا على أراضيها منذ عامين، وعدت دراسة صدرت عن «مجموعة الأزمات الدولية» العام الماضي أن الفضل في ذلك يعود إلى النهج المزدوج الذي اتُّبع في عهد وتارا والقائم على نشر قوات قرب الحدود مع مالي وبوركينا فاسو مع الاستثمار في التنمية الاقتصادية لشمال ساحل العاج والتركيز على توفير فرص للشباب وتمكين النساء.
وبعد انشغال مؤخرا بالأزمة في الشرق الأوسط، فقد حط بلينكن في المحطة الثانية من جولته الأفريقية التي تشمل أربع دول وهي الرأس الأخضر وساحل العاج ونيجيريا وأنجولا في الفترة من 21 إلى 26 يناير. وتستهدف رحلته الأولى إلى إفريقيا جنوب الصحراء منذ 10 أشهر، بحث الشراكات الأميركية الأفريقية في التجارة والمناخ والبنية التحتية والصحة والأمن وغيرها. وتأتي بعد قمة في واشنطن مع زعماء أفارقة عقدت في ديسمبر 2022.
بلينكن وتحديات أمنية في غرب أفريقيا
والتحديات الأمنية في غرب أفريقيا وتداعيات الانقلاب في النيجر العام الماضي ونفوذ روسيا المتزايد في المنطقة من بين الموضوعات الرئيسية خلال رحلة بلينكن. ووصل بلينكن إلى أبيدجان، العاصمة المالية لساحل العاج، مساء يوم الاثنين والتقى بالرئيس الحسن واتارا صباح اليوم الثلاثاء، ثم أعلن عن التمويل الإضافي في مؤتمر صحفي مشترك. وقال بلينكن «أنفقنا وقتا كثيرا في مناقشة التحديات الأمنية المشتركة.. .نقدر قيادة ساحل العاج في الحرب ضد التطرف والعنف».
وسيكمل هذا التمويل 300 مليون دولار استثمرتها الولايات المتحدة بالفعل في منطقة ساحل غرب أفريقيا على مدى العامين الماضيين. وأضاف بلينكن «عززنا التدريب العسكري 15 مرة ونستثمر في الحماية المدنية في ساحل العاج». وقال واتارا إن الأمن في المنطقة ما زال يشكل تحديا. وأضاف «لهذا السبب نقدر للولايات المتحدة دعمها في مجال المخابرات ومكافحة الإرهاب».
Today I met a passionate scientist, a young female farmer, and a talented group of manufacturers who, with the support of @AfDB_Group and @AfricaRice, are working to improve food security, develop climate resilient technologies, and create sustainable economic growth in Abidjan. pic.twitter.com/109KYRasSw
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) January 23, 2024
وإذ أشاد بلينكن بموقف ساحل العاج من انقلاب النيجر العام الماضي ونهجها في ما وصفه بـ«تحقيق الأمن معاً» عن طريق الاستثمار اقتصاديا في محاربة التطرف في مناطق شمالية محاذية لمالي وبوركينا فاسو، فإنه قال «أعتقد أن ذلك يمكن أن يكون بمثابة نموذج قوي جدا لدول أخرى». أما وتارا فقدر عبر عن تقديره للمساعدة الأميركية مبديا القلق إزاء عدد من الانقلابات في غرب إفريقيا. وقال «على غرار الولايات المتحدة، نحن ملتزمون بالديموقراطية والعدالة» متعهدا أن تبذل حكومته «كل ما بوسعها لتحسين حياة الناس».
ورغم توتر تشهده مناطق واسعة من القارة على خلفية تركيز الغرب على تسليح أوكرانيا، ومؤخرا، دعم الولايات المتحدة للعدوان الإسرائيلي على غزة، فقد وقفت نيجيريا وساحل العاج إلى جانب الولايات المتحدة إلى حد كبير، وكذلك كينيا الشريك الرئيسي الآخر.
وتأتي مواقفهما على نقيض قوة أخرى هي دولة جنوب إفريقيا، التي تتهمها الولايات المتحدة بالسماح بإرسال إمدادات أسلحة إلى روسيا، والتي أزعجت واشنطن مؤخرا برفعها دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بالإبادة.
لن يتوجه بلينكن إلى جنوب إفريقيا في هذه الجولة، لكنه سيزور أنغولا التي انتقلت من الحرب إلى الديموقراطية ولعبت دورا محوريا في التوسط لوضع حد للاضطرابات في جمهورية الكونغو المجاورة
بلينكن ودبلوماسية كرة القدم
وحين توقف بلينكن في الرأس الأخضر، الشريك القديم للولايات المتحدة. فقد سعى بلينكن لإظهار جانب أكثر ودية خلال جولته بحضوره أمس الإثنين مباراة في كرة القدم ضمن منافسات كأس أمم إفريقيا بين ساحل العاج وغينيا الاستوائية، وقدم له مضيفوه في ساحل العاج قميصا برتقالي اللون للمنتخب يحمل اسمه.
خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة، توجه بلينكن إلى النيجر لدعم الرئيس المنتخب محمد بازوم. بعد أربعة أشهر أطاح الجيش بازوم. وطرد قادة الانقلاب قوات فرنسا، لكنهم سمحوا بتواجد 1000 جندي أميركي يستخدمون صحراء النيجر قاعدة لمسيّراتهم في الحرب ضد المسلحين. غير أن قادة الانقلاب تقربوا من روسيا التي تتواجد مجموعتها المسلحة فاغنر في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، وفي بوركينا فاسو بحسب تقارير.
Thank you @USEmbAbidjan for a very warm and vibrant welcome! Their work is invaluable to strengthening our partnership with Côte d’Ivoire. pic.twitter.com/UXux3AvHTm
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) January 23, 2024
وعارضت نيجيريا أيضا الانقلاب في النيجر والتقى رئيس نيجيريا بولا تينوبو الرئيس بايدن في سبتمبر على هامش قمة مجموعة العشرين في الهند، لكن زيارة بلينكن تمثل انخراطا أميركيا أكثر شمولا على أعلى المستويات معه. ومن غير المتوقع توجيه إشادة مماثلة لتينوبو لنهجه في التصدي للتطرف، لكن الولايات المتحدة رحبت بدعوة تينوبو لإجراء تحقيق بعد أن أدت غارة بمسيرات تابعة للجيش النيجيري إلى مقتل 85 مدنيا عن طريق الخطأ.
فاغنر في قلب زيارة زيارة وزير الخارجية الأميركي
وتتعاون مجموعة المرتزقة الروسية النافذة فاغنر المعروفة مع مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. يشتبه أيضا بأنها تتعاون مع بوركينا فاسو. وحذّرت الولايات المتحدة النيجر من حذو حذو هذه الدول الثلاث.
لعبت النيجر دورا رئيسيا في جهود واشنطن للتصدي للتكفيريين الذين أثاروا اضطرابات في منطقة الساحل إذ تشيّد الولايات المتحدة قاعدة بقيمة 100 مليون دولار في مدينة أغاديس الصحراوية لتشغيل أسطول من المسيّرات منها. وما زالت القاعدة قائمة والقوات الأميركية متواجدة في النيجر لكن واشنطن تبحث عن خيارات في بلدان أكثر استقرارا في المنطقة مع تضاؤل الآمال حيال إمكانية إعادة الحكومة الديموقراطية في النيجر حيث طرد زعيم الانقلاب فيها قوات فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة الحليفة للولايات المتحدة. وأكد قائد سلاح الجو الأميركية لأوروبا وإفريقيا الجنرال جيمس هيكر أواخر العام الماضي أنه يتم بحث «عدة مواقع» أخرى في غرب إفريقيا لإنشاء قاعدة جديدة للمسيّرات.
وأعلنت إدارة بايدن العام الماضي عن خطة لعشر سنوات لدعم الاستقرار ومنع النزاعات في بنين وغانا وغينيا وساحل العاج وتوغو. وتدعو الخطة إلى تركيز المساعدات الأميركية على التشجيع على التماسك الاجتماعي والاستجابة الحكومية، في تخل واضح عما وصفته بالنهج «الأمني بشكل مبالغ فيه» في الساحل. ولطالما حظي أرخبيل الرأس الأخضر الناطق بالبرتغالية والمطل على الأطلسي والذي يعد حوالى نصف مليون نسمة بإشادات الولايات المتحدة لوضع الديموقراطية فيه.
والشهر الماضي، أكدت «مؤسسة تحدي الألفية» التي توفر مساعدات أميركية للدول المستوفية معايير الديموقراطية بأنها ستتعاون مع الرأس الأخضر على عقد جديد سيكون الثالث بين الطرفين، وفي هذا الإطار منحت الولايات المتحدة الرأس الأخضر مبلغا قدره حوالى 150 مليون دولار عبر حزمتين سابقتين شملتا توسيع الميناء في العاصمة برايا وتحسين الطرقات وبناء أنظمة للمياه والصرف الصحي.
اقرأ المزيد:
بلينكن يستكشف توترات الساحل الأفريقي بـ«دبلوماسية كرة القدم»
آخر محطات بلينكن الخليجية.. تطورات جديدة بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية