«إنجاز» قانوني أو فرصة ضائعة.. كيف استقبل الفلسطينيون قرار «العدل الدولية»؟
تأرجحت آراء الفلسطينيين حيال قرارإعلان موقف محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا بين إنجاز قانوني وفرصة ضائعة لوقف النار في عيون نازحي غزة.
وأصدرت محكمة العدل الدولية أمس قرارا يطالب إسرائيل باتخاذ كافة التدابير لمنع ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة ومحاسبة مرتكبيها وتحسين الوضع الإنساني في القطاع، وسط رفض إسرائيلي وترحيب عربي ودولي واسع بالقرار.
كما طالبت المحكمة إسرائيل بأن يكف جيشها على الفور عن ارتكاب أي من هذه الممارسات، وهو ما اعتبره المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا كلايسون مونيلا أمرا «فعليا» لإسرائيل بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة.
في أحد مقاهي دير البلح وسط قطاع غزة، كان عدد كبير من الفلسطينيين يُتابعون تفاصيل إعلان موقف محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا عبر شاشة تلفزيون وحيدة. كان ذلك المقهى، الذي تتوفر لديه الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، يعجّ بالزبائن على غير العادة، فهو يملك الذي القدرة على تشغيل شاشته التلفزيونية في وقت انصرف فيه كثيرون غيرهم إلى هواتفهم الجوالة لمتابعة حيثيات قرار المحكمة عبر أثير إذاعات محلية لبعض الفضائيات العربية.
انتصار لحقوق الضحايا الفلسطينيين؟
لم يتوقف الجدل بين الحضور الكبير في ذلك المقهى بشأن جدوى قرارات المحكمة، التي وجهت دعوات متعددة لإسرائيل في جوانب مختلفة، خاصة بعد انتهاء البث المباشر للقرارات دون إعلان محدد عن قرار مُلزم يوقف الحرب.
وبينما يعبّر البعض عن امتعاضهم لعدم تضمين قرارات المحكمة في لاهاي ما يُجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار ويمنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس بعد 112 يوما من الحرب، كان هناك من يرون الادعاء على إسرائيل وسير المحكمة في حيثيات التحقيق بشأن ارتكاب إبادة جماعية في القطاع انجازا قانونيا في ذاته قد يمهّد للانتصار لحقوق الضحايا.
يصف محمد قنديل (27 عاما) ما حدث في المحكمة بأنه «إجراءات قانونية تقليدية لن تُغير من واقع الحال شيئا، إلا إذا قورنت بعمل سياسي كبير فلسطينيا وعربيا ودوليا ضاغطا يغيّر مسار الحرب الراهنة نحو التوقف ولو تدريجيا».
ويعتبر قنديل، النازح من شمال القطاع إلى دير البلح منذ 80 يوما، قرارات المحكمة «لا تحمل طابعا إلزاميا يمكن أن يحجم إسرائيل وجيشها عن المضي قدما في قتل المدنيين الفلسطينيين أو وقف عمليات التدمير الممنهج للمنازل والمباني والمرافق والبنى التحتية».
ويقول لوكالة أنباء العالم العربي إن «مخرجات المحكمة «جعلت توقعات الفلسطينيين بإنهاء الإبادة الحالية بحقهم أقرب إلى الآمال والأمنيات منها إلى الحقيقة، عبر صياغة تمنح إسرائيل فرصة واسعة للمراوغة» معتبرا أن «حالة إحباط سادت بين الفلسطينيين بعد الإفصاح عن قرارات لاهاي».
صدمة قرار «العدل الدولية»
وكان الفلسطيني يوسف عبد العال (25 عاما) يُمنّي النفس بعودة عائلته لمنطقة سكناه بمدينة غزة بعد نزوحه منها قبل 105 أيام بناء على قرارات تصدر عن محكمة العدل الدولية تلزم إسرائيل بالسماح للنازحين من غزة وشمالها بالعودة، لكنه يرى أن القرار شكّل صدمة بالنسبة له. وقال يوسف لوكالة أنباء العالم العربي إنه فوجئ بأن «الواقع خالف المتوقع وبمستوى أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب على صعيد وقف الحرب أو تحقيق تهدئة ولو مؤقتة».
وبينما يؤكد يوسف، الذي كان يحجز مقعده في مقدمة المقهى على مقربة من التلفزيون، أن الجميع كانوا متحمسين ويتابعون تطورات المحكمة منذ اللحظة الأولى لتقديم جنوب أفريقيا الملف إليها، فقد اعتبر أن الحديث عن القيمة القانونية والحقوقية لما تحقق «لا يوجد له رصيد في الواقع أمام الهجمة والحرب التدميرية التي يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي». ويضيف «النازحون والمعذبون والمنكوبون يريدون وقف المذبحة بحقهم، وليس مجرد تراكم قرارات قضائية على أهميتها، بقدر معاناتنا التي تفوق الخيال كان التوقع كبيرا وكانت الخيبة كذلك».
وتساءل «كيف يمكن إلزام إسرائيل بهذه القرارات وقد أعلنت استمرار الحرب؟ أين الجهات القانونية الدولية والمؤسسات الأممية من إنقاذنا من هذه المحرقة؟ هل يتوقع أحد ألا توفر أميركا غطاء لإسرائيل لمزيد من الجرائم ضدنا؟».
المحامي الفلسطيني فواز الخالدي (45 عاما)، ورغم ثنائه على «الدور القانوني والإنساني غير المسبوق لجنوب أفريقيا التي تبنت قضية الإبادة الجماعية للفلسطينيين أمام محكمة لاهاي وتحملت تبعات ذلك سياسيا»، وصف بدوره مخرجات المحكمة بأنها «مهزلة بمعني الكلمة وليست إجراءات احترازية».
شريعة الغاب.. تحكم
ويقول الخالدي «اليوم يُصرّح العالم بأنه لا يوجد مكان للقانون الدولي الإنساني أو لحقوق الإنسان وإنما تطبق شريعة الغاب.. .بذلك يستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل ما أوتي من قوة وبدعم أميركا ودول أخرى في الفتك بأبنائنا ومبانينا ومرافقنا وكل مكونات حياتنا». ويضيف «نحن ضحايا لكل شيء وليس لنا إلا الله عز وجل»، مشيرا إلى أن الحيثيات القانونية كانت تستدعي وقف الموت بحد أدنى وإدانة صريحة لما تقوم بها إسرائيل بحق المدنيين أسوة بجرائم مماثلة حوكمت دول وقادة عليها.
بينما لا يختلف الفلسطيني هشام شلدان (52 عاما) في رأيه كثيرا عن سابقيه من حيث اعتباره أن إسرائيل تُفلت بحسب وصفه من أي التزام قانوني أو سياسي إزاء الحقوق الفلسطينية طوال هذه العقود، فقد اعتبر أن مجرد عرض إسرائيل على المحكمة بتهم الإبادة الجماعية يمثل «انتصار أوليا للضحايا وهزيمة قانونية وسياسية وإعلامية أمام العالم».
هشام، الذي كان يُمسك بهاتفه ليستمع عبر موجة إذاعية إلى قرارات المحكمة، يؤكد أن ما حدث يُمثّل «إدانة كبرى لإسرائيل أمام العالم، تُعدّ الأكثر وضوحا قياسا بمرات سابقة». وقال إنه يمكن البناء على هذه القرارات وتطويرها، متوقعا ألا تنتهي القضية «إلا بتحميل إسرائيل المسؤولية القانونية وتداعياتها للجرائم التي اقترفتها خلال الحرب الحالية على غزة».
اقرأ المزيد:
رغم الإشادة.. تحفظ كويتي واحد على قرار «العدل الدولية» بحق إسرائيل