السودان.. خلاف قادة الجيش والجوع يهددان بـ «وضع كارثي»
بين صراع واقتتال ومحاولة انقلاب عسكري تم نفيها لكن لم تنفي خلافات عميقة بين قيادات الجيش، وصولا لقطع الاتصالات و«شبح جوع» يزحف، يصارع السودان ليخرج من أزماته المدمرة وسط نسيان دولي، حذرت منه الأمم المتحدة ذاتها.
نفى مصدر بالجيش السوداني أمس الثلاثاء تقارير عن وقوع محاولة انقلاب في منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال مدينة أم درمان، متهما جماعة الإخوان المسلمين بتسريب هذا النبأ «الكاذب».
وبينما أكد المصدر لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) اعتقال الاستخبارات العسكرية ضباطا كبارا، فقد أشار إلى أن «الخطوة ليست وليدة اللحظة وإنما تحدث منذ أشهر».
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن أغلب الضباط الذين يتم اعتقالهم «هم قادة ميدانيون يختلفون مع القيادة العليا في التكتيكات المتّبعة في المعارك ضد قوات الدعم السريع، حيث يرى القادة الميدانيون أن القيادة العليا تتباطأ في حسم المعركة».
وذكر أن القادة الميدانيين يرون ضرورة الانفتاح الكامل والهجوم الشامل من ثكنات الجيش نحو مناطق سيطرة الدعم السريع، خصوصا في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وأم درمان وبحري، «بينما ترى القيادة العليا أن الانفتاح الكامل فيه مجازفة كبيرة، كما أن حدوث أي تعثر للهجوم الشامل يشكل تهديدا حقيقيا لثكنات الجيش ومراكز السيطرة والتحكم».
سياسة النفس الطويل
واعتبر المصدر أن «التكتيك الأمثل هو النفس الطويل وإرهاق قوات الدعم السريع واستنزافها».
كانت صحيفة (السوداني) قالت في وقت سابق إن استخبارات الجيش اعتقلت عددا من الضباط بمنطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان بتهمة «الإعداد لانقلاب»، ونقلت عن مصادر لم تُسمّها القول إن حملة الاعتقالات «استهدفت ضباطا نشطين في إدارة العمليات بأم درمان بصورة خاصة».
غير أن المصدر العسكري أوضح لوكالة أنباء العالم العربي أن القادة الميدانيين الذين جرى اعتقالهم «كانوا يتحدثون عن القيادة العليا بسوء على الملأ أمام الضباط والجنود، وفي بعض الأحيان يتصرفون من أنفسهم في المواجهات مع قوات الدعم السريع».
تنظيم الإخوان متهم
وأشار إلى أن «تنظيم الإخوان المسلمين داخل الجيش ليس بعيدا من هذا الخلاف، فالتنظيم يدعم القادة الميدانيين ورؤيتهم العسكرية والميدانية».
وأكد على أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان «حتى الآن ناجح في السيطرة على قوات الجيش" مشددا على أن الاعتقالات التي تحدث "تعزز سيطرته وقبضته على القوات المسلحة».
وذكر المصدر العسكري أن الاعتقالات لم تحدث خلال اليومين الماضيين فقط، لكن «هناك جهة سرّبت خبر الانقلاب الذي وصفه بالكاذب من أجل حدوث ضجة إعلامية ورسالة للرأي العام بأن الجيش غير راض عن البرهان وقيادته العليا».
وتابع «من يقف وراء هذا هم الكيزان»، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وكان الفريق أول ياسر العطا، عضو مجلس السيادة السوداني ومساعد القائد العام للجيش، قال في وقت سابق إن منطقة أم درمان ووادي سيدنا «في أعلى مستويات التنسيق وتعملان بقوة لتحقيق النصر وليس هناك أي حديث بخلاف الانتصار» وفقا لما نقلته عنه الصفحة الرسمية للقوات المسلحة السودانية على موقع فيسبوك.
أضاف العطا «الدولة والقوات المسلحة ترتّبان لما بعد اكتمال الانتصار والانتقال إلى خارج الخرطوم حتى أم دافوق.. .القوات المسلحة كلها خلف القائد، وهي والقائد أمام الشعب، والجيش السوداني هو كيان قوي سيُحقّق ويلبي أشواق ورغبات الشعب».
اتفاق المساعدات الإنسانية
في نفس السياق أعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أن طرفي النزاع السوداني اتفقا على عقد اجتماع على الأرجح في سويسرا لبحث مسألة إيصال المساعدات الإنسانية، لكن موعده لم يحدد بعد.
وأطلقت الأمم المتحدة نداءا لجمع 4، 1 مليارات دولار للاستجابة في العام 2024 للحاجات الإنسانية لدى سكان السودان الذي يشهد حربًا أهلية وكذلك لدى السودانيين الذين فرّوا إلى خمس دول مجاورة.
ومنذ 15 أبريل 2023، يدور قتال في السودان بين القوات الموالية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي. وفشلت الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى مفاوضات سلام حتى الآن.
نقص فادح
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث لصحافيين في جنيف إن «النقص في الوصول إلى (المساعدات الإنسانية) فادح».
وأضاف «من الضروري أن نتمكن في المستقبل القريب من الوصول إلى ممثلين معتمدين لكلا الجيشَين حتى نتمكن من التفاوض بشأن إيصال المساعدات الإنسانية وتحريك القوافل والوصول إلى الأشخاص الذين لا نستطيع الوصول إليهم وإيصال المساعدات للأشخاص الذين يحتاجون إليها».
وتابع «خلال الأسبوعين الماضيين، أجريت اتصالات مع القائدَين العسكريَين» قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وخصمه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "لضمان الوفاء بالتزامهما" بشأن إيصال المساعدات.
وأشار إلى أنه تمت دعوتهما لاجتماع ترعاه الأمم المتحدة بين ممثلين للطرفين المتحاربين في السودان لبحث إيصال المساعدات الإنسانية لسكان السودان الذين يحتاج نصفهم تقريباً، أي حوالى 25 مليون شخص، للمساعدة.
وأكد «أن كلًّا منهما قال نعم وأعرب عن سعادته بالحضور»
مضيفًا «لكنني أنتظر تأكيد موعد ومكان" الاجتماع، مشيرًا إلى أن الطرفين "اقترحا المجيء إلى سويسرا».
وأعرب غريفيث عن أمله أن يتم هذا الاجتماع حضورياً، وعن استعداده لتنظيم أول اتصال «افتراضي» اعتبارا من الأسبوع المقبل.
وعلى مدى أشهر، امتدت رقعة القتال إلى ولاية الجزيرة التي كانت تعتبر سلة غذاء البلاد قبل الحرب، ولم يستثن الجوع أحداً من السكان بحيث يواجه حوالى 18 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد حاليًا أزمة حادة، بحسب الأمم المتحدة.
الوضع خطير جدًا
يحتاج ما يصل مجموعه إلى 25 مليون شخص أي نصف عدد سكان السودان، إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة في واحدة من أفقر دول العالم.
وحذّر غريفيث من أن «نصف هؤلاء (الـ25 مليونا) هم أطفال. إذًا الوضع خطير جدًا».
وأصبحت نحو 75% من المرافق الصحية في الولايات السودانية التي يطالها النزاع خارجة عن الخدمة، في حين تتفشى أمراض مثل الكوليرا والحصبة والملاريا.
انقلاب فاشل وقتال يتجدد واتصال مقطوع.. السودان إلى أين؟
هل تتمكن المعارضة الموريتانية من «زحزحة الغزواني» عن الرئاسة؟