«أين تسكن؟».. الأردن يتخذ إجراء لمكافحة غسل الأموال
«أين تسكن؟ ما اسم الشارع؟ رقم المبنى؟ في أي طابق؟ وما رقم الشقة؟».. أسئلة ستواجه كل من يرغب في تحويل مبالغ مالية، وإن كانت بسيطة، في البنوك ومحال الصرافة الأردنية، كما سيطلب الموظف أيضا معرفة علاقة الشخص بمستقبِل الحوالة قبل أن ينفّذ تلك العملية.
كل هذه الأسئلة الكثيرة هي متطلبات إلزامية، وضعها البنك المركزي الأردني على أي نوع من التحويل المالي، سواء كان التحويل إلى داخل المملكة أو إلى خارجها، وجميعها تتعلق بعمليات مكافحة غسل الأموال المعتمدة من قبل الجهات المعنية في المملكة.
بشير عارف، وهو مدير إحدى شركات تمويل المشاريع في الأردن، أوضح لوكالة أنباء العالم العربي أن معاملات السحب والإيداع لدى البنوك وتنفيذ أو استقبال الحوالات من قبل الشركات المالية من الطرق الشائعة لغسل الأموال أو تمويل عمليات غير مشروعة في أي دولة.
وقال إن الأموال الآتية من مصادر مشبوهة، كـتجارة المخدرات أو السلاح، يحاول أصحابها إدخالها إلى النظام المالي في الدول عن طريق البنوك وشركات التمويل والصرافة ومن ثم سحبها بطريقة طبيعية. أشار أيضا إلى أن استخدام هذه الأموال لشراء عقارات وبيعها بأقل من أثمانها السوقيّة، أو شراء مجوهرات، من الطرق التي يتم من خلالها تبييض الأموال.
رفع مستوى الرقابة في الأردن
يعتبر عارف أن السبب في رفع مستوى الرقابة والتدقيق على تلك الحوالات من قبل المؤسسات المالية الرقابية في المملكة هو أن الحوالات المالية تكون المستخدمة غالبا في نقل الأموال المشبوهة. وأشار إلى أن عمليات ضبط مثل هذه الحوالات تكون مرهونة بمدى التزام المؤسسات المصرفية أو الشركات بمعايير وضوابط الرقابة المالية في الدولة وأيضا المعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومن أهمها توثيق المعلومات الشخصية للأفراد أو الشركات التي تقوم بتنفيذ تحويلات إلى أشخاص أو مؤسسات أخرى.
ووفقا لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن البنوك، وشركات الصرافة وتحويل الأموال، والشركات الخاضعة لرقابة وترخيص هيئة الأوراق المالية وهيئة التأمين، والجهات التي تقدم الخدمات البريدية، جميعها من الجهات الخاضعة لهذا القانون، والمكلّفة بالإبلاغ عن أي شُبهة غسل أموال أو تمويل للإرهاب.
أيضا، جميع «الأشخاص أو الجهات التي تعمل في تجارة العقارات وتطويرها، والأشخاص أو الجهات التي تعمل في تجارة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة« ضمن الجهات الخاضعة لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبحسب البنك المركزي الأردني، فإنه يوجد 20 مصرفا تجاريا محليا وأجنبيا عاملا في الأردن، وأكثر من 110 شركات صرافة وتسع شركات لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وعمليات الشراء المختلفة للأفراد والمؤسسات.
الخروج من القائمة الرمادية
في عام 2019، زارت مجموعة العمل المالي (فاتف) الأردن لإخضاع نظامه المالي لتقييم ومعرفة مدى التزامه بتطبيق المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبناء على تلك الزيارة، وضعت المجموعة المملكة في القائمة الرمادية عام 2021، بحسب ما ذكره علاء بني فواز، نائب رئيس وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبيّن بني فواز أن قرار المجموعة جاء بسبب غياب القوانين والتشريعات المعنيّة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتطبيقها، وبناء على ذلك، فقد منحت (فاتف) الحكومة الأردنية ما يقارب العامين لتصويب أوضاعها ومعالجة المواد التشريعية والقانونية وتحصين النظام المالي من الاختراقات الناجمة عن غسل الأموال.
وقال في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي «قبل انتهاء المدة الممنوحة للأردن، والتي تصادف فبراير شباط من عام 2024، نجح الأردن في الخروج من القائمة بعد سلسلة من الإجراءات الإصلاحية».
وأعلنت مجموعة العمل المالي رفع اسم الأردن من قائمة الدول تحت المتابعة المتزايدة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أو ما تعرف بـالقائمة الرمادية، خلال اجتماعها العام الذي عُقد خلال الفترة من 23 إلى 27 أكتوبر تشرين الأول الماضي في العاصمة الفرنسية باريس.
ويعتبر بني فواز أن خروج الأردن من القائمة الرمادية «يثبت التزام المؤسسات المالية الحكومية الدقيق بالمعايير الدولية كما يعكس ثقة مجموعة العمل المالي باستمرارية تلك المؤسسات في تطبيق المعايير الدولية التي تم وضعها بشكل علمي وعملي لمواجهة غسل الأموال، ومنع الإضرار بالأنظمة المالية والاقتصادية للدول».
ويقول نائب رئيس وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إن الأردن يُخضع المؤسسات المالية كافة التابعة للبنك المركزي لرقابة مشددة لضمان عدم وجود أي عمليات غسل أموال ومتابعة أي عمليات مشبوهة من هذا النوع.
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن بقاء الأردن خارج القائمة الرمادية يحتاج مواكبة المعايير الدولية، ومن ضمنها ضبط الحوالات المالية، والتي تم تحديدها في المملكة بناء على تلك المعايير، وتبلغ 10 آلاف دينار (حوالي 14.1 ألف دولار أميركي) أو ما يعادلها من عملات.
ويوضح بني فواز أن الوحدة تلقت ما يقرب من 1000 بلاغ خلال عام 2017، لكنه رفض الحديث عن عدد القضايا التي تم كشفها أو البلاغات التي تلقتها الوحدة بعد إصدار التقرير السنوي الأخير للحفاظ على سرية القضايا المنظورة أمام القضاء، أو التي ما زالت قيد التحقيق. ويصف رئيس وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مستوى البلاغات الواردة إلى الوحدة بأنه «مستقر إلى حد ما منذ ذلك الوقت».
جرائم تهدد اقتصاد الدول
الكاتب والمحلل الاقتصادي بسّام الزعبي، يوضح بدوره أن جرائم غسل الأموال لها انعكاسات سلبيّة خطِرة على اقتصاد الدول، معتبرا انها يُمكن أن تزيد معدّلات الفقر وترفع مستويات التضخم وأسعار السلع والخدمات، خاصة إذا لم يكن الجانب الرقابي قويا وقادرا على كشف هذا النوع من الجرائم.
ويقول الزعبي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن النظام المصرفي يجب أيضا أن يكون متماسكا وذا مرجعية قانونية وتشريعية موحدّة ليتم من خلاله تقديم البلاغات حول التحويلات المالية المشبوهة للجهات الرقابية.
ويشدد على أن ضعف المنظومة المالية يزيد من سهولة ارتكاب جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي يُسهم في خلق فجوة اقتصادية واجتماعية بين أفراد المجتمع. أضاف أن عمليات غسل الأموال «ستخلق بالتأكيد اقتصاد الظل، أو التستر التجاري، ما ينتج عنه
تراجع النمو الاقتصادي إلى مستويات مقلقة يصعب عقبها إعادة الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة، كما ستصبح السوق الموازية، أو اقتصاد الظل، هي المهيمنة والمتحكمة في الحركة المالية والاقتصادية، بينما تكون قدرة الحكومات على التأثير محدودة جدا.
ويقول «التحويلات المالية من أبرز الأساليب التي يتم استغلالها في تمرير عمليات غسل الأموال»، وهو الأمر الذي يُحتّم على الأفراد والمؤسسات والحكومة زيادة الرقابة« على هذه المعاملات المالية وتشديد الإجراءات المتعلقة بالتحقق الفعلي من مصادر ما يرد منها وما يصدر.
اقرأ المزيد:
الجيش الأردني يقتل خمسة مهربين قادمين من سوريا
أمير الكويت يستقبل محافظ صندوق الاستثمارات السعودي.. ورئيس «أعيان» الأردن
ملك الأردن يفتش في «البيت الأبيض» عن حلول لأزمات المنطقة الملتهية