العراق يستقبل رمضان بارتفاع مضاعف في الأسعار
لم يُكمِل علي السلطاني (35 عاما) شراء جميع الاحتياجات الشهرية التي طلبتها زوجته، بسبب نفاد أمواله، لذلك، فقد اكتفى بالضروري منها، في ظل ارتفاع الأسعار الذي يضرب السوق المحليّة العراقيّة مع قرب حلول شهر رمضان.
وقال السلطاني لوكالة أنباء العالم العربي إن ارتفاع الأسعار «أصبح أمرا مألوفا قبل حلول شهر رمضان، لكنّ هذا الارتفاع تزامن مع صعود قيمة الدولار أمام الدينار، لذا، فقد أصبح الارتفاع مضاعفا، إذ بدأَت أسعار السلع في الصعود أكثر عن أسعارها المرتفعة أصلا».
ويشهد العراق منذ بداية العام الماضي ارتفاعا في أسعار صرف الدولار، إذ وصَل إلى حاجز 1530 دينارا للدولار الواحد، مرتفعا عن سعره السابق بنحو 270 دينارا، وهو ما أدّى إلى زيادة أسعار السلع والخدمات، التي يكون أغلبها مستوردا بالدولار، وذلك بسبب ضعف الصناعة المحليّة.
أسقط السلطاني اللحوم بأنواعها عن قائمة طعامه، لأنها شهدت ارتفاعا أكبر، ويشير إلى أن «سعر الكيلوغرام الواحد من الدجاج الحي تجاوز الخمسة آلاف دينار (نحو 3.5 دولار)، بعد أن كان بأقل من أربعة آلاف، وسعر الكيلوغرام من السمك وصل إلى ثمانية آلاف دينار بعد أن كان ستة آلاف، أما لحم الغنم، فقد وصل إلى 25 ألف دينار، وقاطعته أغلب الأسر العراقية».
وسجلت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا في الفترة الأخيرة، ونتيجة للّجوء إلى اللحوم البيضاء بديلا عن اللحوم الحمراء ازدادت أسعارها هي الأخرى، ما أثار شكاوى المستهلكين، خاصةً أن اللحوم عموما تدخل ضمن المكوّنات الأساسية لمختلف الأكلات الشعبية التقليدية في المطبخ العراقي في رمضان.
ارتفاع سنوي مع ضعف الرقابة في العراق
واعتادت الأسواق العراقية ارتفاعا سنويا في أسعار المواد الغذائية واللحوم مع اقتراب شهر رمضان، بسبب زيادة الطلب على هذه المواد، حيث تنشط الأسواق ويزداد المتبضعون، فالتسوق قبل بداية رمضان أشبه بنشاط شعبي عراقي متوارث.
وقال عضو لجنة الاقتصاد والتجارة النيابية علي المكصوصي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن «هناك ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية المختلفة مع قرب شهر رمضان وهذا الأمر ليس بالجديد ويحدث باستمرار لضعف الرقابة على السوق والسيطرة على الأسعار من قبل الجهات التنفيذية المختصة».
ويرى المكصوصي أن «الجهات الرقابية المختصة مطالبة بتشديد الإجراءات لمراقبة السوق المحليّة واتخاذ الإجراءات الصارمة بحق كل من يحاول التلاعب بالأسعار، فملف الأمن الغذائي مهم وخطير جدا، ويجب السيطرة على السوق من قبَل الجهات المختصّة ومنع أي استغلال للمواطن بهذا الملف من قبل بعض التجار الجشعين».
ويضيف «نحن في لجنة الاقتصاد والتجارة النيابيّة سنعمل على استضافة الجهات المختصة في وزارتي الداخلية والتجارة لمعرفة الإجراءات المتخذة للسيطرة على السوق ومنع ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان أو ما قبل حلول الشهر، وسنعمل على متابعة عمل تلك الجهات لغرض التشديد لما فيه مصلحة للمواطن».
وكانت مؤسسة (عراق المستقبل) للدراسات والاستشارات الاقتصادية أوضحت يوم الجمعة الماضي أن أسعار السلع والخدمات في العراق ارتفعت بنسبة 18% منذ بداية 2020 حتى بداية 2024، بحسب بيانات الأسعار الصادرة من الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط.
وأشارت المؤسسة إلى أن سلعا أساسيّة شهدت ارتفاعا بلغ أكثر من 30%، وقد تصدرتها اللحوم، التي ارتفعت بنسبة 36% مقارنة مع عام 2020، كما ارتفعت أسعار الأسماك بنسبة 38% والألبان بنسبة 31 في المئة.
العراقيون واستغلال شهر رمضان
من جهته، يقول العميد مقداد الموسوي، المتحدّث باسم وزارة الداخلية العراقية، في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي إنّ «الأجهزة المختصّة في الوزارة باشرت بحملات متابعة ورقابة على الأسواق المحلية كافة في بغداد والمحافظات، وخاصة أسواق الجملة، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل ما يُحاول التلاعب بأسعار المواد الغذائية مستغلا قرب حلول شهر رمضان».
وبحسب قوله، فإن «هناك من يحاولون استغلال شهر رمضان بسبب إقبال المواطنين على التسوّق بشكل كبير، يختلف عن كل الأشهر الأخرى، ولذا، فقد قمنا بحملة متابعة ومراقبة استباقية، كما أن لدينا عناصر استخباراتية تُرسل لنا المعلومات في حال رصد أي حالة تلاعب أو رفع للأسعار بشكل غير طبيعي». ويضيف «عمِلنا خلال الأشهر الماضية على اعتقال عدد من المتلاعبين بالأسعار، سواء أسعار السلع أو حتى أسعار صرف الدولار من المضاربين الذين أثروا بشكل سلبي في السوق المحلية».
وأعلنت وزارة الداخلية يوم الأربعاء ضبط أكثر من 75 مخالفا ممّن وصفتهم بالمتلاعبين في أسعار المواد الغذائية. ووفقا للعميد حسين التميمي، مدير عمليات مكافحة الجريمة المنظّمة التابعة للوزارة، فإنّ «المديريّة شكّلت مفارز لمراقبة أسعار المواد الغذائية في الأسواق الرئيسة، والتي تُباع بالجملة والمفرد، وتتّخذ إجراءات قانونية في حال رصد ارتفاع بالأسعار المحددة بحق المخالفين وعرضهم أمام القضاء».
ويشير التميمي إلى تشكيل غرفة عمليات في أسواق العاصمة، حيث قُسّمت بغداد إلى عدة مناطق للإشراف على أسعار المواد الغذائية، فضلا عن توفير خطوط ساخنة للإبلاغ عن المخالفين.
مراقبة يومية
لكن على الرغم من ذلك، فإن وزارة التجارة تنفي وجود أي ارتفاع في الأسعار، وقد أعلنت الوزارة عن خطّة أعدتها لتأمين تجهيز مفردات السلة الغذائية استعدادا لشهر رمضان، وأضافت إليها بعض السلع مثل المعكرونة والنشا والشعيرية والطحين. وقالت الوزارة إن الأجهزة الرقابية «تعمل على التدقيق على الأسواق والتأكّد من أسعار المواد الغذائية».
وتوزّع وزارة التجارة العراقية المواد الغذائيّة الأساسية على المواطنين منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتحديدا مع بدء العقوبات الدوليّة على العراق عام 1990، فيما تسعى لزيادتها وتنويعها مع حلول شهر رمضان من كل عام.
ويقول مثنّى جبار، وهو متحدّث باسم وزارة التجارة، في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن فرق الوزارة في بغداد والمحافظات «تعمل على مراقبة السوق بشكل يوميّ وعلى مدار الساعة، وتعمل على منع أي ارتفاع في أسعار المواد الغذائيّة التي يحتاجها المواطن، وهناك تنسيق وتعاون مع وزارة الداخلية قسم مكافحة الجريمة الاقتصادية وجهاز الأمن الوطني».
ويضيف «كلّ من يتلاعب بأسعار المواد الغذائيّة يتم اتّخاذ إجراءات قانونيّة بحقّه، كما أننا نعمل على ضخّ كميات كبيرة من المواد الغذائيّة ضمن مشروع السلّة الغذائيّة، وفي حال رصد أي ارتفاع في أسعار المواد في السوق المحلية، فإن لجاننا المختصّة توجد في كل الأسواق وبشكل يومي وهي تراقب». ويتابع «هناك إجراءات اتُّخذت بحق بعض المخالفين خلال الأيام الماضية بسبب تلاعبهم بالأسعار.. .. هناك باعة يتّصفون بالجشع ويعملون على رفع أسعار بعض المواد الغذائية مع قرب شهر رمضان، لكنّ هناك إجراءات فاعلَة لضمان انسيابيّة توفّر المواد الغذائية ومنع ارتفاع قيمتها السعريّة بشكل يُرهق كاهل المواطن».
وكانت وزارة التجارة قد أطلقت حملة لبيع المواد الغذائية بأسعار تنافسيّة مدعومة تزامنا مع قرب حلول شهر رمضان، تضمّنت بيع اللحوم بسعر تسعة آلاف دينار للكيلوغرام الواحد في مناطق ومواقع مححدة.
اقرأ المزيد:
العراق يعلن استعداده للوساطة بين روسيا وأكرانيا